لن يواجهوا إيران عسكريا على ارض إيرانية.. سيحاولون تحييدها عن إفساد صفقة القرن
د. محجوب احمد قاهري
أحداث وتصريحات كثيرة، ملأت الدنيا ولم تقعدها خلال كامل أيام الأسبوعين الأخيرين، لها عنوانان ثابتان، الحرب على إيران ثم “صفقة القرن”.
الصهاينة والأمريكان أرادوا تخويف كل الشرق الأوسط بإيران، وذلك ابتزازا واضحا وصريحا للدول العربية من أجل تمرير صفقة القرن. وأما إيران فلن يقدروا على مواجهتها عسكريا، وعلى أرضها.
الأهم، حاليا، بالنسبة إلى ترامب هو فرض “صفقة القرن” على الفلسطينيين، والمسلمين جميعا، وهذه أسهل له بكثير من شن حرب عسكرية على إيران، لا يعرف حتى كيف يبدآها، وسيكون له انجاز القرن، يكتبه في التاريخ، ويوطد به حكمه الآن.
صفقة القرن تحتاج إلى الكثير من المتواطئين لتمريرها. وطوابير المتواطئين جاهزة، لم تعد خافية، ولم يعد هؤلاء المتواطئون يستحيون مما يفعلون. ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قالها بكل وضوح، القضية الفلسطينية ليست في جدول اهتمامات السعوديين، وعلى الفلسطينيين قبول ما يقدم إليهم أو ليصمتوا. ونسى ولي العهد بأنه قبل أسبوعين فقط، أطلق والده الملك سلمان على “قمة العرب”، الخائفة من صواريخ الحوثيين، “قمة القدس″، بما يجعل القدس من أولى اهتمامات السعودية والعرب. ولم ننسى نحن بأن قمم العرب ليست سوى دجل على العروبة، وما يقال فيها علنا، ليس هو ما يفعل سرا.
والرئيس محمود عباس، الذي فجأة كفر بالأمريكان، ونعت سفيرهم “بالكلب”، التقي سرا في العقبة، جنوب الأردن، ساعات قليل قبل إلقاء خطابه في افتتاح جلسة المجلس الوطني برام الله، بكبير المستشارين لترامب الصغير كوشنار. ولا نتوقع بأن عباس التقى بكوشنار ليوبخه سرا عن التواطؤ الأمريكي، وليعلمه بقرار قطعه التنسيق الأمني مع الصهاينة. فعباس هو أول من أعلن عن “صفقة القرن”، ولا شك بأنه أول من سيعمل على تطبيقها.
كما أن وزير الخارجية الأمريكي، جورج بومبيو، طار إلى الشرق الأوسط، للقاء زعماء حزام الأمان الصهيوني، الأردن والسعودية، ومصر في الجيب، لن يزورها الآن.
بومبيو، حمل معه فزاعة “الغول الإيراني”، لا ليخطط للحرب على إيران، وإنما تخويفا لمن سيلتقيهم، وتحضيرا لزيارة رئيسه ترامب إلى القدس بمناسبة افتتاح سفارته الجديدة، القدس التي قرر تسليمها إلى الصهاينة بدون موجب حق. فزاعة “الغول الإيراني” مفعولها كالسحر، كلما أظهره الأمريكان ارتعبت فرائس زعماء العرب، فوقفوا في الطابور، خلف الصهاينة، طلبا للحماية، مقابل دافع أموال شعوبهم، وتطبيقا للتعليمات، حتى ولو لم تمسسهم إيران بالأذى.
الأمريكان والصهاينة يستغلون الوضع المتقدم الذي وصلت إليه إيران عسكريا لتخويف دول عربية كثيرة، لا لشيء إلا لابتزازها وافتكاك أموالها. فدول العرب أوهن من بيت العنكبوت، فهي غير قادرة على الاستمرار إلا باستنادها على الكتف الأمريكي والصهيوني. وأما إيران فقد اعتمدت على ذاتها، وأصبحت قوة لا يستهان بها، تخافها أمريكا ويخافها الصهاينة، ويخافها العرب.
أما دق طبول الحرب في وجه إيران، فليس سوى محاكاة لما حدث مع كوريا الشمالية. تحدث ترامب بصوت عال وهدد باستعمال “الزر النووي الأكبر” الذي يمتلكه، مما أخاف “كم جونغ أون” فسارع إلى إعلانه التخلي عن سلاحه النووي وصواريخه الباليستية مقابل ضمان حياته وحكمه ودولته. ظن ترامب بأن هذا سينجح أيضا مع إيران، وسترفع الراية البيضاء. إلا أن إيران ليست كوريا الشمالية، فلا الجغرافيا هي الجغرافيا، ولا العقيدة هي العقيدة، ولا الرجال هم الرجال، ولا خبرة الحرب هي نفسها، ولا “كم جونغ اون” هو مرشد الثورة.
كل ما تستطيع أمريكا فعله ضد إيران هو محاولة تقويضها من بعيد، بفرض المزيد من العقوبات، أو محاولة بث الفوضى من داخلها، دون أن ينسى الأمريكان والصهاينة التسلي بضرب بعض المواقع الإيرانية خارج التراب الإيراني، كسوريا، ليوهموننا بجديتهم في شن حرب عليها، وهم أعجز من أن يفعلوا ذلك. وسيظلون في انتظار الراية البيضاء الإيرانية، ولن يرونها أبدا.
في المحصلة، أولوية أمريكا هي فرض صفقة القرن، وهي خائفة من تبعات ذلك، وأكثر ما تخشاه تدخل إيران لإفسادها، لذلك أوغلت في تهديدها وعنجهيتها، لتحييدها. ولن تشن حربا عسكرية عليها، وعلى أرضها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/02