كيف استطاع الزعيم كيم جونغ أون “تحويل” نظيره ترامب إلى شخص رقيق مُؤدَّب “يتأسّف”؟ ..
خالد الجيوسي
لا نفهم كيف يفهم العرب معاني الكرامة، وحتى الرُّجولة في تفسير معاني “تنازلات” الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأخيراً الحديث السَّاذَج عن “إلغاء” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قمته مع كيم أون، والتي كانت من المفروض أن تنعقد بين البلدين، للوصول إلى سلام في 12 يونيو، أو استسلام كوري شمالي بالمعنى الحرفي.
من الزاوية العربيّة أو منظورها، كان يجب أن يأتي الإلغاء من رئيس كوريا الشماليّة، حتى يكون هذا الانتصار مُسجّلاً له، لكن الإلغاء جاء من رئيس أمريكا العُظمى، وهذا بالتالي يسحب مُسوِّغات الكرامة التي أعجبتنا، وأعجبت الكثير مثلنا، ممن يبحثون عن بقايا كرامة، في بقايا هذه الأُمّة، أمام عنجهيّة أمريكيّة تتعامل معنا كالأبقار والحمير، ونعتذر للقُرّاء عن اللفظ الأخير، ولكن هذه حقائق للأسف.
القاعِدون والجالِسون في الضٍّفة المُعاكسة لمحور كيم، وجدوا أنّ ترامب سدَّد ضربته القاضِية في شِباك كيم، لكن وكما عادة العرب، لم يقرأوا تفصيل خبر إلغاء القِمّة، حيث قال ترامب في رسالة وجّهها إلى الزعيم الشمالي، ولاحظوا صيغة الاحترام، والنِّديّة المُتبادلة: “كنت أتطلَّع كثيراً لألتقيك هُناك، لكن للأسف استناداً للغضب الهائل الذي ظهر في آخر تصريحات لك، أشعر بأنّه من غير المُلائم في هذا الوقت، عقد هذا الاجتماع المُخطّط له منذ فترة طويلة”، حتى في السِّياق العدائي للبرنامج النووي الكوري، يُؤكِّد زعيم أعظم دولة ترامب، وهل يحتاج أصلاً إلى ذلك للعالم في ذات الرسالة أن قُدراته هائلة، وقويّة للغاية في الشأن النووي، ويدعو الله ألا يستخدمها أبداً.
نعتقد أنّ الرئيس الكوري الشمالي سدَّد ثلاثة أهداف في مرمى نظيره الأمريكي، الأوّل حين دفع ترامب للإلغاء بناءً على غضب كيم، الأخير الذي استفزّته مُناورات عسكريّة أمريكيّة كوريّة جنوبيّة مُشتركة وهذا من حقِّه، واستفز بالتالي نظيره سيّد البيت الأبيض الذي لا يتحكًّم بانفعالاته ودفعه للإلغاء، لا بل ظهر في مظهر الحريص على هذه القمّة أمام العالم بعد إلغائها، وتأسَّف على عدم انعقادها، رغم تهديداته المفتوحة بإلغائها، وهي التهديدات الكوريّة الشماليّة الذكيّة التي أطالت أمد مُجرَّد اللقاء، فكيف هي شاكِلة المُفاوضات معها، ونحن لا نُحلِّل هُنا، فذاته الرئيس الأمريكي قالها “بعظمة لسانه” أنه ألغى القمّة بناءً على الغضب الكوري الشمالي.
الهدف الثاني الذي سجّله كيم في الصيغة ذاتها التي استخدمها ترامب، حين قال أنه كان يتطلَّع لالتقاء كيم، وهذه الصيغة بحد ذاتها التي كان يسعى إليها الرئيس الكوري الشمالي، ووضع رأسه برأس الرئيس الأمريكي الذي “تأسّف” عن عقد الاجتماع، ويدعو الله ألا يستخدم النووي أبداً، وهذا اعتراف واضح وصريح من الرئيس الدولة الأمريكيّة العُظمى بقُوّة بلاد كيم، وقُدراته النوويّة التي وصلت أو دفعت ترامب إلى القول أن قُدراته هائلة في الشأن النووي.
الهدف الثالث والأخير، ونتوقَّع المزيد من الأهداف للاعب المُحترف كيم في الشِّباك الأمريكيّة، وهي “اللغة العدائيّة” وحتى “الاستعلائيّة” التي تجنّب ترامب استخدامها، فلم يخرج ويقول مثلاً كعادته مع بُلداننا العربيّة، لقد ألغيت القمّة مع “الحيوان” كيم، وذلك لأنه لا يستجيب لأوامرنا أو مطالبنا، وإن كان أشار إلى “تهديدٍ مفتوح”، وترك الباب مُوارِباً حين قال أنه يشعر بأنّ في “هذا الوقت” عقد الاجتماع، أي أنّه لا يزال هُناك أوقات أُخرى لهذا الاجتماع، ولا يجرؤ على إعلان العداء الكامِل.
نحن من أوائل السُّعداء بإلغاء هذه القمّة، ولو كُنّا في مكان كيم الذي هو في نفس عُمُرِنا، وعلى رأس دولة عربيّة، لكُنّا فعلنا ذات مَواقِفه المُشرِّفة، وإن كان البعض سيقول عنّا بأننا نحتكم لتَهوُّر الشَّباب، فماذا جلبت لنا حِكمة العُقلاء من كِبار ساستنا أصحاب الشَّيب والوِقار، غير مزيد من الانبطاح، والذُّل، لا وأخيراً ضياع القدس، عُذراً فخط كرامتكم لا يُمكن الاتصال به أو مفصول حاليّاً!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/26