مولود زنديق من أبوين غير شرعيين: النظام الرسمي العربي “خرج ولم يعد”
د. عبد الحي زلوم
كان عنوان خبر في رأي اليوم بتاريخ 6/9/2018 نقلاً عن جريدة أردنية يومية شبه حكومية عنوانه :”برلماني أردني بارز (أي خليل عطية): مؤامرة من ترامب ضد الأردن بمشاركة حلفاء عرب للأسف” يقول فيه أن سبب الضغط الممنهج عبر تقنيين المساعدات المالية هو لتغيير موقف الملك عبد الله الثاني غير المتوافق مع سياسة ترامب من قضية القدس وتصفية القضية الفلسطينية تحت مسمى صفقة القرن .
لي ملاحظات عديدة على هذا الخبر. الملاحظة الأولى: أنه ليس للولايات المتحدة حلفاء في المنطقة ولكنها ترى في وكلائها أو (أصدقائها) في الدول النامية كعملاء عليهم تنفيذ رغباتها ومصالحها دون الالتفات إلى مصالحهم أو مصالح شعوبهم و مثال ذلك تركيا أردوغان و باكستان عمران خان. هي لم تطلب من أردوغان الإفراج عن القس المتهم بالإرهاب وإنما أعطت أمراً بشكل إنذار. هي لم تطلب من عمران خان التفاوض حول محاربة طالبان بل أمرته وخفضت المساعدات العسكرية للتأخر بالاستجابة.
وليس (أصدقاء) الولايات المتحدة في العالم العربي استثناءً لذلك . وفي إدارة ترامب بالذات الذي كون ثروته بالتعاون مع المافيا حسب ما نقلته محطة CNN أثناء الحملة الانتخابية سنة 2016 . فهو يرى نفسه كزعيم مافيا على الجميع السمع والطاعة . طلب أجور حماية أنظمة النفط بكل صراحة ووقاحة فانهالت عليه مئات مليارات الدولارات . طالبهم بالموافقة على تصفية القضية الفلسطينية فقالوا سمعاً وطاعة . طالبهم بقبول القدس عاصمة لدولة الاحتلال وهي الأرض التي بارك الله حولها فقالوا السمع والطاعة فالمهم (مباركة ترامب ).
والملاحظة الثانية: أن الضغوطات المالية على الأردن ليست أمراً جديداً كلما تلكأ الأردن بتنفيذ متطلبات واشنطن . حدث ذلك مراراً في القرن الماضي.
الغريب والعجيب أن الأردن يقدم خدمات وظيفية استراتيجية بكفاءة عالية وبأسعار لا تجدها في موسم الاكزيونات . فلديها جيش قوي يزيد عن مئة ألف رجل يحرس حدوداً طولها 600كم في غرب البلاد ومئات الكيلومترات في جنوبه مقابل مليار دولار في السنة . دعنا نحسب كم ستكون كلفة الولايات المتحدة لو قامت بحراسة حدود (حلفاءها) هؤلاء. من المفيد هنا أن نبين أن ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لهذه السنة فقط لعملياتها في أفغانستان هي 46 مليار دولار علماً بأن قوتها العسكرية هي 15000 فقط . ومجموع كلفتها المباشرة لتاريخه في أفغانستان هي 753 مليار دولار بالإضافة إلى الكلفة البشرية و غير المباشرة . أما كلفة حرب العراق حسب تقدير معهد واتسون للشؤون الدولية والعلاقات العامة فهو 1700 مليار دولار وحوالي 5000 قتيل و مئة ألف جريح ومعوق. كلفة الجندي الأمريكي في جبهات القتال مليون دولار في السنة وكذلك كلفة رجال المرتزقة بلاك ووتر . لو احتاجت الولايات المتحدة إلى 50 ألف رجل لحماية حليفتها دولة الاحتلال وحماية مكامن النفط في الجزيرة العربية لكانت بحاجة إلى 50 مليار دولار بالسنة على أقل تقدير وهذا ما يجب أن يتقاضاه الأردن مقابل خدماته الأمنية على اقل تقدير لو كان مثل هذا (التحالف) بين الولايات المتحدة والأردن قضاءًا وقدراً.
والملاحظة الثالثة : أن الذي يضغط ويدير السياسة الأمريكية و البيت الأبيض تحديداً هو نتنياهو عن طريق صهره كوشنر وبطانته وخصوصاً غرينبلات و السفير فريدمان و اللوبي الإسرائيلي وصنائعه في الكونغرس والإدارات الأمريكية . بل كوشنر وبطانته أكثر تطرفاً من نتنياهو وحزبه الذي يرفع شعار هذه الضفة لنا (فلسطين) وكذلك الأخرى (شرق الأردن). وفي كتاب نتنياهو الذي ألفه وهو خارج الحكم لم يخفي التزامه بهذا الشعار.
والملاحظة الرابعة: أن دول النفط لا تملك بترودولاراتها وإنما هي وديعة يتم صرفها بتعليمات مباشرة أو غير مباشرة عن طريق قتلة اقتصاديين يتم تعيينهم في المراكز الرئيسية في شركات النفط (الوطنية) والصناديق السيادية. بترودولاراتها هي أوراق كسندات الخزينة الأمريكية لتمويل ديون الولايات المتحدة أو أرقام في البنوك الأمريكية خصوصاً و الغربية عموماً يتم تحريكها من رقم بنكي إلى رقم بنكي آخر دون أن تطأ ارض بلاد الإنتاج . حدثني صديق صدوق نقلاً مباشراً عن المرحوم الملك الحسين لحادثة حصلت في ثمانيات القرن الماضي . نتيجة لخلاف حول قضية سياسية استعملت الولايات المتحدة ضغوطات المساعدات الاقتصادية . قال الملك انه ذهب طالباً المساعدة إلى البلد النفطي العربي رقم 1 واخبره ولي أمر ذلك البلد أن أسعار النفط منخفضة …. الخ فرجع الملك إلى عمّان وطار في اليوم الثاني إلى البلد النفطي رقم 2 ثم إلى البلد رقم 3 وكانت النتيجة كلها سالبة. قرر الملك الذهاب إلى واشنطن للحلحة الأمور. بعد ذلك اخبروه بان البلد رقم 3 سيدفع له مبلغ 150مليون دولار خلال أسبوع. رجع الملك إلى عمان وأراد أن يداعب ولي أمر البلد رقم 3 قائلاً له “سمعنا أنكم سترسلون لنا 200 مليون دولار خلال أسبوع ” . رد رئيس البلد رقم 3 قائلاً : “لا لا لا قالوا لنا أن نرسل 150مليون فقط “.
دعني اشرح شيئاً من التاريخ والسياسة . يَعْتبر الغرب أن وجود النفط في باطن الأراضي العربية ما هو إلا صدفة جيولوجية وأنهم هم أصحابه الحقيقيون لأنهم هم من اكتشفوه وحفروا أباره وأنتجوه وشحنوه وسوّقوه واستخدموه في نمو حضارتهم بهذه الطاقة العملاقة وان حكام تلك البلدان ما هم أكثر من سدنة مرتفعي الأجر لإدارة شؤون العلاقات العامة في تلك البلدان . لذلك تم تقسيم الوطن العربي إلى مشيخات تحكمها قبائل ضئيلة السكان كبيرة الموارد سمتها مجلة الايكونيمست قبائل ترفع أعلاماً ، والى دول غنية بالسكان فقيرة الموارد . و يقوم الغرب بحماية الفئة الأولى لعجزها عن حماية نفسها وإقراض الفئة الثانية بجزء بسيط مما ينهبه من بتردولارات الدول الصغيرة بشرط تقديم الدول الكبيرة سيادتها كرهينة لسداد ديونها التي لا تنتهي.
كانت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا Socal هي أول شركة أمريكية تكتشف النفط وتخرجه في الخليج في البحرين مما مَكَنَ جيولوجيها من اكتشاف مكامن النفط في المنطقة الشرقية من السعودية. كانت الاكتشافات اكبر بكثير مما تخيلته الشركة وأرسل جيولوجيوها إلى رئاسة شركتهم بأن مركز الكرة الأرضية للنفط سيكون في الجزيرة العربية .
نتيجة إلى ضخامة الاكتشافات والاستثمارات المطلوبة لتطويره اضطرت شركة سوكال للاتصال بشركات أمريكية أخرى لمشاركتها في ما أصبح شركة أرامكو . وعندما علمت الحكومة الأمريكية بالأمر أرادت أن تجعل من نفط السعودية احتياطاً أمريكياً استراتيجياً للدولة وأرادت أن تتملكه الحكومة الأمريكية تماماً كما تملكت حكومة بريطانيا احتياطات النفط الإيرانية عبر الشركة الانغلوفارسية والتي غيرت اسمها إلى شركة البترول البريطانية (BP). وقامت الحكومة الأمريكية ببناء قاعدة جوية ضخمة في الظهران فوق تلك الحقول المكتشفة. وما أن بدأ الإنتاج حتى طلبت وزارة الدفاع الأمريكية بناء مصفاة راس التنورة لتزويد الأساطيل الأمريكية بالوقود تماماً كما فعلت بريطانيا في بناء مصفاة عبدان في إيران للغرض نفسه وبأسعار تفضيلية .
في حزيران 1943 أصبح لدى وزير الداخلية والمفوض عن تأمين النفط للمجهود الحربي الأمريكي في الحرب العالمية الثانية الوزير هارولد ايكس قناعة بضرورة أن تستملك حكومة الولايات المتحدة مخزون النفط السعودي عبر شركة حكومية يتم تأسيسها لهذا الغرض ، على أن يتمّ إبرام اتفاقية ما بين الحكومة الأمريكية وشركة أرامكو لتقوم أرامكو كمشغل لمنشآت الشركة الحكومية الأمريكية. وبعد اجتماعات للإدارة الأمريكية المتكررة وأخذ موافقة الرئيس روزفلت تمّ إشهار شركة الاحتياطات النفطية Petroleum Reserves Corporation في 30/6/1943 لاستملاك احتياطات النفط السعودي . تمّ تعيين هارولد ايكس رئيساً للشركة كما تمّ تعيين وزراء الخارجية والحربية ورئيس الأركان المشتركة أعضاء في مجلس إدارتها . وتمّ تعيين Abe Fortas سكرتيراً للشركة ( وهو يهودي).
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الشركات المالكة لأرامكو باستعمال نفوذها بحجة أن التأميم والاستملاك للشركات الأمريكية يتناقض مع النظام الرأسمالي الاقتصادي الأمريكي . وتم التفاهم أن تصبح أرامكو الممثلة الحقيقية للمصالح الحكومية الأمريكية وبالتنسيق الكامل معها. و عوضاً عن الاستملاك الأمريكي الحكومي المباشر ولكن لتحقيق الغرض نفسه تم اجتماع الرئيس الأمريكي روزفلت بملك السعودية عبد العزير آل سعود في البحر الأحمر على متن الطراد الحربي كوينسيQuincy لإبرام إتفاقية تم تسميتها باسم الطراد في14 فبراير 1945 . جوهر الاتفاق كان هو لتحقيق أهداف (شركة الاحتياطات النفطية) الحكومية بطريقة أخرى تضمن الولايات المتحدة حكم آل سعود في الجزيرة العربية مقابل أن تقوم شركة أرامكو عملياً بإدارة قطاع النفط السعودي فيما يتعلق بكمية الإنتاج وبالتالي بالأسعار .
من يمتلك النفط هو من يمتلك قرارات كميات إنتاجه والتحكم بأسعاره والسيطرة على بترودولاراته وهي حتماً ليست الدول العربية المنتجة . أما بالنسبة كيف يمكن أن تقوم دولةٌ بإنتاج مواردها الطبيعية ضد مصالحها فدعني أورد لكم دراسة حالة (Case Study) تدرس اليوم في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة هارفارد تحت عنوان (السيطرة على النفط العالمي) وهذه دراسة الحالة كما وردت :
“سأل أحد طلبة كلية البترول السعودية في الظهران، وزير بترول المملكة العربية السعودية أحمد زكي اليماني في يناير 1981، هذا السؤال:
“المواطن السعودي الذي ينظر إلى السياسة النفطية الحالية سيجد بأن المملكة تنتج أكثر مما يحتاجه اقتصادها، وتبيع نفطها بأسعار أقل من المعدلات الجارية، بل أقل من الأسعار التي تبيع بها دول الخليج الأخرى . ومع ذلك فإن هذه التضحية تقابل بهجمات معادية من قبل الصحافة ووسائل الإعلام، بل وحتى من مسؤولين حكوميين كبار في الدول الغربية. ألا تعتقد بأنه حان الوقت لأن نتوقف عن التضحية بأنفسنا في سبيل إرضاء مستهلكي النفط؟”
ختاماً أقول: النظام الرسمي العربي هو مولود زنديق من أبوين غير شرعيين هما سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي وتمّ تحديد الدور الوظيفي لكل دولة . كانت دولة الكيان الإسرائيلي هي جزءٌ متكامل ٌ ومتفاعل مع هذه المنظومة والتي ساعدت في إنشاء ذلك الكيان ورعايته . تغيرت اليوم الوظائف لدول تلك المنظومة. فإما أن تقوم تلك الدول وشعوبها بعملية التغيير بما يتوافق مع مصالحها وإما أن يعاد رسم الوظائف ولربما الحدود وحتى أولياء الأمور بما لا يُحبه رؤساء تلك الدول ولا يُرضي شعوبها! أول المطلوب أن تتصالح رؤوس دول تلك المنظومة مع أنفسها ثم مع شعوبها لتستمد شرعيتها منها لا من خارج حدودها مما سيفجر طاقةً هائلة ستولّد التغيير.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/09/11