محميّة محمد بن سلمان تتمدّد
علي مراد
مجدداً وفي جنح الظلام، أصدر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز رزمة من الأوامر الملكية ليل الجمعة – السبت. كما درجت العادة، يتعمّد ولي العهد محمد بن سلمان - واضع هذه الأوامر – تمرير خليط متنوع من القرارات، فتقضي بعزل وزراء وتعيين بدلاء عنهم كإجراء أصبح روتينياً، فيما يمرّر قرارات تعزّز من إحكام قبضته على الموارد الاقتصادية والثروات، بعد استكمال سيطرته على المفاصل السياسية العام الماضي.
شملت أوامر سلمان الجديدة عدداً من قرارات التعيين التي تساهم في تعزيز حضور الحاشية المقرّبة من محمد بن سلمان. فتعيين عبداللطيف آل الشيخ (الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وزيراً للشؤون الإسلامية ليستبدل ابن عمه صالح آل الشيخ على رأس الوزارة ليس من باب الإقصاء، فقد تم تعيين الأخير بمنصب وزير دولة وعضو في مجلس الشؤون الأمنية والسياسية. فيما قضى أمر آخر بتعيين ناصر الداود (والد زوجة تركي آل الشيخ رئيس هيئة الرياضة ومستشار محمد بن سلمان) بمنصب نائب وزير الداخلية بمرتبة وزير.
وعلى صعيد فصل وزارتي الإعلام والثقافة، فقد تم تعيين الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود - عديل محمد بن سلمان ومبعوثه السري لشراء لوحة "مخلص العالم" العام الماضي – بمنصب وزير الثقافة. بدر بن عبد الله - إضافة إلى منصبه الجديد – يشغل منصب محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وهي المنطقة التي يسعى بن سلمان لأن تكون وجهة للسياحة العالمية. أما قرار استبدال وزير العمل علي الغفيص برئيس غرفة التجارة والصناعة في الرياض المصرفي أحمد الراجحي، فيُعدُّ محاولة لتطمين المستثمرين والقطاع الخاص بعد حملة التطهير والإطاحة برجال الأعمال السعوديين في تشرين الثاني من العام الماضي. وشملت القرارات تعيين نواب لعدد من الوزارات منها الطاقة والثروة المعدنية والاتصالات والنقل، بالإضافة إلى قرارات روتينية كتعيين رؤساء جامعات ومنشآت حكومية.
أما القرارات الأهم التي لا يمكن فصلها عن المشروع المستمر لتمكين محمد بن سلمان من مفاصل الدولة الاقتصادية والاستثمارية، فقد تمثّلت باستحداث ما سُمّي بـ "مجلس المحميات الملكية" و"الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة" برئاسة محمد بن سلمان. سيصبح من الصعب على وسائل الأعلام السعودية من الآن وصاعداً تدوين كل أو بعض الألقاب والتوصيفات التي حظي بها محمد بن سلمان على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، كاستمرار لمخطط الانقلاب على عرف تقاسم السلطة وتوزيعها على الأجنحة المختلفة في الأسرة الحاكمة، الذي ساد منذ تأسيس المملكة.
يُعرَفُ عن الشعب في المملكة السعودية أنه لطالما اشتكى من ظاهرة "الشبوك" لمصادرتها الأراضي اللازمة لإنشاء المشاريع السكنية، وهي ظاهرة يسطو بموجبها أفراد الأسرة الحاكمة على الأراضي الشاسعة في السعودية. لعل أبرز هؤلاء الأمراء كان مشعل بن عبدالعزيز (رئيس هيئة البيعة السابق الملقّب بـ "ملك الشبوك") الذي توفي العام الماضي، ويقدّر مراقبون ثروته بحوالي تريليون و450 مليار ريال سعودي، بالإضافة إلى تملّك آلاف الكيلومترات من الأراضي المشبَّكة. يضاف إلى مشعل العديد من أبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده الذين سرقوا أراضي أبناء القبائل والمواطنين في مختلف أراضي المملكة وشبّكوها.
رغم أن الدولة في عهد الملوك السابقين كانت تطلق مسمّى "الأراضي البيضاء" على أغلب هذه الأراضي المشبّكة، إلا أنها كانت تبرّر للأمراء تملّكها والحصول على ما يسمّى "الصكوك الشرعية" التي تصدر عن الديوان الملكي لتفرض ملكيتهم عليها، بغض النظر إن كان لملّاكها الأصليين صكوك تثبت ملكيتهم لها أم لا. الجديد مع سلمان وابنه محمد، أنه قرّر أن يضع يده على أغلب هذه الأراضي المشبّكة وغيرها غير المشبّك عبر قوننة السطو عليها مجدداً وإلحاقها بمشروعه لأحادية الملكية والسيطرة على مصادر الثروة. اختار ولي العهد أن يصادر هذه الأراضي التي تبلغ مساحتها حوالي 253 ألف كيلومتر مربع (10.15% من مساحة السعودية) عبر إصدار أمر ملكي بإلحاق أغلبها بما يسمى "مجلس المحميات الملكية"، مع تقسيم هذه الأراضي امتداداً من القصيم (شمال الرياض) إلى الحدود العراقية الأردنية شمالاً، ومن شمال المدينة المنورة إلى أقصى الشمال الغربي قرب خليج العقبة، وبعض المساحات شرق الرياض وغرب مكة المكرمة.
الجزء الأكبر من هذه الأراضي (130.700 كلم مربع) تم ضمّه الى محمية سُمّيَت "محمية الملك سلمان" من شمال حائل إلى الحدود مع الأردن شمالاً، فيما اقتُطِعت مساحة 91.500 كيلومتر مربع من الأراضي الواقعة شمال غرب حائل باتجاه الحدود الشمالية الشرقية مع العراق وسُمّيَت "محمية الأمام تركي بن عبدالله"، ومساحة 2240 كيلومتر مربع من الأراضي الواقعة غرب مكة المكرمة اقتطِعت وسمِّيَت "محمية الأمام سعود بن عبدالعزيز"، بالإضافة إلى أراضٍ تقع إلى الشمال الغربي من الرياض تقدَّر مساحتها بحوالي 27.000 كيلومتر مربع قٌسِّمت على "محمية الملك عبد العزيز" و "محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد". صحيح أن المحمية التي اختار محمد بن سلمان أن تحمل اسمه ليست كبيرة الحجم (16.860 كيلومتر مربع)، إلا أنها تقع في مكان استراتيجي، إذ تحدّها من الشمال أراضي "مشروع نيوم" الذي أعلن عنه بن سلمان العام الماضي، ومن الجنوب أراضي "مشروع البحر الأحمر" السياحي، ومن الجنوب الغربي أراضي "محافظة العلا" السياحية، ومن الغرب شواطئ البحر الأحمر. بذلك يكون محمد بن سلمان قد حدّد منطقته الاقتصادية الخالصة التي تمتدّ من خليج العقبة شمالاً إلى منطقة المدينة المنورة جنوباً، مع ما تحمله هذه المنطقة من أهمية جغرافياً وسياسياً واقتصادياً في المستقبل.
إضافة إلى المحمية الإستراتيجية التي طوّبها بن سلمان باسمه، عيّن نفسه رئيساً لـ "الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدّسة". من المعلوم أن الهيئات الملكية تُدار وفق الأسلوب الغربي في التخطيط والإدارة، وبذلك يكون بن سلمان قد أحكم قبضته على قبلة المسلمين والمقدّسات المحيطة بها، وهو أصلاً كان قد بدأ مشروعه الاستثماري في مكة المكرّمة مع هدم 5 قرى تقع إلى غرب وجنوب مكة المكرمة بحجة البناء العشوائي، وأيضاً عبر الاستحواذ على مشاريع الإنشاءات والتوسعة في الحرم المكي من مجموعة بن لادن العقارية ابتداءً من عام 2015 (حادثة الرافعة). استكمل بن سلمان استحواذ مجموعة شركاته "نسما" (يملكها بشكل غير معلَن) العام الماضي على مشاريع "أبراج جبل عمر" الضخمة، التي نسفت "جبل عمر" الواقع إلى الغرب من الحرم المكي، لبناء عشرات الأبراج العملاقة للاستثمار في السياحة الدينية الفارهة.
سيحظى ابن سلمان مع منصبه الجديد كرئيس لهذه الهيئة الملكية التي ستشرف على إدارة شؤون الحج والعمرة على شيء من الشرعية التي يحتاجها، قبيل تسلّمه رسمياً لقب "خادم الحرمين الشريفين"، المؤجّل إلى حين، وهو الذي تلاحقه لعنات المسلمين لتسليمه مدينة القدس المحتلة بمقدّساتها على طبق من ذهب للصهاينة، وفق التزاماته لترامب بموجب "صفقة القرن".
لصالح موقع "العهد الأخباري" اللبناني
أضيف بتاريخ :2018/06/04