ترامب.. أقل المكاسب وحرية الأراضي السورية
إبراهيم شير
تصريحات صادمة ومفاجئة للسوريين والأميركيين معا خرج بها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، وقال فيها إن بلاده ستنسحب من سوريا قريبا جدا وتترك الآخرين يهتمون بالأمر دون أن يحدد من هم. وهذا التصريح جعل الخارجية الأميركية في حيرة من أمرها ومتفاجئة مثل الجميع. انسحاب واشنطن من سوريا جاء في وقت قال فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن بلاده سترسل قوات إلى منبج السورية لحمايتها من التدخل التركي، أي أن الساحة السورية لن تكون خالية تماما من القوات الأجنبية سواء من أوروبا أو من تركيا التي تحتل مساحات واسعة من البلاد والتهديد بالسيطرة على أخرى.
خروج القوات الأميركية لا يشكل حدثا مفصليا في الأزمة السورية، لأن الأميركي لن يرحل خاسرا من هذه المعركة، وترك الساحة للآخرين على حد قول ترامب يضع علامات الاستفهام عن ماهية هؤلاء الآخرين، خصوصا بعد أن نشرت صحيفة واشنطن بوست قبل أيام خبرا مفاده أن ترامب أبلغ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، استعداده لمغادرة الأراضي السورية مقابل 4 مليارات دولار، ما يجعل فرضية تواجد قوات سعودية في سوريا احتمالا كبيرا، خصوصا في ظل التوتر بالعلاقات بين الرياض وأنقرة على خلفية عدة ملفات أبرزها الأزمة مع قطر.
الساحة في الشمال السوري باتت أرضا لتصفية النزاعات بين مختلف القوى، إلا أن الأميركي لن ينسحب دون أن يخلق حلفاء له في هذه البقعة من الأراضي السورية و”قسد” خير دليل على ذلك. أما تركيا فتواصل اللعب بأريحية في الشمال السوري، ويبدو أن روسيا لا تملك أوراق ضغط كافية تمارسها عليها لوقف تقدمها ربما في الوقت الحالي فقط. خصوصا أن أنقرة تتخذ من الذريعة الكردية ورقة ضغط ناجحة ترفعها بوجه أي دولة تحاول منعها من التقدم في الأراضي السورية.
البيئة في الشمال والشرق السوري مهيئة بشكل كبير للقبول بأي قوات تحل محل الأميركيين، خصوصا وأن الأخوة الكرد لم يفقهوا سياسة القوى الكبرى في العالم حتى الآن، فسوى الولايات المتحدة أو فرنسا وحتى بريطانيا، لن يتخلوا عن تركيا حليفهم الاستراتيجي في المنطقة، من أجل الكرد ولهم في عفرين خير دليل على ذلك. وقيام واشنطن بدعمهم للتقدم في مناطق ليست لهم أساسا سواء في الرقة أو دير الزور وغيرها من الأراضي في محافظتي حلب والحسكة، ما هو إلا ورقة رابحة تم بيعها لتركيا ليكونوا ذريعة تقدم أنقرة داخل الأراضي السورية، وورقة أخرى تباع لدول تريد التواجد في سوريا بحجة الدفاع عن الكرد.
ترامب لن يترك الساحة السورية لروسيا دون الكثير من الأزمات والمتاهات وهو يريد الانسحاب منها الآن بأقل المكاسب وليس أقل الخسائر. حل ملف القوات الأجنبية على الأراضي السورية لن يكون عسكريا بالتأكيد، بل سيعتمد على نقطتين الأولى الانتفاضة الشعبية في هذه المناطق ضد القوات الأجنبية وحلفائها من السوريين خصوصا وأن سكان هذه المناطق من الحسكة ودير الزور والرقة هم من العشائر العربية التي لا تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها، ولن تقبل بان يأتي أشخاص لا يجيدون لغتهم ولا يعرفون عاداتهم وتقاليدهم ويعطوهم الأوامر، وهذا الأمر حصل فعلا عندما قامت مجندة كردية في قوات “قسد” باستفزاز أحدى العشائر في ريف الرقة قبل أيام وهو ما أدى إلى مواجهات مسلحة مع “قسد” وحرق مراكزها في القرية. أما النقطة الثانية فهي نتاج الأولى وستتمحور حول الحل السياسي والحوار المباشر مع هذه الدول.
الوجود الأميركي والغربي في سوريا حله بسيط جدا لأن المجتمع لن يتقبله، لكن نحن نحتاج لعقود لحل معضلة التواجد التركي في سوريا خصوصا في إعادة تأهيل الحواضن الشعبية التي استقبلته.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/03/31