بتوقيت سوري.. حسم الجنوب يحمل رسائل للجنوب
محمد نادر العمري
تزداد حالة الترقب الأميركية ومن خلفها الإسرائيلية مع زيادة مساحة السيطرة للجيش السوري على جغرافية الجنوب، بما في ذلك الحدود مع الجولان المحتل ومعبر نصيب وصولاً «إلى نقطة المثلث الحدودي «السوري، العراقي، الأردني»، ويلاحظ أن هذا الترقب يوازيه معطيات ومؤشرات في جميع المجالات، تضمنت تسليماً أميركياً إسرائيلياً بالأمر الواقع الذي فرضته دمشق وبخاصة على أجندات تل أبيب التوسعية من حيث إحباط مناطقها العازلة وانهيار مجموعاتها المسلحة وعودة الجيش السوري إلى تموضعه على الحدود، مع إضافة جديدة قد تشهدها هذه الرقعة الجغرافية، مفادها أن قواعد الاشتباك التي كانت سائدة سابقاً قبل 2011 ليست بالضرورة بمكان أن تبقى هي ذاتها خلال الفترة القادمة.
فتسليم واشنطن وتل أبيب بالأمر الواقع لم يعد خافياً «على أحد في ظل تهاوي المجموعات المسلحة التي لم تكن أفضل حالاً من مسلحي الغوطة الشرقية وقبلها ريف حمص وحلب، والرهان على دور إقليمي ودولي في دعم المجموعات المسلحة انهار مع تملص واشنطن وتل أبيب من وعودهما لهذه المجموعات، الأمر الذي أدى إلى انهيارها بسرعة قياسية بعد قطع طرق الإمداد عنها واستهداف نقاط قوتها من الجيش السوري، فضلاً عن الانتفاضة الشعبية على المسلحين لتفرغ بذلك أي مشروعية أو مظلة سياسية لهذه المجموعات وتظهر مدى حساسية أي تدخل خارجي لدعم هذه المجموعات وانعكاساته المحتملة.
كما أن التنصل الأميركي من تحمل مسؤولية العدوان الأخير على قوات الجيش السوري وحلفائه قرب مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية وإعلان وزارة الدفاع البريطانية (المشبوه) تحمل مسؤولية هذا العدوان، أظهر عدم قدرة واشنطن على خوض اشتباك مفتوح مع دمشق.
بينما سارعت الاستخبارات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لوضع سيناريوهات لمرحلة ما بعد السيطرة السورية على الجنوب، وهنا لا يمكن الفصل بين استنجاد وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالجانب الروسي لعودة مراقبي الأمم المتحدة إلى مواقعهم في الجولان المحتل واعتبار ذلك حاجة ومطلب إسرائيلي لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب أثناء زيارته الأخيرة إلى موسكو، والمسارعة الأممية بالدعوة إلى إعادة انتشار قوات «أندوف» مجدداً كقوة عسكرية وحيدة في منطقة الفصل.
الانكفاء الذي يسود سلوك تل أبيب وخفض سقف مطالبها حتى اللحظة وتراجعها عن تهديداتها المتكررة ومطالبها، وتمسك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المفاجئ بتطبيق اتفاقية فك الاشتباك مع الجيش السوري بحذافيرها، لم يكن نتيجة قناعة سياسية بل نتيجة واقع سياسي شهدته ملفات الصراع في النظام الإقليمي، ولا سيما مع أقرار وزير الطاقة، وعضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، يوفال شتاينتس، باستسلام إسرائيل في سوريا أمام الانتصار المحقق للرئيس بشار الأسد، ويعتبرها حقيقة لم يعد بالإمكان الحؤول دونها.
بل يمكن القول والجزم إن معركة الجنوب أبرزت الملاحظات التالية:
– 1على المستوى الإقليمي والدولي، يبدو واضحاً أن أدوات التأثير في المشهد السوري أخذت بالتراجع، بالتوازي مع استعصاء دبلوماسي وفشل الضغط السياسي الدولي على سورية وروسيا.
– 2تعليق الآمال الإسرائيلية على حدوث انفراجات وإنجازات سياسية بتغيير نظام الحكم في إيران أو بمزاعم تقليص نفوذها إقليمياً خلال لقاء القمة المنتظر بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين منتصف الشهر الحالي غير مجدية، فالتصريحات الروسية تؤكد محدودية الحضور الإيراني في سورية وهو ينحصر بالمستشاريين فقط، كما أن قيادة معركة الجنوب تتم عبر قوات سورية وبمشاركة سلاح الجو الروسي، وفي الوقت ذاته روسيا غير معنية بتقديم أي تسهيلات أو تنازلات في مشروعات أو صفقات إقليمية تضعف نفوذها على المستوى الإقليمي.
-3 تعرض الاستخبارات العسكرية والأمنية الإسرائيلية لانتكاسة جديدة تزيد تراكم خيباتها في المواجهة الإسرائيلية مع محور المقاومة، في المقابل شكل الاختراق الأمني الذي حققته الأجهزة السورية نقطة تفوق وقدرة من حيث جمع بنك المعلومات وجذب قسم لا يستهان به من المسلحين نحو التسويات، الأمر الذي يمهد لتسارع انضمام أكبر قدر من مناطق غربي درعا ومدينة القنيطرة وريفها لقطار المصالحات.
– 4ضمن الحرب النفسية وانطلاقاً من موقع المنتصر وبقراءة شخصية وواقعية قد لا أستغرب كمتابع للشأن السوري أن يقوم الرئيس بشار الأسد بزيارة للجنوب بعد تحريره بالكامل أو أثناء تحريره، لإعلان النصر من الجغرافية التي أريد منها أن تكون بوابة التدخل الخارجي على سورية.
– 5على غرار المناطق الأخرى فإن هشاشة اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري والتمهيد لمعركة الشمال والتجاذبات الإقليمية والدولية مهدت بشكل متسارع نحو الحسم بجناحيه العسكري والناعم عبر التسويات، لإيصال رسائل متعددة منها أنه لا خطوط حمراء إقليمية ودولية تمنع استعادة الأراضي السورية، وعلى الاحتلال التركي أن يعي الدروس السابقة والمتغيرات الإقليمية والدولية كي لا يصبح إحدى الضحايا للاتفاق الأميركي الروسي، في حال التوصل إليه نتيجة الحاجة الأميركية كما هو حال القوات الانفصالية الكردية، فأي اتفاق بين القوى العظمى لن يكون للفاعلين الإقليميين أي دور به سوى تنفيذ هامش من المناورات إن سمح لها بذلك؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/07/06