نتنياهو يدير البيت الأبيض عبر وكيله كوشنر.. وعالم يديره جاهل عنصري.. والأحادية الأمريكية أصبحت جزءً من الماضي
د. عبد الحي زلوم
قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أن توقيع أي رئيس أمريكي على أي اتفاق ملزم لمن بعده وان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران خطأ كبير. و قالت سوزان رايس رئيسة مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد اوباما: “إن قرار ترامب المتهور للخروج من الاتفاقية النووية لن يجبر إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات…” وأضافت” خرج الرئيس من الصفقة الإيرانية … لأن زيادة الضغوط على إيران سيدفعها للموافقة على اتفاقية جديدة. ولا يقول هذا الكلام إلا شخص لا يعرف شيئاً عن إيران” . كما كتبت جريدة النيويورك تايمز بتاريخ 9/5/2018 :“حلفاء الولايات المتحدة التزموا بالاستمرار في الاتفاق، مما يثير احتمال حدوث صدام دبلوماسي واقتصادي في وقت تعيد فيه واشنطن فرض عقوبات صارمة على إيران”.
وبهذا يبدو واضحاً انه وللمرة الأولى قد أصاب الشركاء في الحلف الاطلسي شرخاً غير مسبوق.
أما سياسات الولايات المتحدة لفرض هيمنتها واحاديتها على العالم فلقد فشلت في كل مشاريعها لفرض هذه الهيمنة واصبحت سياستها تُسير من نتنياهو عبر وكيله في البيت الأبيض كوشنر وعبر قلة من العنصريين والحاقدين امثال وزير الخارجية ورئيس مجلس الأمن القومي ووزير الدفاع وهم يدفعون العالم إلى سياسة شفير الهاوية . انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية دولية فأصبحت دولة مارقة في الوقت الذي خالفها 4 من 5 أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي.
امثال ترامب لا يفقهون التاريخ قريبه وبعيده لأنهم لو عرفوه لوجدوا أن كافة مشاريع الإمبراطورية الأمريكية في القرن الواحد والعشرين لفرض الاحادية على العالم قد فشلت بالرغم من استعمال القوة المفرطة . ففشلت حربهم في افغانستان والتي أصبحت اطول حرب في التاريخ الأمريكي وفشلت في العراق وفشلت في سوريا وفشلت في لبنان وفشلت في تركيا وفشلت في روسيا بل وفشلت مع إيران منذ 1979 وحتى اليوم وبالرغم من كافة العقوبات والمؤامرات وذلك كله بفضل قادة تلك الدول الذين دافعوا عن مصالح واستقلال شعوبهم أمثال بوتين واردوغان ونصر الله على سبيل المثال . دعنا نبين بعض التفاصيل :
1- روسيا
جاء الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي برجل فاسد ومخمور . سيطرت حوالي 10 من عصابات المافيا المنظمة يرأس 8 منهم يهود حولوا لأنفسهم 50% من اقتصاد روسيا عن طريق استيلاءهم على شركات وممتلكات القطاع العام وتمكنت الجماعات الإجرامية في روسيا من النفوذ إلى كل المستويات الحكومية، بدءاً من البرلمان الروسي، الدوما، وانتهاء ببطانة الرئيس يلتسين نفسه.
كانت الانتخابات الرئاسية على الأبواب إلا أن وكالة المخابرات المركزية وجدت ان فرص يلتسن ستكون معدومة ولا تزيد عن 6 % مقابل المرشح الشيوعي والتي يزيد نسبته عن 30%. لذلك وجدت ضرورة تدخل صناع الرأي والصور لتحسين صورته وتشويه صورة منافسيه . تم الاتصال مع خبراء حملة بل كلينتون ثم تمّ الاتصال مع النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، حيث حصل على الضوء الأخضر منه في فبراير من عام 1997 لتقوم الولايات المتحدة بإحضار خبراء علاقات عامة أمريكيين متمرسين ليقودوا حملة إعادة انتخاب يلتسين. ولكن ذلك كان مرهوناً بشرطين:
يجب أن يقوم الأمريكيون بمهمتهم بكل سرية ، وإلا فإن الشيوعيين سيصفون يلتسين بأنه ألعوبة بيد أمريكيا.
إذا رأى الأمريكيون أن من المستحيل إعادة انتخاب يلتسين، فيجب أن يصرحوا بذلك قبل شهر من الانتخابات حتى يُتمكن إما من تأجيل الانتخابات أو إلغائها.
وقد ذكرت مجلة تايم TIME أنه وفي مناسبتين على الأقل تم الاتصال مع إدارة كلينتون لمساعدة في إنجاح مساعي إعادة انتخاب يلتسين . وانضمت إلى الحملة الأمريكية أيضاً ابنة يلتسين وهي تتيانا ديشينكو).
نزل أعضاء الحملة في فندق برزيدنت (President Hotel) وأداروا أعمالهم من الغرفة رقم 1120، أما تتيانا (Tatiana) فكانت في الغرفة رقم 1119. تم عمل اقتراع للتأكد من موقف يلتسين. وأظهرت الدراسة أن أكثر من 60% من الناخبين يرون يلتسين رأس فاسد. ورأى 65% أنه دمر الاقتصاد وأن الأمور والأوضاع لن تتحسن إطلاقا تحت إدارة يلتسين. وأنه ليس هناك صفات إيجابية في يلتسين يمكن استخدامها في الحملة لذلك قررت الحملة الأمريكية اللجوء إلى شن الحملات السلبية ضد المرشح الشيوعي. وقد قرر المنسق العام للحملة الأمريكية أن يهاجم المرشح الشيوعي من خلال مهاجمة أبغض الأشياء التي اتسم بها العهد الشيوعي مثل: الطوابير والصفوف الطويلة للحصول على متطلبات العيش، وقلة أنواع الطعام . وقام خبراء الإعلام بتوجيه التلفزيون الحكومي نحو الكيفية والزاوية التي تركز فيها الكاميرا على يلتسين، وآلية التعامل مع أخبار الانتخابات.
قررت الحملة الأمريكية بعد تحليل الدراسة الأولية أن المرشح الشيوعي لن يحصل على أصوات إلا من مناصري الشيوعية. وللحيلولة دون اتحاد المرشحين الآخرين ككتلة واحدة، عملت الحملة الأمريكية على تعميق روح الذات والأنوية لدى كل منهم، بحيث يستحيل اجتماع آرائهم.
وكما قررت الحملة بأنه ليس لدى يلتسين أية قضية حقيقية يمكن استخدامها بنجاح، اتخذوا قراراً بمنع يلتسين من قبول أية مناظرة مع منافسه الشيوعي.
قررت الحملة الأمريكية أن عقد لقاء قمة بين كلينتون ويلتسين قبل الانتخابات سيسهم بتحسين صورة يلتسين، وبخاصة إذا ما أظهر أنه يدعم روسيا ضد الغرب. وقد تم ذلك.
كان الأمريكيون واثقين تماماً من قدراتهم. لقد قاموا بجمع 40 روسياً وأوصلوهم سلكياً إلى تلك الأجهزة التي قامت فوراً بتحويل آرائهم وردود أفعالهم إلى رسومات بيانية إلكترونية أظهرت خطأ اعتقاد الروس عن إيجابية خطاب يلتسين.. ومنذ ذلك الحين، اتبعوا توجيهات الحملة الأمريكية بكل ولاء وإخلاص.
وهكذا بدأت نتائج استطلاعات الرأي تظهر تحسناً كما هو مخطط لها حسب الحملة الأمريكية. وعندما سأل مساعد يلتسين في 5/5/1996 عما إذا كان يلتسين يستطيع الفوز جاء رد الحملة الأمريكية بأن يلتسين أصبح ضامنا فوزه بشكل مؤكد، وتنبأوا بأنه سيتقدم على منافسه الشيوعي بفارق 5 نقاط. أما نتائج الانتخابات الحقيقية فأظهرت تقدم يلتسين بحصوله على 35% مقابل 32% لخصمه الشيوعي. هذه هي الديمقراطية الأمريكية الزائفة والتي يتم خلالها انتخاب صور المرشحين من الدولة العميقة بدون أي برامج انتخابية وازنة لينفذوا برامج الدولة العميقة. هذه هي الديمقراطية التي تقول ،أمريكا أنها صالحة بكل زمان ومكان.
وفور “فوزه” بالانتخابات، بدأت الحالة الصحية ليلتسين بالتدهور، وأصبح أمر تولي رئيس جديد مسألة طارئة وملحة.
وافق رؤساء المافيات على تولي فلاديمير بوتين الضابط السابق في الاستخبارات الروسية والذي كان متعاونا معهم. وكان بوريس بيريزوفسكي (Boris Berezovsky) من بين الذين أوصلوا بوتين ليصبح الرئيس القادم لروسيا. و بيريزوفسكي هو يهودي روسي يحمل الجنسية الإسرائيلية. كان فلاديمير بوتين منسجماً مع السياسة الأمريكية والمافيات التي انتخبته . بعد توليه الرئاسة طلب بوتين من المافيا أن تكتفي بالاحتفاظ بالمال المنهوب وأن تترك السياسة لكنها لم تقبل فبدأ بتقليم اظافرها. ثم وجد أن السياسة الأمريكية تريد ابقاء روسيا كإحدى دول العالم الثالث. كما أنها قامت بالإخلال باتفاقياتها الأمنية والنووية فبخلاف الاتفاقات زحف الناتو حتى ضم أكثر دول حلف وارسو السوفياتي السابق وتمّ عدم الالتزام باتفاقية الردع المتبادل فأقامت الولايات المتحدة درعاً صاروخياً حول الاتحاد الروسي حتى وصل التطاول إلى أوكرانيا فأضطر بوتين أن يقول كفى وبدأ ينتهج سياسة وطنية ليعيد إلى روسيا مكانتها الدولية وخاصةً بعد القوانين العقابية ضد روسيا كلما أرادت أن تنتهج طريقاً لحماية مصالحها الوطنية حتى وصلنا إلى ما نحن به اليوم من رفض روسي كامل لمشروع الأحادية الأمريكية وتهميش دورها الوطني والدولي.
2- تركيا
في مطلع هذا القرن وجدت الولايات المتحدة أن الأحزاب الإسلامية (المعتدلة) التي تقبل بالمنهج الاقتصادي والسياسي الغربي يمكن أن تكون حليفاً للولايات المتحدة إضافة إلى إمكانية أن تضفي تلك الاحزاب استقراراً سياسياً. جاء حزب العدالة والتنمية بموافقة ضمنية أمريكية خصوصاً بالتحالف مع غولن المعروف بصلته الوثيقة بالمخابرات المركزية الأمريكية. حقق اردوغان وحزبه معجزةً اقتصادية بسداد ديونه المرتفعة والرقي بالاقتصاد التركي إلى المرتبة السابعة عشر عالمياً.
لربما أصبحت تركيا أقوى مما أريد لها أن تكون وعندما أبدى اردوغان شيئاً من الاستقلالية في قراره السياسي بما في ذلك مع الكيان الصهيوني وبعد أن غيّر صهاينة أمريكا نهجهم بحيث أنهم اعتبروا أن كل أنواع الإسلام السياسي مرفوض وقاموا بمحاولة الانقلاب على اردوغان جعله يتجه نحو محور روسيا الرافض للأحادية.
3- حزب الله
كانت الطائفة الشيعية هي الأكثر تهميشاً في لبنان اقتصادياً واجتماعياً. عند احتلال الكيان الصهيوني لبنان بما في ذلك عاصمته بيروت بدأت طلائع حزب الله بالتشكل وكان من أولى أعمالها نسف معسكرات المارينز في بيروت مما نتج عنه مئات القتلى ونزوح القوات الأمريكية عن لبنان. واشتدت سواعد المقاومة شيئاً فشيئاً حتى حققت أول انسحاب إسرائيلي غير مشروط عن أراضي محتلة سنة 2000 . من المفارقات أن المقاومة الفلسطينية هي من قامت بتدريب حزب الله في جنوب لبنان.
فلننظر كيف صعدت قيادة المقاومة العقائدية الملتزمة كحزب الله ليصبح أول من تمكن من أن يكوّن قوة ردع ضد الكيان الصهيوني ويهزمه في حرب 2006 بل وليصبح قوة إقليمية بعد ذلك وفي المقابل نرى كيف أوصلت قيادة منظمة (التحرير) الفلسطينية لتصبح المنظمة شركة (لتأجير ) خدماتها الأمنية لحراسة الاحتلال.
والخلاصة :
إن ما قام به البيت الأبيض من قرارات كانت لخدمة الغير لا لخدمة شعب الولايات المتحدة وكانت دلالاتها على عصبية وتخبط سياسي انتقده العقلاء في الولايات المتحدة والحلفاء وجعل منها دولة مارقة. وهذه الإجراءات ستضيف مسماراً اخر في كفن مشروع الهيمنة والعولمة الأمريكية على المدى المتوسط والبعيد.
وكذلك فإن أفضل ما أقوله عن آخر اعتداء إسرائيلي على سوريا فهو ما قاله نائب مدير مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق للقناة الإسرائيلية العاشرة بعد الضربة الإسرائيلية حيث قال :” إنّهم يحتفلون بالنصر على إيران، مع أنّ المعركة مع هذه الدولة لم تبدأ، مُشيرًا إلى أنّه من الخطأ الجسيم الوقوع في مطّب ما قبل حرب العام 1973، لافتًا إلى أنّه عندما يسمع تصريحات رئيس الوزراء ووزير أمنه فإنّه يُصاب بالقشعريرة، لأنّ تصريحاتهما لا تمُت للحقيقة بصلة”.
ولعل إحدى أهم ما يحدث هذه الأيام هو انكشاف الاقنعة عن الوجوه القبيحة هنا وهناك.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/14