هل ستتخلى ” كوريا الشمالية ” عن ترسانتها النووية ؟
عبدالوهاب الشرفي
أعلنت كوريا الشمالية، اليوم السبت 21 أبريل/نيسان، تعليق تجاربها النووية والصاروخية قائلة إنها ستهدم موقعا لتلك التجارب في شمال البلاد، وأنها لم تعد بحاجة إليها.
ينتظر العالم اللقاء الذي يوصف بالتاريخي وسيجمع الزعيم الكوري الشمالي ” كيم أوان ” بالرئيس الأمريكي ” ترامب ” وهو اجتماع ملفت بالفعل بعد حالة من التوتر العالية و التصريحات النارية المتبادلة بين الطرفين على خلفية برنامج كوريا الشمالية لتطوير الأسلحة النووية ، و قبيل هذا اللقاء تفاجئ كوريا الشمالية الجميع بالإعلان عن تعليق تجاربها النووية و الصاروخية .
كان الرئيس الأمريكي ” ترامب ” يريد التعامل تجاه الملف الكوري الشمالي بمنطق القوة وحاول أن يتبع سياسة حازمة و تلويحات عسكرية مباشرة واستغلالا لمواقف محددة مثل ضربه لمطار الشعيرات السوري لإرسال رسائل بالجدية في استخدام القوة باتجاه كوريا الشمالية ، لكن كل ذلك انتهى بخسارة أمريكية فقد قوبل ذلك أيضا بلغة حازمة ومتحدية و بخطوات عملية بإجراء مزيد من التجارب النووية و الصاروخية من قبل كوريا الشمالية .
لم يجد الرئيس الأمريكي ” ترامب ” من يسانده في اللغة والتوجه التصعيدي للتعامل مع الملف الكوري الشمالي ، فالإدارة الأمريكية كانت غير متحمسة لتوجهات الرئيس ، والدول المعنية و الحليفة للولايات المتحدة في مقدمتها ككوريا الجنوبية و اليابان طالبت بعدم التصعيد مع كوريا الشمالية وكذلك المعنية من غير الحليفة للولايات المتحدة كالصين وروسيا طالبت بعدم التصعيد وألمحت بأن التلويح بالخيار العسكري للتعامل تجاه الملف الكوري الشمالي غير مقبول .
إثر الإخفاق ” الترامبي ” في التأثير على الملف الكوري الشمالي بالتلويح بالقوة استضاف ” ترامب ” الرئيس الصيني وكان الملف الكوري الشمالي هو أهم الملفات التي نوقشت وطلبت الولايات المتحدة تدخل الصين بشكل مباشر لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برامجها للتطوير النووي والصاروخي ، و يبدو أن الصين تحمست لهذه المهمة لأنها تنسجم مع الموقف الصيني – والدولي – بضرورة تخلي كوريا عن تطوير ( أسلحتها النووية ) من جهة وفرصة لتقديم الصين خدمة للولايات المتحدة تعول عليها للحد من العدائية الأمريكية تجاهها من جهة ثانية ولأن الملف الكوري الشمالي احد الملفات المعتملة في ” المنطقة الصينية ” و تعنى به الصين بشكل مباشر .
في أول زيارة خارجية له قام الزعيم الكوري الشمالي بزيارة سرية وقصيرة للصين و لتظهر بعدها بوادر نجاح المسعى الصيني بشكل أوضح ببدء التصريحات الكورية المرنة تجاه برنامجها النووي و الصاروخي ، و تبع ذلك زيارة لرئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية ” مايك بومبيو ” إلى كوريا الشمالية و لقاءه الزعيم الكوري الشمالي ولتأتي تصريحات ” بيونغ يانغ ” بأنها ستعلق برامجها للتطوير النووي والصاروخي لتوضح الصورة بان صفقة ما قد تمت وأنجزت تماما ولم يعد لقاء ” ترامب ” ب ” كيم أوان ” إلا مباركة لهذا الاتفاق وليس لبحث التوصل لاتفاق ، و لاشك أن المباركات الواسعة لهذا الإعلان الروسي من قبل جميع المعنيين يعزز أن الفترة الماضية منذ مابعد زيارة الرئيس الصيني للولايات المتحدة قد انقضت في مفاوضات أفضت إلى اتفاق مثل الإعلان الكوري الشمالي بتجميد التجارب إعلانا عنه ( الاتفاق ) .
الحوافز الاقتصادية هي المقابل لتعليق كوريا الشمالية لتجاربها النووية و الصاروخية كما توحي بذلك التصريحات الكورية الشمالية عن التحول للعمل الاقتصادي و للتنمية ، ومع أن المطلب الكوري الشمالي – في ضل دبلوماسية التصعيد و التهديد – كان مغادرة القوات الأمريكية لكوريا الجنوبية مقابل تخلي كوريا عن برنامجها النووي إلا أن هذا المطلب غاب في ضل هذه ” الصفقة تماما ” واقتصرت الإشارات المرسلة كلها ذات جوانب اقتصادية و تنموية .
طبيعة الإعلان الكوري الشمالي الأخير عن مستقبل برنامجها النووي يحمل التفسير لتخلي كوريا عن مطلبها بالمغادرة الأمريكية لكوريا الجنوبية واكتفائها بالحوافز الاقتصادية ، فالحديث الكوري الشمالي كان عن تجميد وليس عن التخلي عن التجارب النووية و الصاروخية وبين الاثنين فرق، فالتجميد يعني قبول كوريا الشمالية بوقف تجاربها مع احتفاظها بحقها في معاودتها في أي وقت تحتاج لذلك واقل ما فيه أنها تفضل أن تحتفظ” بصميلها ” في يدها وأن لم ترفعه أو تلوح به ، بينما التخلي يعني أنها قد قبلت بأن تتوقف تماما عن التطوير النووي و الصاروخي – على الأقل في الالتزامات المعلنة – حاليا ومستقبلا .
كان الحديث الكوري الشمالي أكثر وضوحا في جامب تحديد الالتزام بالقول أن كوريا الشمالية لم تعد بحاجة لهذه التجارب وأنها ” استكملت تسليحها النووي ” و هو حديث واضح بأن ماتم يتعلق بالإضافات و التطوير مع الاحتفاظ بما هو قائم حاليا وهو مستوى من التسليح النووي و الصاروخي مرضي لكوريا الشمالية وتقدر بأنه كاف لحمايتها في ضل المعادلات العسكرية و السياسية ذات العلاقة بها .
التوصل مع كوريا الشمالية لاتفاق تجميد تجاربها النووية و الصاروخية ليست نهاية المشوار في الملف الكوري فالترسانة النووية و الصاروخية التي تمتلكها لحد الآن ليست بالقليلة وسأضل مخلة بالمعادلة العسكرية في منطقتها و التعهد بعد الإضافات والتطوير لهذه الترسانة لن يكون مرضيا لخصومها الإقليميين و لا الدوليين أيضا فكوريا الجنوبية واليابان و من قبلهما ومعهما الولايات المتحدة سيضلون متمسكون بضرورة نزع السلاح النووي لها على الأقل ولكن ما تم سيبدوا مرحبا به بشدة لكونه تقدما في مسار ( التفاهم ) حول الترسانة النووية الكورية الشمالية لم يكن ممكنا من قبل ولأنه ينهي حالة التوتر والسجال على خلفية النووي الكوري الشمالي بما يصاحبها من خطورة ، وسيضل العمل على التقدم أكثر مع كوريا الشمالية – إن أمكن – وصولا لنزع أسلحتها النووية وهو ما يوضح تصريح وزير الخارجية الياباني اليوم بوجوب تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية بحلول 2020 م .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن ) ورئيس تحرير موقع الغاية نيوز
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/04/23