انتخابات فنزويلا الرئاسية... خطوة جديدة للانعتاق من السطوة الأميركية
طارق الأحمد
أثبتت فنزويلا مجدّداً أنها تملك قرارها السيادي بعيداً عن الإملاءات الأميركية، وما فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية رئاسية ثانية، حيث نال 68 من نسبة الأصوات، وبفارق كبير عن منافسه الرئيسي هنري فالكون الذي لم ينل أكثر من 22 من نسبة الأصوات، إلا دليل على الخيارات الوطنية التي تنتهجها فنزويلا خلافاً للخطة الأميركيّة المرسومة لهذا البلد.
وبينما تنظر واشنطن إلى فنزويلا كحديقة خلفية لها، حيث يرغب الأميركيون أن يتعاطوا مع دول أميركا اللاتينية والوسطى، التي قام المستعمر الأميركي باستغلالها عقوداً طويلة من الزمن، إلا أنّ فنزويلا الدولة المنتفضة ومنذ عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز منذ انتخابه عام 1998 خرجت من جلباب الإدارة الأميركية، وأسّس لدولة لا تمرّر السياسات الأميركية ولا تساير إرادتها في هذا البلد النفطي الهام والعامر بالثروات. وفي العام 2002 ورغم محاولة الانقلاب عليه والتي لم تدم سوى يومين عاد الرئيس تشافيز إلى الحكم لأنه الرئيس المنتخب، وهكذا ظهر سجل الولايات المتحدة الأميركية في الاعتداء على أيّ رئيس لا يقبل بتمرير سياساتها كائناً ما كان شكل النظام الانتخابي الموجود في هذا البلد.
من خلال متابعتي الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في العاصمة كاراكاس، وفي جلسة جمعتني مع نائب وزير الخارجية السيد يوري بيمنتيل، وبحضور السفير السوري بكاراكاس الدكتور خليل بيطار، شرحت له معنى بيت الشعر الذي قاله الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي عندما كان يصف سيف الدولة الذي يقارع الروم وهو بقربهم بقوله: «كأنك في جفن الردى وهو نائم»… وقلتُ له بأنكم تجابهون الولايات المتحدة وأنتم أقرب ما تكونون جغرافياً إليها… فانفتحت حدقتا عينيه للتشبيه الذي جاء من شعر المتنبي وأدرك كم أنّ الحالة تنطبق على فنزويلا.
في كل الأحوال، فإنّ هذه التجربة التي تعيشها فنزويلا هي تجربة مقاومة حقيقية لهذا البلد، حيث تدلّ التجربة بأنه لا يوجد شيء في هذا العالم يخرّب مصائر الشعوب المختلفة، أكثر من السطوة الأميركية الموجودة في كلّ أنحاء العالم. وبالتالي فإنّ مقاومة دولة مثل فنزويلا كما كوبا وكوريا وسورية وغيرها من الدول، هي عوامل تصبّ في خدمة البشرية جمعاء وليس في خدمة هذه الدول فقط.
نتمنى للتجربة الفنزويلية النجاح ومزيداً من النضوج، وأن تأخذ طريقها مع دول أخرى تتشابك خاصة في محيطها اللاتيني، إضافة إلى باقي دول العالم الحر التي تريد الانعتاق من السطوة الأميركية، من أجل وضع نظام جديد لهذا العالم، يعتمد على طريقة الخروج من السطوة الأميركية، ثم وضع نظام تعاون وتبادل اقتصادي وتنموي حقيقي، إضافة إلى التعاون الثقافي والفكري الذي سيكون هو الحامل الموضوعي لتنمية هذه الدول دون الحاجة الدائمة لمقدّرات ومساعدات الغرب، الذي يريد أن يسيطر على هذه الدول ونهب خيراتها مقابل وجوده كمورد تقني لها.
طبعاً، هذا لا ينفي الكمّ الهائل من التعقيد والتشابكات والصعوبات في العملية الانتخابية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، إضافةً إلى عدم نضوج التجربة التحررية في عموم أميركا اللاتينية بالشكل الصحيح، وخاصة في المجال الاقتصادي والإنمائي، وما أستطيع أن أقوله بأنّ البلد ما تزال تقاوم السطوة الأميركية التي تحاول الدخول إليها من الخارج كذلك من الداخل أيضاً، وأحياناً بأكثر من طابور خامس يدخل كي يعمل على تخريب التجربة بأشكال متنوّعة.
بدون شكّ ستحمل الأيام المقبلة نتائج العمل الشاق المطلوب من كلّ الدول السائرة نحو هذا الانعتاق من السطوة الأميركية، وتظهر كم ستكون قادرة على اجتراح نظام تعاوني بينها ليكون نموذجاً لباقي بلدان العالم، الذي لن يشهد الإصلاح إلا بنهاية عصر الهيمنة الأميركي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/05/22