ما هي الحقيقة وراء تصريحات ترامب العلنية بحماية السعودية وسكوت حكامها.. وما موقع إيران الحقيقي منها
فؤاد البطاينة
كانت الكذبة الكبرى قبل ثلاثة قرون هي القول بأن متهودي الخزر الذين يحتلون فلسطين اليوم هم يهود ومن أحفاد إبراهيم وبني إسرائيل(يعقوب ) ولم يقف العرب بوجهها، وترتب عليها أرضية للمشروع الصهيوني واحتلال فلسطين، أما كذبة العصر الطازجة موضوع المقال هي قول ترامب بأن أمريكا لها حقوق ماليه وسياسيه عند دول الخليج والسعودية بالذات مقابل حمايتها لها، دون أن نسمع جوابا أو تعليقا أو تعقيبا من حاكم خليجي ولا من مؤسسة خليجية خاصة، فهل السكوت تواطؤ أم حقيقة وعلى أية خلفية.
سؤال يوجه إلى شعب الجزيرة الشقيق قد يكون جديرا بالبحث، وأطرح السؤال الواجب سؤاله وهو، عندما يقول ترمب أن أمريكا تحمي دولهم ، وأن الثمن المطلوب هو إخضاعها سياسيا للصهيونية ونهب أموالها تحت الابتزاز والتهديد (خاوه)، فمن من تحميها يا ترى؟ فهل من أمريكا نفسها أم من إسرائيل أم شعوبها أم من إيران، ومع أن يقيني بأن إيران هي المقصودة وأن رسالة ترامب هي لشعب الجزيرة لا لأنظمته، فإني مع ذلك أمر عليها كفرضيات ساقطة، ثم نناقش منها إيران بصفتها المقصودة، وصولا إلى الحقيقة المنطقية.
فحماية تلك الدول من أمريكا نفسها افتراض ساقط، لأنه يعني تهديدا دوليا غير مقبول ولا ممكن عمليا، إذ ليس من دولة قادرة سياسيا وقانونيا وإعلاميا على أن تهجم على دولة عضو في الأمم المتحدة وتحتلها مهما كان الادعاء فكيف إذا كان سخيفا، أما افتراض حمايتها من إسرائيل فهذا أمر أسقط من ساقط لأن إسرائيل أكبر مستفيدة من هذه الأنظمة، وهذه الأنظمة أكبر مستفيد من إسرائيل ومن الاحتلال، بل باعتقادي أن سقوط إسرائيل سيسقطها كلها كأنظمة، أما حمايتها من شعبها فهو ساقط أيضا لأسباب كثيرة ، فعلاوة على أن أي حاكم سعودي يعلم بأن أمريكا لا تستطيع عمليا حماية حاكم من شعبه عندما يتحرك و يثور، فإن الشواهد التاريخية تؤكد أن أمريكا لم تتحرك مرة واحدة لنجدة حاكم من ثورة الشعب بل أنها تحاول ركوب ثورته فتنجح أحيانا وتفشل أحيانا.
بقي أمامنا حمايتها من إيران . ولو انتزعنا من كلام ترمب مطالبته العلنية بثمن هذه الحماية المزعومة لأصبحنا أمام السياسة الأمريكية التقليدية مع الأنظمة الخليجية والعربية بلا جديد، وهي خلق فزاعة لها بالمنطقة وأخذ الثمن بخدمات إستراتيجية ونهب مالي وإخضاع سياسي بطريقة ناعمة، فقد كانت الشيوعية والاشتراكية فزاعة وكان صدام فزاعة والإرهاب فزاعة والهلال الشيعي فزاعة واليوم إيران تستخدم كفزاعة، وأنا أناقش هنا على افتراض أن شعب الجزيرة لا يعلم بأنها فزاعة، وأن أنظمته تعلم يقينا وتسهم في خلق هذه الفزاعة لتمرير عملية تسليم مقدرات الأمة السياسية والمادية للصهيونية ومشروعها.
وقبل أن أتكلم عن فزاعة إيران وعن الحقيقة كما أفهمها، أذكر شعبنا الشقيق في الجزيرة .أن أمريكا ترمب التي تطلب ثمن حمايتها لدول الخليج والسعودية بالذات ، لا تطلب الشيء ذاته من دول أخرى شبه مستعمرة لها بل تنفق عليها، كما أنها تدفع أجرا ماليا أو متفق على طبيعته لقواعدها العسكرية في كل دول العالم ولا تأخذ، وقد حاول ترامب أن يكرر المثال السعودي ويطلب شيئا يسيرا من كوريا الجنوبية فردته ردا صريحا ورفضت أن تقدم له أي مال أو أية خدمة سياسية لا تتوافق مع مصالحها، وكذلك رفض حلف الأطلسي أن يدفع له، وأخيرا فإن أمريكا تتكفل ماليا وسياسيا وعسكريا بإسرائيل بالمجان وعلى حساب الخزينة الأمريكية والخزينة السعودية دون أن يكون لها مصلحه اقتصادية وجغرافية منها توازي شيئا مما قد تحصله من صداقتها النظيفة للعرب، أقول كل ذلك ليعلم شعب الجزيرة أن أنظمتهم تعلم ذلك ومتواطئة مع الصهيونية وتنفذ أوامرها.
أعود لإيران وأقول أن أمريكا لم تفتعل مشكلة مع إيران بل كانت تريد صداقتها، لكن إيران اتخذت خطا سياسيا معاديا لأمريكا وإسرائيل بوعي، لأنها تعلم طبيعتها ومستحقات صداقتها وبأن مشروع أي دولة إقليمية في المنطقة لن يكتب له النجاح بوجود المشروع الصهيوني فيها . وقد حاولت أمريكا إيصال إشارات عديدة لإيران بأنها تريد صداقتها ولا تقف بوجه بناء قوتها ، والهدف هو احتوائها لتسهيل المشروع الصهيوني الذي يستهدف الدول العربية وشعوبها بداية . ولم تقتصر الإشارات على تسليمها العراق ليحكم برأسين ( أمريكي عن بعد – وإيراني عن قرب ) بل على الملف النووي حين وقع أوباما على اتفاقيته وخرج يصرح مدافعا عن إيران وحقوقها . ومما قاله أن العرب هم أعداء أنفسهم وليس هناك من يستطيع منع إيران من تطوير سلاح نووي.
إلا أن إيران أصرت وتصر على معاداة إسرائيل وأمريكا ، وهذا لا يعني أنها تريد الدخول بحرب عسكرية مع إسرائيل أو أمريكا ولكنها بالتأكيد تريد الحفاظ على استقلالها مصالحها ووقف المشروع الصهيوني ، وإن تعذر وقفه ، فبحصره بالحد الذي لا يتعارض مع مصالحها . وأمام صلابة موقف إيران عادت أمريكا ترمب تفتعل التصعيد معها لفشلها باحتوائها . فإيران لديها مشروع ولد من رحم ثورة الخميني . وإسرائيل لديها المشروع الصهيوني ومحله فلسطين وصولا لإخضاع الدول العربية وشعوبها . والعرب يفترض بأن مشروعهم تحرري وحدوي نهضوي ، ومشروعهم هذا لا يمكن تحقيقه مالم يسقط المشروع الصهيوني في فلسطين أولا ، والمشروع الإيراني من شأنه أن يفتح الطريق أمام تحقيق المشروع العربي ويتكامل معه .
نعود إلى الحماية الأمريكية للسعودية التي تدعيها أمريكا. فالحماية كلمة كبيره وتعني حماية لمستعمره أو لدولة من التهديد والاعتداءات أو الاحتلال أو من افتراس مقدراتها . فهل إيران تفعل شيئا من هذا مع السعودية، لا شك بأن الخلافات ألقائمه بين السعودية وإيران سياسية مفتعله وليست وجودية فالدولتان تعترفان ببعضهما، نحن نريد من الشعب في الجزيرة ودول الخليج أن يتساءل ويطلب من أنظمته بأن تحدد الخطر الذي تواجهه من إيران ويستحق هذا الإذلال الأمريكي والارتماء بحضن الصهيونية الذي تتقبله أنظمتها، وأن ينظر بنفس الوقت لسياسة عمان صاحبة أكبر موقع جغرافي استراتيجي بالخليج، وعلاقة إيران بها، وينظر كيف أن النظام القطري في لحظة ما توجه ببرودة أعصاب لإيران وكيف جَبُن ترامب عن فعل شيء لها.
لكن هناك تساؤلات مشروعة عما إذا كان المشروع الإيراني ينال من وحدة وسيادة الدول العربية ، ومع أن السعودية وحلفاءها لا يحق لهم بأي معيار خلقي أو سياسي أو قومي الحديث بذلك ، إلا أننا لا نستطيع إنكار أن إيران واقعة في حرب تخوضها ضدها دول عربية حليفة للصهيونية مما يشكل خطرا عليها وعلينا كشعب عربي، ولا أدري إن كان تدخلها وسلوكها الوحيد غير المقبول في العراق هو في هذا السياق . ومع ذلك فإن إيران تتطلع لصداقة أية دولة عربية وتعلن استعدادها لدعمها دون شروط . ونحن كشعب عربي مطلوب منا أن نتحالف مع كل من تتقاطع مصالحه مع مصلحتنا القومية وقضيتنا القومية وهي القضية الفلسطينية.. فإيران هي الوحيدة في العالم التي تعلن عداءها للمشروع الصهيوني الأمريكي قولا وعملا، والوحيدة التي تقف مع مقاومة الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إلا أن نكون بصفها ، فأي مصلحة يا ترى لنا أكبر من فلسطين، ولا يمكن لعربي حر وصادق إلا أن يرفع رأسه بحزب الله الذي أذل إسرائيل وأمريكا وحمى لبنان باسم العرب والمسلمين لا باسم إيران.
في الختام نصل للنتيجة، وهي أن الحماية المدعى بها أمريكيا للسعودية وغيرها من خطر إيران غير صحيحة وأنها تجيء لسبب من اثنين وهما، لأول، أن هذه الفزاعة الكاذبة موجهة لشعب الجزيرة والخليج العربي وليس لأنظمتهم التي تعرف الحقيقة وتعرف أن بإمكانها لو كانت نظيفة أن تكون صديقة لإيران ومستفيدة من الصداقة، وأن اعتراف السعودية وغيرها بتلك الحماية الكاذبة من خلال سكوتها المتعمد ما هو إلا بقصد تبرير رضوخها لأمريكا أمام شعوبها.
الثاني ، ويتعلق بالحقيقة وهي، أنه إذا لم تكن تلك الأنظمة هي بمثابة أحصنة طروادة في بلادنا وبداخلها يهود وصهاينة، وأنها مجرد أنظمة تقبع في الدرك الأسفل لأوطى أنواع العمالة والخيانة المستأجرة والمعمدة ماسونيا، فإن القول بالحماية والتهديد والابتزاز بها يكون حقيقيا وقائما على ابتزاز تلك الأنظمة بإدخال عصابات الإرهاب لدولها التي تمتلك أكبر وأوسع حاضنة للإرهاب بفعل الفكر الوهابي الذي تخلى عنه النظام السعودي وبقي سائدا ومتأصلا في قطاعات واسعة من شعب السعودية بالذات.
وأخيرا وبنفس السياق والفزاعة، فإني أتكلم إلى الشعب الأردني على خلفية الناتو العربي، وأقول نحن بكل مكوناتنا أصحاب القضية مباشرة وأمام هجمة أمريكا وإسرائيل مباشرة، ولا يجوز سكوتنا حتى لو سكت كل العرب والأعراب، نسأل مَن ذاك الذي يقرر باسمنا ويدخلنا بحلف صهيوني التوجه والهدف يخوض حربا ضد وجودنا وأوطاننا وقيمنا، ويحولنا إلى مجاهدين في سبيل هذا الكيان المحتل ضد إخوان لنا يخوضون حربا على ذاك الكيان، قد تفقروا شعبنا وتقتلوه ولكنكم لن تستطيعوا تغيير عقيدته ولا نزعه من جلده ولا نزع فلسطين من روحه، ولن تستطيعوا تغيير عدونا، وأطالب كل الأحزاب التي تخدم نهج النظام بديكوريتها، أن تخرج زكاة لهذا الشعب ببيان ترفض فيه وتدين هذا الاعتداء السافر على شعبنا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/10/02