بعد توعده برد قاس إثر أنباء هجوم الغاز في “دوما”: هل سيغير “ترامب” المشهد في سوريا؟
عبدالوهاب الشرفي
انتشرت أنباء مساء السبت عن هجوم كيميائي شنه الجيش السوري على مدينة ” دوما ” ، وهو ما نفته دمشق وموسكو بشدة، في حين هدد الرئيس الأمريكي ” ترامب ” بأن الهجوم لن يمر دون رد قاسٍ .
كانت الأحداث في الغوطة قد بدأت تمهد وفق نتيجة لصالح الجيش السوري و حلفاءه وهذه النتيجة تحتسب خسارة لمحور الغرب بزعامة الولايات المتحدة كونها تحققت بعد معركة سياسية وإعلامية كبيرة بين الولايات المتحدة و حلفائها وبين روسيا وحلفائها وكانت هذه المعركة هي الأعلى بين المعارك السياسية و الإعلامية بين الجانبين منذ معاركهما أثناء استعادة الجيش السوري لمدينة حلب .
كان للتصريحات الروسية العالية بأن الولايات المتحدة تخطط لافتعال مجزرة باستخدام الغاز لتستخدمها كمبرر للتدخل العسكري في سوريا ، ومزامنه الحديث لأحداث الغوطة التي اشتعلت فجأة لتعيد المشهد ” السجالي ” في سوريا إلى بداياته يقتضي أن الهدف الأمريكي من ما تحدثت عنه موسكو هو التأثير على النتيجة في الغوطة ، أو بعبارة أخرى محاولة التدخل لمنع خسارة المسلحين في الغوطة و سيطرة الجيش السوري وحلفاءه عليها ، وكان لهذه التصريحات الروسية أثرها في تفويت الفرصة على الولايات المتحدة كون تلك التصريحات المسبقة كانت ستلعب دورها في أضعاف الموقف الأمريكي لدى الرأي العام في نسبته للعملية إذا ما تمت حينها للجيش السوري . وهذا بدوره منع وقوع العملية حينها منح الجيش السوري و حلفائه وقتا مكنه من استمرار التحكم في الحدث في الغوطة ورسم النتيجة لصالحه .
تفجرت بصورة مفاجئة أزمة بدأت من بريطانيا مع روسيا كان عنوانها العميل ” سكيربال ” و التهمة التي وجهت للروس هي استخدام الغاز و تم تصعيد تلك الأزمة بصورة دراماتيكية وفق مسار غير طبيعي اعتمد على ( الصورة المفزعة لاستخدام الغاز في أوروبا لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ) وليس سير طبيعي لتوجيه التهمة لروسيا بتنفيذ عملية الاغتيال ، وتمكنت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا من تحقيق مكاسب سياسية بناء على تلك الصورة يمكن اعتبارها تحصين للرأي العام ضد التصريحات الروسية باستخدام الغاز التي أفشلت المخطط الذي تحدثت عنه روسيا من قبل ، ووفق مفهوم من يوجه التهم باستخدام الغاز لتمرير مخططه في سوريا هو وأرط في استخدام الغاز في أوروبا ذاتها ما يخلق حاجز بين تصريحاته المتهمة لأمريكا وبالتبعية محور الغرب و بين الرأي العام الغربي .
قبل أن تستكمل روسيا و الجيش السوري وحلفائه قطف ثمار التصريح الروسي الكاشف بنوايا استخدام الغاز في الغوطة وبالتبعية استكمال رسم النتيجة لصالحهم بصورة كاملة تعثرت الاتفاقات التي بموجبها يخرج المسلحون من الغوطة ويسلمونها للجيش السوري ، وبعد تداول أخبار عن اتفاق تم بين ” جيش الإسلام ” وبين الجيش السوري لخروج عناصره من ” دوما ” إلى ريف حلب يعلن عن تعثر هذا الاتفاق ويعود القصف الجوي و المواجهات من جديد وبعد مايقارب اليومين يتم الحديث عن هجوم بالغاز تم في ” دوما ” كان ضحاياه عشرات المدنيين ، وبالتالي تعود النتيجة في دوما تحت تهديد جدي واحتمال تغيرها ترتيبا على ردود الأفعال الممكن ترتيبها على حدث مثل استخدام الغاز في ” دوما ” .
عندما بنينا فيما سبق على التصريحات الروسية السابقة بنويا أمريكية بافتعال مجزرة باستخدام الغاز لتبرير تدخل عسكري في سوريا فعلنا ذلك لأن من يحتاج لمبرر للتدخل العسكري لتغيير سير الأحداث في سوريا هو محور الغرب فالمحور المقابل من روسيا و إيران وحزب الله جميعهم يعملون تحت غطاء دعوة رسمية من الحكومة السورية من جهة كما أن هناك اعتماد كامل لمحور الغرب على الجانب الإنساني كأحد أسلحة المواجهة مع روسيا والحكومة السورية وحلفائها منذ بداية الأحداث في سوريا من جهة ثانية ، ومن جهة ثالثة كانت الولايات المتحدة قد استخدمت جريمة الغاز في ” خان شيخون ” سببا لتدخل عسكري مباشر في سوريا وضربت حينها مطار الشعيرات .
على غير ما كان الحال في خان شيخون بإقرار الجميع بارتكاب مجزرة بالغاز بحق المدنيين وكان نقطة الخلاف هي من المسئول عنها يأتي الخلاف فيما يتعلق بأخبار هجوم ” دوما ” حول الوقوع ذاته وفيما بين نسبة الغرب أخبار المجزرة لمصادر محلية ومنظماتية والبناء عليها وبين إنكار الحكومة السورية و روسيا لوقوع حادثة باستخدام الغاز في ” دوما ” أصلا و وصفتها الحكومة السورية بالأخبار المفبركة .
الموقف الأمريكي ظهر متشددا للغاية و هدد على لسان ” ترامب ” برد قوي على ( استخدام الغاز ) في ” دوما ” بينما مواقف حلفاءه التي تميل إليه لكنها ليست بذات الحدة التي خرج بها الموقف الأمريكي وكذلك ليست بذات الحدة التي صاحبت جريمة ” خان شيخون ” ، وفق ضوء كل ما سبق يظل السؤال هو… ماهو الرد الأمريكي القوي الذي تحدث عنه ” ترامب ” الذي اتبع تهديده بتغريدة في ” تويتر ” باجتماع مع فريقه للأمن القومي .
المسافة التي سيتمثل فيها الرد الأمريكي القوي هي ما بين عقوبات إضافية على روسيا وإيران الذي حملهما ترامب المسئولية عن توفير الغطاء للنظام السوري واستخدام الغاز ضد المدنيين ، ومرورا بضربة عسكرية محدودة كتلك التي تمت اثر جريمة ” خان شيخون ”، وبين عملية واسعة سبق وان لوحت بها واشنطن في ضربة واسعة للنظام السوري وسيترتب عليها إخراج سلاح الجو السوري من معادلة الأجواء السورية وقصرها على سلاح الجو الروسي .
لا يمكن التوقع بكيف سيكون الرد الأمريكي القوي تحديدا لكن سنذهب في قراءة العوامل المؤثرة على هذا القرار ، فمن جهة هناك عوامل عدة تدفع باتجاه العمل العسكري الواسع وأهمها أن النتيجة في دوما إذا مااستكمل رسمها بأيدي روسيا و الحكومة السورية وحلفائها فستكون ضربة أخرى قوية للغاية وربما أخيرة لتأثير محور الغرب في الملف السوري وسيكون ذلك بمثابة إعلان الخسارة الكاملة لمحور الغرب و الانتصار لروسيا و الحكومة السورية وإيران وحزب الله ، كما أن معادلة الأجواء السورية أصبحت خطيرة من وجهة نظر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في إثر تمكن الدفاعات الجوية السورية من إسقاط طائرات مقاتلة صهيونية ، وكذلك أن ” ترامب ” قد أعاد صياغة إدارته خلال الفترة القريبة الماضية باستيعاب شخصيات من ” الصقور ” و الذين يقبلون أو يدفعون باتجاه قرارات متشددة ومغامرة تجاه ملفات المنطقة ، أضف إلى ذلك أن إدارة عملية بحجم أزمة ” سكيربال ” لن يتم الإقدام عليها دون أن يكون إتاحة الفرصة لخطوات متشددة وقوية أحد الأهداف .
بالمقابل هناك عوامل تلعب في الضد و تدفع باتجاه رد فعل ضعيف وأهمها أن وضع الأخبار التي يعتمد عليها ضعيف فهي منسوبة لمصادر ولم تؤكدها أي مصادر حكومية غربية بصفة رسمية حتى اللحظة رغم بناء الولايات المتحدة عليها وإطلاق التهديدات ، كما أن التحفز الروسي لمواجهة الإقدام على أي خطوة منتهكة في ذروته وبلغ لحد تصريح ” بوتين ” قبل أسابيع بأن روسيا سترد على أي هجوم على روسيا أو على حلفائها و تصريحات عسكريين روس بأن روسيا سترد بضرب مصادر النيران في حال تعرضت قواتها في روسيا للضرب ، كذلك كان حديث ” ترامب ” في تغريدته عن أن الهجوم بالغاز تم في منطقة معزولة يستحيل الوصول إليها وطالب بسرعة فتح المجال لإيصال المساعدات لها حديثا مضعفا لتهديده برد قاسي ، أيضا أن حلفائه لحد الآن على الأقل لا يشاطرونه ذات الحدة في ردود الفعل تجاه أخبار الهجوم بالغاز في ” دوما ” ، كما أن توجه روسيا بعد تحذيراتها من الإقدام على أي انتهاك بناء على ذرائع مختلقة لمجلس الأمن بطلب للنظر في تهديد الأمن و السلم الدوليين سيمثل إعاقة إضافية أمام الرد الأمريكي ، أضف إلى ذلك أن جدوى رد الفعل ليست جيدة بعد الأخبار عن التوصل لاتفاق جديد لخروج ” جيش الإسلام ” من ” دوما ” بل وإعلان الدفاع الروسية انتهاء العمليات العسكرية فيها .
في ضوء ما سبق يمكن توقع أن سقف الرد الأمريكي المتوقع هو دون الضربة العسكرية الواسعة في سوريا و لا يتجاوز فرصة الرد بضربة محدودة كالضربة السابقة لموقع أو عدد محدود من المواقع العسكرية السورية . و ” ترامب ” يناقش الرد الآن مع مستشاريه للأمن القومي والجميع بانتظار ماالذي سيقدم عليه في ضل تشويق كبير لمغامرات ” ترامب ” التي تفتح الاحتمال على كل شيء .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/04/10