الأردن الهاشمي في مهبّ صفقة القرن؟
د. وفيق إبراهيم
تتوالى عروضٌ أميركية بتأسيس كونفدرالية بين الأردن والضفة الغربية في فلسطين المحتلة، بما يؤدي إلى رفع عدد السكان فيها إلى تسعة ملايين نسمة تقريباً يشكل الفلسطينيون 75 في المئة منهم.
قد يبدو العرض مغرياً للأسرة الهاشمية لارتباط مكانة الدول عند العرب بعديد السكان، لكن المتعمّق فيه يدرك أنه مشروع مفخّخ له هدفان:
إلغاء الكيان الأردني وجعله دولة بديلة للفلسطينيين مقابل نسفٍ كامل لحل الدولتين على أراضي فلسطين التاريخية أي بين معظم الضفة الغربية وغزة من جهة والكيان الاستيطاني الإسرائيلي من جهة ثانية.
فهل تستغني السياسة الغربية عن بلد أسسته في مطلع عشرينيات القرن الماضي بوظائف متنوعة لم يخرج عنها مرة واحدة.
يُذكر أن شريف مكة والحجاز حسين بن علي السلف الأكبر للأسرة الحاكمة في الأردن أعلن في مطلع القرن الماضي ثورة عربية على السلطنة العثمانية باتفاق كامل مع المخابرات البريطانية مقابل مملكة عربية تمتد من شبه الجزيرة إلى العراق وبلاد الشام.
إلا أن الانجليز وكعادتهم أخلوا بوعودهم مانحين أبناء الحسين الكبير الفيصل ملكاً على سورية وعبدالله على شرق الأردن الإمارة المستجدة. ودعموا آل سعود وحلفاءهم الوهابيين للسيطرة على معظم جزيرة العرب، لكن الفرنسيين أسقطوا فيصل فعاود البريطانيون تنصيبه ملكاً على العراق إلى أن ثار عبد الكريم قاسم فقضى على الهاشميين محولاً العراق إلى النظام الجمهوري.
وبذلك استقرّ الهاشميون في إمارة شرق الأردن الفقيرة التي أنيطت بها تأدية سياسات بريطانية وأخيراً أميركية تفصلُ بين العراق والجزيرة و»إسرائيل» وتقطع أيضاً بين سورية ومحيطها.
إن السمة العامة للسياسات الأردنية منذ بداية الصعود العالمي الأميركي تجسدت في التعبير عن الحلف الغربي الإسرائيلي مع شيء من المواربة الخطابية: ما جعل من الهاشميين خط الدفاع الأول عن الخليج النفطي وإمكانية ولادة مقاومة فعلية في وجه العدو الإسرائيلي يكفي أن الحسين بن طلال ضرب المقاومة الفلسطينية في الأردن في السبعينيات بدعم إسرائيلي أميركي – خليجي.
فلماذا تنتهي إذاً وظائف الأردن عند النظام الغربي العام حتى يجري طرح مشروع فيه عسل مسموم أميركي الرعاية وإسرائيلي المنشأ يذهب إلى حدود طرح مشروع دولة كونفدرالية بين الأردن وقسم من الضفة الغربية؟ لأن نتنياهو مصرّ على ضم مناطق المستوطنات فيها إلى «إسرائيل». فيبدو العرض مغرياً في ظاهره فقط، لأن ضم المليونين ونصف المليون فلسطيني إلى الأردن يعني أن الفلسطينيين يصبحون 75 في المئة من السكان مقابل 25 في المئة من ذوي الأصول النجدية والحجازية وسكان الأردن القديم.
فكم يستطيع الهاشميون الاستمرار في الحكم في ضوء هذه التوازنات الديموغرافية الجديدة؟
وهي ديموغرافيا مشبعةٌ حتى الإنهاك بمشاريع سياسية وأيديولوجيات.
ألا يعرف الأميركيون أن اقتراح هذه الكونفدرالية يدفع بسرعة إلى ولادة كيان جديد بغالبية فلسطينية!
ماذا يريدون إذاً؟
يتبين أن المشروع الأميركي جزء مُعدّلٌ من صفقة القرن، وذلك نتيجة لانتصار الدولة السورية وتحالفاتها بالترافق مع الصعود الروسي في الإقليم ونجاح العراقيين بتدمير الإرهاب. فسارع الأميركيون إلى إجراء تعديلات على «صفقة قرنهم» تقضي بحصر الفلسطينيين في كيان أردني يصبح لهم في مراحل لاحقة.
مع محاولة انتزاع 7500 كيلومتر من صحراء سيناء عند حدودها مع غزة بذريعة أنها جزء من فلسطين التاريخية كان الانتداب البريطاني ألحقها بمصر ليمنع ولادة كيان قوي مجاور لـ»إسرائيل» على أن تتعاقد «غزة الكبرى» كونفدرالياً مع مصر.
السؤال هنا هو لماذا هذه الكونفدرالية وما هو دورها؟
الواضح أنها ردّ على صمود الدولة السورية التي تتمتع اليوم بدعم شعبي كبير إلى جانب جيش متمكّن وتحالفات روسية وإيرانية ضخمة إلى جانب حزب الله المستعد دائماً لخوض حرب شعبية لها المقدرة على التصدي لأقوى الجيوش.
ولأن لسورية أهميات بوسعها التأثير الإقليمي تشكل هذه الفدرالية الأميركية المقترحة وسلة لإنهاء القضية الفلسطينية ومحاصرة سورية ومنع الاتحاد بين المكوّنات العرقية والمذهبية في العراق بما يؤدي إلى فدراليته.
فتصبح مصر فدرالية مع غزة وسورية فدرالية مع الكرد وربما أكثر، وقد يتحوّل العراق فدرالية من ثلاثة مكونات شيعية وسنية وكردية. وهذه من علامات الضعف في الدولة القليلة الخبرة وتؤدي غالباً إلى ذهاب ريحها، فتتلهى بالخلافات الداخلية فقط، لذلك ما تَنشُهدَهُ واشنطن يذهب نحو بناء حلف عربي إسرائيلي إقليمي يطوّق سورية والعراق مانعاً الروس من التوغل في الإقليم رادعاً الصين من أي محاولات لاختراق الأسواق العربية.
هناك إذاً، إعادة تشكيل للكيانات السياسية العربية بما يتوافق مع المشاريع الأميركية المستعجلة وهي بمعظمها خطرة، لأنها تجدّد شباب ممالك العرب والأنظمة السياسية الرميمة لقرن جديد من التخلّف والإرهاب والاختباء في القرون الوسطى لمنع التطوّر والالتحاق بالعصر.
إن القراءة العميقة للخطة الأميركية تؤكد أن الغرب بدأ يستغني عن الكيان الأردني لاستنفاد وظائفه. فما كان يفعله يستطيع محمود عباس أن يفعل أكثر منه وتتجرأ السعودية على المزايدة عليه بإنشاء حلف مع «إسرائيل»، ولا يرى السيسي حرجاً باستقبال ناتانياهو فيما الجيش اليهودي يفتك بأهالي غزة. وتؤدي أكثر منه المعارضات السورية والعراقية التي تجاهر بتأييد الغارات الإسرائيلية على سورية وإظهار الفرح والابتهاج لعمليات انتحارية تستهدف المدنيين في العراق واليمن وليبيا.
لذلك لم يعد الكيان الأردني ذا جدوى وربما أصبح ثقيلاً على داعميه الاقتصاديين في الخليج وواشنطن الذين بدأوا يشعرون بالخلل الفادح بين ما يمكن للأردن تأديته سياسياً وبين ما يناله من مساعدات اقتصادية.
ويبدو أن محمود عباس يعتقد أنه أذكى من المعلم الأميركي فاقترح فدرالية ثلاثية بين «دولته» مع الأردن و»إسرائيل» معتقداً أنه بذلك يحافظ على الحقوق التاريخية للفلسطينيين في كامل فلسطين المحتلة والمحررة، لكن التوغل في الاقتراح يكشف أن الرئيس أبو مازن يريد أن يكون جزءاً أساسياً من الحلف الأميركي الإسرائيلي الخليجي فتزداد أهميته مع تصاعد الحاجة إليه كما يعتقد فيبقى رئيساً أزلياً.
هذه بالنهاية مشاريع الأميركيين لإعادة التجديد لنفوذهم في المنطقة وإحياء مشاريع أسقطها السوريون والعراقيون فهل تنجح مشاريعهم الجديدة؟
يريد الأميركيون بالعمق السيطرة على الغاز: مورد الطاقة المقبل إنتاجاً واستثماراً. وهذا يتطلب السيطرة على خط إيران قطر العراق سورية لبنان، فتوازي بهذه الهيمنة روسيا صاحبة الإنتاج الأول في العالم بالغاز. وبالمقابل تتحضر السعودية لإجراء مباراة أجمل بعير وسباق الهجن ورقصة العرضة، فيما يستعدّ السوريون والعراقيون والإيرانيون لمجابهة المشروع الأميركي الجديد لإنقاذ المنطقة من الاستعمار الكونفدرالي الجديد، كما تواصل روسيا صعودها، فيما تستمر الصين في غزو أسواق العالم بسلعها الرخيصة.
لذلك فإن محاولات الأميركيين لن تكون أفضل حالاً من سابقاتها في وجه صمود سوري رهيب مدعوم من تحالفاته. وهو صمود لا يؤمن لا بمسابقة أجمل بعير ولا بحصافة ولي الأمر ولا برقصة العرضة.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/09/07