الكويتيون يسمون على جراحهم دائماً
عبدالمحسن يوسف جمال
في الكويت، المواطنة لها طعم خاص ومذاق مميز، ورونق له خاصيته.
فلها من عبق التاريخ رائحة زاكية، ومن تجارب الزمان ذكريات رائعة، ومن أمثلة الوفاء والإيثار الكم الهائل.
حين عاش أهلها والأرض مجدبة، لم يستسلم أهلها لجدب الأرض وشح السماء، بل غامروا بحياتهم بركوب البحر، ومعاناة أهواله، ومقارعة أمواجه.
وحين لم يجدوا مبتغاهم فوق سطحه، غاصوا في أعماقه بحثا عن رزق ذي عناء، وخير لا يأتي إلا بعد تعب ومعاناة.
كان أهلها الأوائل هم بُناتها، والمدافعون عنها من أطماع تنوعت، ومحاولات تكررت، وغزاة خاب سعيهم، ورجعوا خائبين بخفي حنين.
وحسناً فعل الآباء والأجداد حين ابقوا على بوابات السور والقصر الأحمر ليذكروا الأجيال كلها بالأخطار من جهة، وبصمود الآباء وبسالتهم من جهة أخرى.
وجاء عهد الاستقلال وبناء الدولة الحديثة، فتكاتف أهلها وحكامها ليؤسسوا دستورا عصريا وحديثا ما زال يتحدث عن واضعيه بكل فخر واعتزاز، ففيه سطروا نصوص العصر الحديث، وبين ثناياه ضمنوه مواد حقوق الإنسان قبل أن يعرفها أهل المنطقة.
وتواصلوا في عطائهم وتلاحمهم وتكاتفهم، وأعطوا للآخرين دروس الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير.
واليوم تقف الكويت لتتساءل مع أهلها: ما الذي حدث ليختلف القوم؟! ومن الذي جاء طارئاً ليغير النفوس؟!
وما هي هذه اللغة الجديدة في الخلاف بين الأهل بعد أن نسينا لغة «طاح الحطب» وما أجملها، ولهجة «صاحب النصيفة سالم»، وما أروعها، ومقولة «داش بالربح، طالع من الخسارة»، وهو مفهوم تجاري لا يعرفه إلا أهل الكويت؟
من الذي جاء ليفرقنا بعد أن كنا لا نعرف الفرق بين مسجد البحر ومسجد المزيدي، ومن يريد أن يقزمنا بعد أن كان الجميع يأكلون من «عيش حسينية معرفي»، كما كانوا يأكلون من «عيش بن عمير»؟
لن يستطيع أحد أن يفرقنا، فما زالت في ذكرياتنا أن الآباء كما بنوا المدرسة المباركية، فهم أيضا من بنى المدرسة الجعفرية.
من وحي ذلك كله جاءت توجيهات صاحب السمو الأمير صباح الأحمد الصباح واضحة وصريحة لرؤساء تحرير الصحف المحلية، حين نصحهم باستلهام ضمير الآباء والأجداد، وهم يكتبون عن الكويت الحديثة، وأن يبتعدوا عن إثارة النعرات والمساس بالوحدة الوطنية التي عاشها أهل الكويت وناضلوا من أجلها وما زالوا.
***
رحم الله العم الكبير، الوطني بأفعاله والصامت إلا من فعل الخير، والكبير بتواضعه المرحوم بإذن الله الحاج محمد صالح بهبهاني، الذي عرفه أهل الكويت عفيفا كريما، وطنيا شهما، عانى فترة الغزو من دون مباهاة، وأنجز الكثير بصمت، فكان مثالا رائعا لإنسانية أهل الكويت، وستظل ذكراهم في قلوبنا نترحم عليهم كلما تذكرناهم، ليعلمونا أن الكويتيين لحمة واحدة في حياتهم وبعد مماتهم، لن يفرقهم طارئ غشوم أو مشاء بنميم.
رحم الله الحاج محمد صالح البهبهاني، واسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/01/25