مقاومة سلمية تحميها المُسلّحة
حمزة أبو شنب
صحيح بأن العدو يلجأ إلى استخدام القوّة والقوّة المفرطة في التعامُل مع المتظاهرين إلا أنه يفشل في عملية جزّ العشب تجاههم، فهو عدو مجرم لا يحتاج إلى المبرّرات لاستخدام القوّة المفرطة تجاه الشعب الفلسطيني، لا شك أن المطلوب هو العمل على تقليل الخسائر قدر الممكن، والمحافظة على ديمومة الحراك ومساره الصحيح.
شكّل الحراك الجماهيري الشعبي السلمي المستمر منذ يوم الجمعة الماضية حتى يومنا، مادة للنقاش في الأوساط الفلسطينية، والمقارنة بين أيّهما أجدى: الحراك السلمي الشعبي، أو المقاومة المسلّحة في مواجهة الاحتلال؟ وأيّهما أقدر على إيلام العدو الإسرائيلي؟
لا يمكن تجاوز أو إنكار أو تجاهُل أن كافة الوسائل والأدوات في مقاومة المحتل مشروعة، وهي حقّ لكلِ الشعوب المحتلّة حتى لو كان الرأي العام الدولي يتعاطى مع بعضها ويرفض الأخرى، فالنضال ومواجهة المحتل واستنزافه هي وسائل وأدوات تسعى الشعوب المحتلة إلى ممارستها لتحقّق أهدافها في إنهاء الاحتلال ونيل الحرية.
إن نقاش جدوى أحدهما من دون الأخرى في واقع قطاع غزّة يسير في مسار غير دقيق، فالمقاومة المسلّحة في القطاع استطاعت أن تُراكم القوّة وترفع تكلفة المواجهة مع العدو، ما دفع العدو إلى السعي لتأجيل المواجهة وتجنّب الخوض فيها، وحقّق للمقاومة القدرة على مواصلة التطوير والبناء، ولا يمكن نكران بأن المقاومة المسلّحة تمكّنت من طرد الاحتلال من قطاع غزّة عام 2005 وسبقها في لبنان عام 2000.
أما المقاومة الشعبية فقد حقّقت هي الأخرى نتائج إيجابية في الانتفاضة الأولى وساهمت في استنزاف العدو الإسرائيلي على مدار خمس سنوات كانت كفيلة بتحقّق نجاحٍ ملموس، إلا أن أوسلو أضاعت الفرصة، كما عملت على تدعيم المقاومة المسلّحة في الانتفاضة الثانية بالزُخم الشعبي والاحتضان والتفاعُل.
ربما هي المرة الأولى التي تتزاوج فيها قوّة المقاومة المسلّحة بالمقاومة الشعبية السلمية في قطاع غزّة بالصورة الحالية، ففي السابق راكمت المقاومة القوّة العسكرية في الخارج، إلا أن الداخل لم يكن يعيش واقع الانتفاضة الشعبية.
إن أحد عوامل مواصلة النضال الشعبي السلمي هو وجود مقاومة قادرة على لجم الاحتلال عن بعض الممارسات التي تُمارَس في الضفة الغربية على سبيل المثال، فالاحتلال اليوم غير قادر على إحباط الحراك السلمي بحملة اعتقالات تطال كافة النُشطاء والفاعلين والمشاركين في الحراك.
كما أن الاحتلال لا يقدم على التصدّي و الملاحقة الميدانية للجماهير المنتفضة على طول الحدود، ما يجعله في موقع المدافع أمام المنتفضين، وهذا يحقّق للحراك نجاحه في استنزاف العدو في قوّاته، ويفقده روح المبادرة ويحصر جلّ تفكيره في كيفيّة المواجهة والتصدّي، وهذه هي أدوات الاستنزاف.
صحيح بأن العدو يلجأ إلى استخدام القوّة والقوّة المفرطة في التعامُل مع المتظاهرين إلا أنه يفشل في عملية جزّ العشب تجاههم، فهو عدو مجرم لا يحتاج إلى المبرّرات لاستخدام القوّة المفرطة تجاه الشعب الفلسطيني، لا شك أن المطلوب هو العمل على تقليل الخسائر قدر الممكن، والمحافظة على ديمومة الحراك ومساره الصحيح.
إلا أن ذلك لا يعني بكل الأحوال بأن الإبداعات الشعبية والجماهرية تصبح محطّ انتقاد وأشبه بالتجريم، كما لا يمكن إغفال العواطف الشبابية في ظلّ واقع قطاع غزّة المليء بالسلاح، فنحن نشاهد عمليات الطعن في الضفة الغربية بالسلاح الأبيض والأسلحة النارية البسيطة المصنّعة يدوّياً اعتراضاً على سياسة العدو، وكيفية الردّ العنيف من المحتل.
من المبكر الخوض والنقاش في جدوى السلمية و الشعبية، أو المسلّحة، والمهم التركيز في كيفية المحافظة على فعاليّة الحراك بكل الطاقات الكامِنة في الحال الفلسطينية في قطاع غزّة، فمَن يرى بأن الحراك يجب أن يكون سلمياً من دون أية أدوات شعبية فليقاوم، ومَن تتفجّر طاقاته في استنزاف العدو على مدار الأيام والأسابيع بالأدوات الشعبية فهذا حقّه، كما أن المقاومة المسلّحة تحتاج هي الأخرى لمواصلة تراكم القوّة.
مما لا شك فيه بأن التقييم مطلوب في كل مرحلة وكل خطوة، ولكن أن يتحوّل التقييم إلى عملية جدالية يجعلنا نستحضر الصراع على البرامج الاجتماعية بعد التحرير الذي دار في بعض أوساط النُخبة في بداية الثورة الفلسطينية وحتى خلال الانتفاضة الأولى، بتقديري الهدف واضح ومواصلة الحراك ضرورة في المرحلة الحالية وممارسة المقاومة السلمية والشعبية هي عنوان المرحلة، حتى نحقّق ما نصبو إليه.
لقد نجح الحراك في استنهاض الحال الشعبية الفلسطينية والمشاركة الفاعِلة في مواجهة الاحتلال، هذه الحال المحتضِنة للمقاومة المسلّحة، باتت اليوم قادِرة على تحقيق المزيد من الاستنزاف : مقاومة سلمية وشعبية تحميها المقاومة المسلّحة.
لصالح "الميادين نت"
أضيف بتاريخ :2018/04/09