ما الذي يجري في إيران؟
صالح السيد باقر القزويني
لا أحد ينكر صور المظاهرات في عدد من المدن الإيرانية والتي انتشرت في وسائل الإعلام، حتى لو كان من أشد الموالين للنظام الإيراني.
يمكن اختصار الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن الإيرانية ثم هدأت بكلمة، وهي، الخوف من المستقبل.
وغالبا ما تعود ظاهرة الخوف من المستقبل إلى وجود تجربة مماثلة في الماضي، ولا أبالغ إذا قلت إن أغلب الذين تظاهروا الأسبوع الماضي راودتهم كوابيس عن المرحلة الاقتصادية المريرة التي شهدتها إيران في العامين 2012 و2013، وذلك عندما اصدر مجلس الأمن الدولي 4 قرارات ضد إيران، ففرضت دول العالم حصارا خانقا عليها.
من هنا يمكن القول أن السبب الرئيسي وراء الاحتجاجات التي شهدتها خاصة طهران، هو نفسي ولا يمت للواقع بأية صلة، إذ لم يحدث على الأرض يستلزم الارتفاع الجنوني لسعر العملة الصعبة والذي أشعل فتيل الاحتجاجات.
الشيء الوحيد الذي حدث هو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وبما أن الغاية الرئيسية من الاتفاق هو إلغاء العقوبات عن إيران مقابل موافقة طهران على تقييد برنامجها النووي فمن المفترض أن يؤثر انسحاب واشنطن من الاتفاق على الاقتصاد الإيراني، ولكن بما أنه ليست هناك علاقات تجارية واقتصادية بين إيران والولايات المتحدة فليس من المفترض أن يتضرر الاقتصاد الإيراني من خروج الولايات المتحدة من الاتفاق.
ربما يقول قائل أن السبب وراء احتجاجات طهران ليس نفسيا ولا الخوف من المستقبل وإنما، لأن واشنطن هددت طهران بعقوبات لم تشهدها من قبل، ولكن هذا أيضا غير وارد لأن الولايات المتحدة منذ 4 عقود وحتى اليوم لم تتوقف عن تهديد إيران، وبالتالي ليس هناك جديد في الموضوع.
هل هذا يعني أن الاحتجاجات عبثية؟ بالتأكيد أنها ليست كذلك، وأفضل ما يقال عنها أنها توقعات استباقية لما سيؤول إليه الاتفاق النووي، وتشاؤم من الموقف الأوروبي تجاه الاتفاق، ولهذا فان القيادة الإيرانية تطالب الدول الأوروبية بحسم موقفها من الاتفاق ولا تكتفي بالإدلاء بالتصريحات والإعلان عن تمسكها به، خاصة وأن ما يجري على الواقع لا يتناسب مع هذه المواقف.
فبعض الشركات الأوروبية العملاقة أعلنت أنها ستنسحب من السوق الإيرانية وبعضها انسحبت بالفعل خشية فرض الولايات المتحدة عقوبات عليها، كما أن الرئيس الفرنسي أعطى الضوء الأخضر بالانسحاب من إيران وبالتالي شرعن انسحابها، وربما لو كانت هذه الشركات تابعة للقطاع الخاص لكان يمكن تبرير انسحابها باعتبار أن الحكومات الأوروبية لا تتحكم بقراراتها ولكن بما أنها شركات حكومية فهناك تناقض كبير بين مواقف الأوروبيين وبين تصرفاتهم.
لذلك طالب قائد الثورة الإسلامية في إيران خلال كلمة له في 22 مايو الماضي، بأن تقدم أوروبا ضمانات عملية للالتزام بالاتفاق النووي، وأن يخضع التفاوض مع أوروبا بهذا الخصوص إلى فترة زمنية محددة، كما أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف طالب أمس الأول الأربعاء الدول الأوروبية بالرد على المقترحات الإيرانية المتعلقة بالاتفاق النووي خلال أسبوع.
إذا حسمت أوروبا موقفها من الاتفاق النووي سواء بالبقاء فيه أو الخروج منه سيؤثر بشكل مباشر على السوق الإيراني ويؤدي إلى استقراره، لأن الخروج من الاتفاق سيؤدي إلى بعض الاضطرابات في السوق وانخفاض قيمة العملة الوطنية أمام العملة الصعبة ولكنه في نهاية المطاف يتوقف عند حد معين من الارتفاع وبالتالي إلى استقرارها، ولكن السؤال المطروح هو هل ستستجيب الدول الأوروبية لطلب إيران وتحسم موقفها من الاتفاق وترغم شركاتها على البقاء في إيران، أم أنها لن تقدم على ذلك قبل تطبيق الولايات المتحدة عقوباتها على الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم في أحسن الأحوال؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/06/30