ملينا!
عبدالله المزهر
عزيزي بعض الناس، حشرك للوطن في كل مناسبة لا يدل على وطنيتك، وإنما قد يفهم منه ـ لا سمح الله ـ أنك مجرد كائن وصولي طفيلي متملق، تتلون كالحرباء وتظن أن الحديث بكثرة عن الوطن سيجعلك رمزا وطنيا، مع أنك تعلم أن الناس يعلمون لماذا تفعل ذلك.
الوطن قلب كبير وصدر يتسع للجميع، ولذلك فإنك لا تبدو أكثر من مهووس مريض وأنت تتوهم أنك الحارس الواقف على باب الوطن تدخل من تشاء وتخرج من تشاء.
حب الوطن غريزة، وكل محب له طريقته في بيان محبته، واختلاف طريقتي في التعبير عن محبتي للوطن عما تظن أنت أنه الصواب لا يجعلني كارها للوطن. ولكن بضاعتك هي الكراهية، ولذلك يصعب أن تتحدث عن غيرها.
هناك أشياء لا علاقة للوطن والوطنية بها، حين تقرأ كتابا جميلا فإن متعتك بالقراءة لا علاقة لها بجنسية المؤلف، وحين تسمع أغنية جميلة فإن أذنك لن ترفض الأغنية لأن الصوت الفاتن الذي يغني ليس لديه نفس جواز سفرك، وحين تطرب لقصيدة جميلة فإن يديك لن تمتنعا عن التصفيق لمجرد أن الشاعر لا يحمل أوراقا ثبوتية تشبه أوراقك.
الممثل البارع حين يؤدي مشهدا رائعا فإنك ـ كإنسان سوي ـ يجب أن تعجب بهذا، وأن يثير دهشتك دون حاجة لانتظار نتيجة فحص الـ DNA الخاص بالممثل أو المخرج.
حين تربط هذه الأمور بالوطن فأنت ببساطة لا تفهم الوطنية ولا تفهم الفن، أنت عالة على كليهما أخي الفاضل الجميل.
والكلام عام ولا يقصد به أحد بعينه، لكني لا أخفيكم أني بدأت أشعر بالقلق وأحيانا بالخوف من تنامي النزعة التي تعادي كل أحد، ومما يثير مخاوفي أكثر أن كثيرين ممن يروج لهذه النزعة ويزيد حطبها هم فئة كانت تغني إلى قبل «أشهر» أغنية التسامح وأن العالم كله إخوة من الرضاعة.
وسبب الخوف أن المرحلة الأولى مرحلة غير عنيفة، لكنها في مرحلة ما قد تتحول إلى ممارسة العنف ضد كل ما هو غير سعودي. لأن المنظرين عادة ـ في كل التيارات ـ يروجون لأفكارهم بالكلام، الذي يبدو غالبا كلاما جميلا عاطفيا، كله دين أو وطنية، ثم يطبق الأتباع تلك الأفكار عمليا على أرض الواقع، ويحولونها من مجرد كلمات إلى أفعال. والأتباع غالبا ـ وفي كل التيارات ـ لا يحبون التفكير، ويؤمنون تماما بأن هناك من يفكر نيابة عنهم.
وعلى أي حال ..
أتمنى أن تتلاشى شكوكي وأن يثبت لي قبل غيري أنها مجرد أوهام لا واقع لها. وألا يأتي اليوم الذي نبدأ فيه من جديد نتكلم عن التحريض والمحرضين، وألا ننتقل من دائرة تخوين إلى أخرى ومن دائرة تحريض إلى دائرة تحريض أخرى، لأننا في الحقيقة أيها الناس: ملينا!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2018/05/18