لماذا لم ترد طهران على تل أبيب؟
صالح السيد باقر
منذ قصف الطائرات الإسرائيلية لمطار T4 بريف حمص الاثنين قبل الماضي، ومقتل عدد من الخبراء الإيرانيين وخاصة الخبراء في الطائرات المسيرة في القصف، والعالم يترقب الرد الإيراني على هذا القصف، خاصة أن بعض المسؤولين الإيرانيين ومن بينهم مستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي توعدوا إسرائيل بالرد، ولكن مضت أكثر من عشرة أيام وإيران لم ترد، فيا ترى لماذا؟
وقبل الإجابة على السؤال لابد من الإشارة إلى أن تل أبيب لم تتبن الهجوم، وحتى أنها رفضت التعليق على بيان وزارة الدفاع الروسية التي أكدت أن طائرات إسرائيلية هي التي قصفت، كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان صرح بأنه لا يعرف من الذي قصف المطار.
وبما أن إسرائيل عبرت مرارا عن اعتراضها الشديد على الوجود العسكري الإيراني في سوريا، فمن الطبيعي أن توجه أصابع الاتهام لها، غير أن امتناع تل أبيب عن تبني الضربة ينبئ عن أنها تخشى تداعياتها، ولكن عدم تبني إسرائيل الضربة هل يبرر لطهران الامتناع عن الرد، خاصة وأنها طالما أعلنت بأنها ستمسح إسرائيل عن الوجود حال تعرضها لأي اعتداء، أم أن مقتل الإيرانيين في مطار T4 لا يعد اعتداءا مباشرا؟
لا هذا ولا ذاك، إنما الوقت غير مناسب للرد، خاصة إذا كانت طهران تريد الرد بشكل مباشر، وربما لهذا السبب اختارت إسرائيل هذا الوقت لتوجيه الضربة.
تل أبيب تدرك جيدا أن التهديد والوعيد وحتى توجيه الضربات لن يؤثر على موقف طهران من البقاء في سوريا، وربما ستناقش قضية بقائها وحجم هذا البقاء بعد انتهاء الحرب بشكل كامل في سوريا، لذلك فان الموضوع مؤجل حتى تسوية الأزمة بالكامل، ولكن ما دامت إسرائيل تدرك ذلك جيدا فلماذا أقدمت على قصف المطار، الخطوة التي ربما تنطوي على العديد من ردود الفعل غير المحسوبة؟
علاوة على ما أسلفت أن إسرائيل ربما تعمدت في اختيار توقيت الضربة لأنها تعلم أن طهران لن ترد عليها في الوقت الراهن، ولكن إلى جانب ذلك فأنها كانت تسعى إلى تحقيق أهدافا أخرى من قصف المطار وفي مقدمة هذه الأهداف هي إعادة الأزمة السورية إلى مربعها الأول، وإشعالها من جديد خاصة وأنها حققت أهدافا لم تكن تحلم بها.
إذ لا يختلف اثنان على أن الأزمة السورية دمرت البلد واستنزفت موارده، وليست إسرائيل وحدها سعت لإشعال الأزمة من جديد بل أن الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لسوريا فجر السبت الماضي كانت أحدى أهدافها صب الزيت من جديد على نارها التي لم تنطفئ بالكامل، غير أن القصف الإسرائيلي كان استفزازيا أكثر من الضربات الثلاثية، وكانت تأمل إسرائيل وأميركا وفرنسا وبريطانيا أن ترد إيران وروسيا على الضربات، ولكن من المؤكد ستكون التداعيات كبيرة جدا، وهذا ما يفسر عدم تدخل القوات الروسية في الرد على الضربات الثلاثية.
لم تنزف سوريا لوحدها نتيجة الحرب التي استمرت 7 سنوات، بل أنها استنزفت أيضا إيران وكذلك روسيا، ولعل الاستنزاف الإيراني انعكس بشكل جلي على الاقتصاد الإيراني فالحكومة الإيرانية تقاتل اليوم من أجل إبقاء الاقتصاد واقفا على قدميه، ولايقتصر الاستنزاف الإيراني على الأموال الطائلة التي أنفقت في سوريا وإنما الدماء التي أريقت في سوريا لاتقل أهمية عن الأموال بل إنها الخسارة العظمى ، فالإيرانيون واللبنانيون والعراقيون والباكستانيون والأفغان الذين قتلوا في سوريا هم خيرة شباب الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وكتائب النجباء وعصائب الحق والفاطميون والزينبيون.
اليوم وقد بدأت الحرب تضع أوزارها في سوريا فليس من المعقول أن تقع طهران وموسكو وحتى دمشق في فخ إشعال الأزمة من جديد بالرد على تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس.
هذا من جانب ومن جانب آخر فان وضع إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يحسد عليه، فمنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة وقطاع غزة والضفة الغربية تشهدان فعاليات تكاد يومية احتجاجا على القرار، كما أن الاحتجاجات الفلسطينية تزامنت مع مسيرة العودة الأمر الذي زاد من توتر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، لذلك فان تل أبيب بأمس الحاجة في الوقت الراهن إلى إبعاد الأنظار عما يجري في فلسطين وإشعال أية منطقة كفيل بنقل الأنظار من فلسطين إلى تلك المنطقة، ومن المؤكد أن ذلك لا يخدم مصلحة إيران بتاتا، لذلك اختارت إسرائيل هذا التوقيت بالذات لقصف المطار.
طبعا هذا لا يعني أن طهران وموسكو ستقفان مكتوفة الأيدي وتتلقيان الضربات دون رد، فمن المؤكد أن طهران سترد ولكن ليس بالضرورة أن يكون ردها بشكل مباشر، كما أن الرد سيكون بحجم الضربة والهجوم، فلو أدت الضربة والهجوم إلى عودة الأمور في سوريا إلى ما كانت عليه فان الرد سيكون قويا، إذ ليس من المعقول أن تسمح طهران وموسكو بعودة الأمور إلى ما كانت عليه بعد كل هذه الأموال التي أنفقت والتضحيات الجسام التي قدمت.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/04/22