في اليمن… الكـلُّ يشعر بالخسارة.. والجميع يقاتل الجميع
صلاح السقلدي
يقال بأن الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض .. فكلما ما يعرفه اليمنيون اليوم ومنذ أكثر من ثلاث سنوات – هي عمر الحرب التي تفترسهم بضراوةٍ – أنهم يقتلون بعضهم بعض بإمعانٍ وقسوة، لحساب جهات إقليمية ودولية لا تكترث بهم شركاء كانوا معها، أو خصوما كانوا ضدها… الكل ضد الكل ،يشكو الجميع من الظلم الواقع عليهم من الجميع, ومن الحرب ومن مآلتها الأليمة ، وفي ذات الوقت يقدّمـــون أنفسهم وقودا لنيران هذه الحرب، يتخوف كل طرف وكل كيان سياسي وثوري من أن يكون هو الضحية بنهاية المطاف..يتوجس الجميع من مؤامرة الجميع عليه، ومع ذلك مستمرون بقتل بعضهم بعض وبالتآمر على بعض لمصلحة الغير نظير مال ومنفعة أو جنوحاً لفكر أو مذهب …يتهيب الجميع شماليون وجنوبيون -على السواء- من أن يخذلهم التحالف ويجعل كل واحد منهم فريسة سهلة للآخر. فالجنوبيين أو أغلبية نخبهم السياسية والثورية والعسكرية يخشون بعد كل هذه التضحيات المريعة مِـــن أن يضحّــي التحالف بهم وبمشروعهم السياسي التحرري على مذبح مصالحه وأطماعه التوسعية إرضاءً لقوى بالشمال واستمالة لمواقفها بهذه الحرب” الورطة”- وهذا ما يبدو أنه سيكون فعلاً- ومع ذلك مستمرون بالولاء المفرط لهذا التحالف إلى درجة إهدار الكرامة الوطنية وتمريغها بإذلالٍ مخزٍ على عتبات ملوك وأمراء النفط الطافح. وكذلك يتملّك نفس الشعور كثير من القوى الشمالية المنضوية تحت هذا التحالف، ففي الوقت الذي تؤدي فروض الطاعة العمياء ليل نهار للتحالف فأنّها لا تخفي تخوفاتها من خذلان التحالف لها والتضحية بالوحدة اليمنية لمصلحته ولمصلحة قوى جنوبية تحررية- مع أن كل الشواهد تشير إلى عكس ذلك- باستثناء بعض الوقائع التي لا تعدو أن تكون أكثر من ابتزاز سعودي إماراتي بورقة الوحدة اليمنية بوجه بعض القوى الشمالية ليس حُــبا ببقاء الوحدة ,ولكن لانتزاع مواقف من هذه القوى لصالحه خصوصا والتعثر العسكري هو السمة السائدة بعاصفته الحزمية طويلة العُـــمر.
ونبقى في الشمال الذي اشتكى فيه قطاع كبير من حزب المؤتمر الشعبي العام -حزب الرئيس السابق صالح – منذ اليوم الأول للحرب من وحشية التحالف ودمويته، ودأبتْ قياداته الحزبية على الجأر من جرائم هذا التحالف ضد المدنيين في قاعات الأفراح وخيام العزاء ومدارس الأطفال والأسواق الشعبية ،ومخيمات النازحين، وظلت تردد أن الحرب بين الشعب اليمني وتحالف العدوان, وليس فقط بين حزبها “المؤتمر الشعبي العام” والتحالف العدواني، ثم فجأة نرى عدد من قياداته تتوسل الانضمام لهذا التحالف،بمجرد أن قُــــتِلَ رئيس حزبها،ليصبح التحالف من حينها حليفها الاستراتيجي, وصارَ ضحايا الطيران مجرد انقلابيين يستحقون ألف عنقودية وعنقودية.وبات اقتحام صنعاء على ظهر دبابة التحالف،- هذا التحالف الذي ظلت هذه القيادات تصفه بالعدوان-هدفا وطنيا لها ولحزبها المجيد ، بل وفتحا مبينا للأمة العربية… بمعنى أوضح، كان الزعيم هو الوطن الذي يجب الذود عنه والتصدي لكل عدوان ينال منه، وحين مات الزعيم فقد مات الوطن، وأضحى كل شيء قابل للبيع والشراء في بازار الحروب ونخاسة السياسة.
حزب الإصلاح” إخوان اليمن” الحزب المهيمن على السُـلطة المعترف بها دولياً” الشرعية” هو الآخر يعيش حالة انفصام سياسي شديد البؤس بتعاطيه مع هذه الحرب وأصحابها،ففي الوقت الذي بارك بل واستجدى مجلس الأمن أن يصدر قراره بإدخال اليمن تحت الفصل السابع بعد أن فقد هذا الحزب سلطته في صنعاء لمصلحة الحركة الحوثية, في سابقة هي الأولى بالتاريخ أن يطالب حزب وطني ومعه بعض القوى المحلية الأخرى بتطبيق الفصل السابع على وطنه\هم..ورحب بقوة بالتدخل العسكري السعودي الإماراتي معتبرا هذا التحالف بأنه سيكون المخلَــص له من الحركة الحوثية، وهو مَــنْ سيعيد له فردوس حكمه المفقود، فأنه أي حزب الإصلاح في ذات الوقت يعتبر الإمارات وهي ثاني اكبر قوة بهذا الحالف دولة احتلال باليمن .. حزب الإصلاح، حزب يقدم نفسه على أنه حزب إسلامي التوجه ويتحالف مع كل الجماعات المتشددة ،فهو يخوض حربا دامية مع بعضها- حربه مع الجماعات السلفية في تعز مثالاً- وهي الجماعات التي يدعمها التحالف بالمال والعتاد وفي نفس الوقت يصنّــف بعض رموزها بالإرهابية- مثل زعيم السلفيين هناك” أبو العباس″-، في صورة تبعث على التناقض الصارخ أيضاً.!
في الجنوب يحارب الجنوبيون وبالذات المنادون باستعادة دولتهم السابقة إلى صف” التحالف” السعودية والإمارات” وهم يتهامسون خلسة بأن التحالف يبيعهم للقوى الشمالية يوما إثر يوم… يتوجهون إلى حيث يشير لهم التحالف بأصبعه السبابة، و يتمتمون : التحالف يسوقنا إلى المحرقة ويتجاهل قضيتنا.!… يحشرهم التحالف بحاويات وشاحنات كقطعان ماشية صوب شمال الشمال للقتال بالحد الجنوبي للمملكة, وبالأجر اليومي والشهري كنسخة قميئة من” بلاك ووتر”، ثم لا ينسون أن يتحدثون عن الحرية والعزة والكرامة والتحرر من الاحتلال والتبعية.
… يعزز التحالف قواته بكثير من محافظات الجنوب, وفي المهرة خصوصا والتي تتطلع إليها السعودية لتكون رئتها البحرية على بحر العرب, في ذات الوقت الذي يدفع فيه ” التحالف” بقوات شمالية جنوباً وصوب حضرموت بالذات، المحافظة الغنية بالنفط ،في نفس الوقت الذي يتوجه فيه الآلاف من الجنوبيين صوب الشمال للقتال هناك ،ويهتفون بإصرار: المجد للتحالف، السؤدد للعاصفة, شكرا سلمان، ما قصرتم أولاد زائد، وشكر الله سعيكم..).
وحتى بعد أن استبعدت السعودية والإمارات الطرف الجنوبي من كل المفاوضات السابقة، والمفاوضات اللاحقة التي ستًــعقد مطلع الشهر القادم فأنها تعلنها بوجه الجنوبي و على رؤوس الأشهاد أن التسوية اليمنية ستبقي الوحدة اليمنية كما هي وسترتكز هذه التسوية على أعمدة المرجعيات الثلاث، والتي جميعها لا تعترف بشيء اسمه قضية جنوبية, ولهذا الغرض عَــقَدتْ الأمانة العامة لمجلس التعاون العربي قبل أيام مؤتمر بالرياض ،ومع ذلك فما زال بعض الجنوبيون يصرون على أن جمهوريتهم الجنوبية ستخرج من رحم المملكة السعودية. !
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/08/26