التعايش بالأرقام الإحصائية
محمد الثبيتي
من الجميل أن يقوم مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني -على الرغم من عدم تصنيفه كمركز أبحاث مُتخصص- بإجراء دراسة لقياس واقع التعايش الاجتماعي في المملكة في ظل التنوع المذهبي، والتي هدفت إلى تعزيز الوحدة الوطنية وحماية النسيج المجتمعي من خلال ترسيخ قيم التنوع والتعايش عبر العمل على تعزيز النقاط المشتركة بين مكونات المجتمع، والتأكيد على إيجابية التنوع والتعددية، إضافة إلى تعميق مبدأ التسامح ونشر ثقافة العيش المشترك التي تسهم في دفع مسيرة التنمية، وتوصلت الدراسة إلى أن 82% من عينة الدراسة تؤمن بحريِّة الاعتقاد وأن 78% ترى أن بعض البرامج الإعلامية زرعت الفتنة بين أصحاب المذاهب المُختلفة.
والأرقام الإحصائية للدراسة مُشجعة جداً ومُبهجة بشكل يدفعني إلى تغيير وجهة نظري عن الواقع الذي أعرفه جيداً وربما يعرفه معي الكثير؛ فنسبة 82% في المنهج البحثي تعني أن هامش الحرية كبير لممارسة الشعائر الدينية لغير المذهب الرسمي للمجتمع، وهذا بنظرة مسحيِّة بسيطة للتعاطي المُجتمعي الذي يتفاعل معه العامي قبل الواعي غير مُتحقق بالشكل المتفق مع النسبة التي خرجت بها الدراسة ، فلكم التخيُّل بأن يرى العديد من الناس شخصاً ما يقوم بأداء ما تُمليه عليه تراتيل معتقده في مكان عام؟! فهل سيُترك في حاله؟ أم سيُمارس تجاهه كل فنون النبذ والإقصاء؟.. أترك لكم الإجابة لعل وعسى أن تكون مغايرة لرؤيتي ومُتفقة مع ما جاءت به الدراسة.
أقول هذا: في الوقت الذي يُمارس فيه السعودي شعائره الدينية في كل مكان وبدون أدنى مُضايقة -وهذا من واقع مُعاش وليس من نسج الخيال-.
وأتفق مع النسبة التي أثبتت أن 78% من بعض البرامج الإعلامية تعمل على زرع الفتنة بين أصحاب المذاهب المُختلفة؛ بل أرى أنها لم تُعطِ الصور كما هو واضح للعِيان لأن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي -التي لا أعلم هل دخلت من ضمن الوسائل الإعلامية أم لا؟- تعمل بشكل لا هوادة فيه إلى تأجيج الصراعات المذهبية وتُمارس الإقصاء بصورة فاضحة وتُعد كل فئة كوادرها البشرية وإمكاناتها المادية للانتصار لمعتقدها وتبيان أنه الحق وما سواه لا يعدو سوى ضلال سيؤدي بتابعيه إلى الجحيم.
السؤال الأهم؛ متى نرى التعايش واقعاً يتعاطاه الجميع بدون إقصاء وليس إحصائياً تسوقه لنا الدراسات؟ وهل سيأتي اليوم الذي سنرى فيه منابرنا الإعلامية تخلو من انتقاص الآخر -فقط- لأنه مختلف عنها مذهبياً؟!.
صحيفة المدينة.
أضيف بتاريخ :2018/05/06