هل ستندلع ثورة في إيران؟
صالح القزويني
كل المؤشرات تدلل على أن الخيار العسكري غير وارد في منظومة ضغط الإدارة الأميركية الحالية على إيران، وإذا كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وكبار المسؤولين في إدارته لم يستبعدوا استخدام الخيار العسكري ضد إيران قبل التوقيع على الاتفاق النووي، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار المسؤولين في حكومته لم يتحدثوا بتاتا (حتى الآن) عن استخدام الخيار العسكري ضد إيران.
وتناولنا في مقال سابق أسباب امتناع إدارة ترامب عن استخدام الخيار العسكري ضد إيران وقلنا أن أحد أهم الأسباب هو أن الوضع الاقتصادي الأميركي لا يسمح لترامب بمغامرة عسكرية جديدة، بل أن التوتر الذي وقع بينه وبين أكثر من دولة وفي مقدمتها الصين يعود إلى أسباب اقتصادية بحتة كرفع الرسوم الجمركية، وبالتالي فأن الرجل يسعى إلى انتشال الاقتصاد الأميركي من الهاوية التي سقط فيها نتيجة مغامرات الحكومات السابقة وفي مقدمتها مغامرتي العراق وأفغانستان، وما إثارة الملف الإيراني وإلغاء الاتفاق النووي إلا من أجل العودة إلى خطة “إيرانفوبيا” من أجل ابتزاز بعض الدول.
طبعا هذا لا يعني أن ترامب ليس لديه مشاكل مع إيران، بل على العكس فهناك بعض المشاكل بين واشنطن وطهران، فإلى جانب سعيه لابتزاز بعض الدول وإرضاء إسرائيل من خلال الضغط على إيران؛ فأن ترامب ونظرا لما أسلفنا أنه يريد انتشال اقتصاد بلاده وأنه يريد حصة من الاتفاق النووي، وطالما أكد أن بلاده لم تحصل شيئا من الاتفاق النووي وبالتأكيد أنه يقصد المكاسب الاقتصادية.
ومع أن طهران ليس لديها مانع باستئناف الشركات الأميركية نشاطها في السوق الإيراني وقد وقعت على اتفاقية لشراء طائرات بوينغ وأعلنت عن استعدادها لاستقبال الشركات الأميركية العاملة في مجال الصناعة النفطية، غير أن ترامب يريد علاقات كاملة مع إيران بما فيها العلاقات الدبلوماسية الأمر الذي ترفضه طهران.
وهناك مشكلة أخرى بين إيران والإدارة الأميركية وهي أن واشنطن تنظر لطهران على أنها متمردة على قراراتها وبالتالي تشكل تهديدا لمصالحها، فلهذه الأسباب وأسبابا أخرى أعادت إدارة ترامب فرض العقوبات على إيران، وترمي العقوبات بالدرجة الأولى تحريض وتحريك الشعب الإيراني ضد نظامه، وليس لدى ترامب مانعا من أن تصل الاحتجاجات الإيرانية إلى أعلى مستوياتها وهي اندلاع الثورة ضد النظام الإيراني.
ولكن السؤال المطروح هو، هل ستندلع ثورة في إيران؟
تجربة السنوات الماضية تشير إلى أن فرصة إسقاط النظام الإيراني عبر ثورة شعبية تكاد تكون منعدمة، ومن يعود بذاكرته إلى الاحتجاجات التي وقعت ضد النظام الحاكم يستبعد تحقيق هذا الهدف بهذه الوسيلة، خاصة إذا عرفنا أن بعض هذه الاحتجاجات كانت واسعة ومن بينها احتجاجات الثمانينات والتي رافقتها عمليات عسكرية لمنظمة مجاهدي خلق التي اغتالت آنذاك أغلب الشخصيات الرئيسية في النظام ومع ذلك لم يسقط.
كما وقعت احتجاجات واسعة في عام 2009 وأطلق عليها بالثورة الخضراء، ومع ذلك فشلت في إسقاط النظام، ولو قارنا تلك الاحتجاجات بالتظاهرات التي خرجت في الأيام الأخيرة في بعض المناطق الإيرانية ولم يتجاوز عدد المتظاهرون فيها عن بضع مئات لوصلنا إلى قناعة بأنها لن تحقق شيئا.
احتجاجات الثمانينات و2009 شكلتا تهديدا حقيقيا للحكومة الإيرانية، وذلك لأن الذين كانوا وراءها يتمتعون بشعبية واسعة وسط الإيرانيين، ففي الثمانينات كانت منظمة مجاهدي خلق وراءها، و2009 كانت بعض الأحزاب الإصلاحية تقف وراءها، بينما أغلب الأحزاب الإصلاحية تشارك اليوم في الحكم وتدعم النظام في الوقت الذي سقطت فيه شعبية مجاهدي خلق نتيجة تحالفها مع صدام حسين ومشاركتها في حربه ضد إيران وتنفيذها للعديد من التفجيرات التي قتل فيها الكثير من المدنيين، لذلك فان الاحتجاجات الأخيرة عشوائية وإذا رفعت خلالها شعارات تدافع عن بعض المعارضين فلا يعني ذلك أن المعارضة هي التي تسير وتتحكم بهذه الاحتجاجات وإنما البعض استغلها وركب موجتها.
إذن، ما لم تتحول الاحتجاجات إلى احتجاجات مليونية وشاملة ومتواصلة فأنها لن تؤثر على الحكومة الإيرانية، بل وحتى لو تحولت إلى احتجاجات واسعة وشاملة فأن الحكومة الإيرانية ابتكرت طريقة تحول دون تطورها إلى مراحل خطيرة، وذلك عندما تدعو الشعب إلى الخروج إلى الشوارع فيستجيب الملايين للطلب ويخرجون إلى الشوارع وبذلك تنتهي التظاهرات والاحتجاجات.
لذلك فأن رهان ترامب على تطور الاحتجاجات وتفاقمها نتيجة تصدي الأجهزة الأمنية لها واستخدامها لوسائل القمع ضدها، رهان خاسر لأن الحكومة الإيرانية ستنهي الاحتجاجات دون الحاجة لإطلاق رصاصة واحدة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/08/10