أسرار الوعد الصادِق
نور الدين أبو لحية
حزب الله هو الحزب الوحيد الذي صَدَقَ في كلِ وعوده، وانتصرَ في كلِ معاركه، واستطاع أن يمثّلَ القِيَمَ الأخلاقية والحضارية أحسن تمثيل، وهو الذي رفعَ رأس الأمّة الذي انخفض لفترةٍ طويلةٍ، في نفس الوقت الذي أذلّ فيه الكيان الصهيوني بعد أن بنى له الأعراب قصوراً من الكبرياء.
السرّ الأكبر فهو تلك العقيدة التي تمتلئ بها جوانح قيادته وجنوده وبيئته الحاضِنة
ولذلك كان حريّاً بكلِ عاقلٍ أن يعرف أسرار قوّته ومصداقيته، وأسرار وعوده التي لا تتخلّف، ولِمَ كان أهلاً لكل تلك الانتصارات؟.. ولِمَ كان أهلاً لأن يتحوَّلَ في فترةٍ قصيرةٍ من مجموعةِ مجاهدين بأسلحةٍ بسيطةٍ إلى قوةٍ إقليميةٍ يتحدّث عنها كل رؤساء العالم، بمن فيهم رؤساء القوى العظمى أنفسهم؟.. أما الجرائد والمجلات والقنوات الفضائية، فهي لا تتوقَّف عن الحديث عنه، وكَيْل كل السباب له، لعلَّها تنفّس عن بعض غيظها منه، وحقدها عليه.
ونبادر، فنقول بأن اعتبار صواريخه وعتاده من الأسلحة هي سرّ قوَّته ومصداقيته، ليس جواباً كافياً، ذلك أن الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، تمتلك من العددِ والعدّةِ والأسلحةِ المتطوِّرة ما لا يمكن قياسه بما يمتلكه حزب الله، وهي مع ذلك تتمرَّغ في الهزائم؛ فلا تدخل معركة إلا وتنهزم فيها شرّ هزيمة، ولا تنطق بوعدٍ إلا وتغير عليه جحافل الأيام؛ فتخلفه.
ولذلك كان للعاقل أن يبحث عن أسرارٍ أخرى، وهي أسرار يعرفها العدو والصديق، لكن العدو يُقرّ بها، ويُذعِن لها، ويتحدَّث عنها، ويُصرِّح بذلك، ومَن شاء أن يتعرَّف على ذلك، فليُشاهِد ما تبثّه القنوات الفضائية للكيانِ الصهيوني، وليقرأ ما تكبته صحفه.
أما الصديق، أو مَن ينبغي أن يكون صديقاً، وهم العرب، فهم يأبون الإقرار، ويظلّون يسمّون الحزب الذي تحوَّل إلى قوّةٍ إقليميةٍ باسم [الميليشيات] في نفسِ الوقتِ الذي يعترفون فيه بوجوده السياسي، وبكونه القوّة السياسية الكبرى التي اختارها الشعب اللبناني.. لكنهم يرفضون الإقرار له بالانتصار، لأن إسرائيل عندهم كيان لا ينهزم، والإرهابيون الذين انتصر عليهم الحزب يعتبرونهم ثواراً ومجاهدين، ولا ينبغي الحديث عن هزيمتهم حتى لا يُساء إليهم.
لكننا إن تركنا هؤلاء جميعاً، وذهبنا نبحث عن الحقيقةِ بموضوعيةٍ وحيادٍ، فسنجد أربعة أسرار كبرى، كانت هي السبب في كل تلك الانتصارات؛ فالله لا يُعطي نصره إلا لمن وفّر أسباب ذلك:
وأول تلك الأسباب هي القيادة الرشيدة للحزب، والمتمثّلة في سماحة السيّد حسن نصر الله ذلك الرجل الذي اجتمعت فيه كل خِصال الزعامة؛ فهو صاحب قوَّة وإنفة وشهامة، وفي نفس الوقت هو صاحب لين ورحمة وعاطفة جيَّاشة.. وهو صاحب روحانية وإيمان عميق، وفي نفس الوقت هو صاحب فكر استراتيجي مُلهِم، وعقل جبَّار.. فهذا الزعيم ركنٌ أساسيٌ في الانتصارات، ذلك أنه يمثّل حزب الله أحسن تمثيل، بل يمثّل الأمّة بقِيَمها الرفيعة أحسن تمثيل..
وللأسف كان يمكن لهذا الزعيم ألا يكتفي بعد كَسْرهِ لهيبة إسرائيل، وتحويلها إلى بيت عنكبوت، أن يتحوَّل إلى زعيمٍ للوطن العربي جميعاً، لكن الحاقدين أبوا له ذلك، لأنهم يعلمون أن زعامته لو امتدّت للشعوب العربية التي أحبّته لكان في ذلك قضاء مُبرماً على كل مشاريع الهمينة، ولذلك راحوا يكيلون له أنواع التّهم، ويستعملون ترسانة إعلامية ودينية ضخمة لتشويهه، وتبديل كل مكارِمه مساوئ حتى إسمه [نصر الله] لم ينجُ منهم، حيث راحوا يحرّفونه بما تمليه عليهم أحقادهم.
وأمّا السبب الثاني، فهو أولئك الجنود البواسِل، الذين قدَّموا كل ألوان التضحيات في كل الحروب التي فُرِضَت عليهم، واستحقّوا بذلك الوِسام الرفيع الذي قلَّده إياهم قائدهم وزعيمهم حين أطلق عليهم لقب [أشرف الناس]، وهم الذين مُلِئوا تواضعاً وإخلاصاً وصدقاً ، حتى أن جمهورهم المحبّ لهم لا يعرفهم إلا بعد أن يستشهدوا، حينها فقط يُدرك مقدار التضحيات التي تحلّوا بها.
وأمّا السبب الثالث، فهو تلك البيئة الشريفة التي أحتضت حزب الله، وأمدّته بكل شيء، بدءاً من فلذات أكبادها، وهي بيئة لا يمكن أن نجد مثلها في مكانٍ آخر، وكيف نجد أباً وأمّاً يدفعان بإبنهما الوحيد إلى المعركة، وحين يُرفَض طلبهما، يظّلان يبكيان ويُصّران إلى أن يقبل به جندياً في معركة، قد يعود لهما شهيداً في أية لحظة..
وأمّا السبب الرابع، فهو تلك الأخلاق العالية التي تحلّى بها الحزب، قيادة وأفراداً وجمهوراً، فهو مع قوّته وتحدّيه للكيان الصهيوني، وعدم تنازله معه عن أيّ حقٍ، تجده في نفس الوقت هيّناً ليّناً مع أهل بلده، يتحاور معهم بكل هدوء، ويتنازل لهم عن الكثير من حقوقه، ولا يطالبهم بأيّ تكريم مقابل انتصاراته، بل يسكت عن كل الإهانات التي توجَّه إليه، سكوت الرجال أصحاب الشهامة والنُبل.
وأمّا السبب الخامس، فهو مبدئيّته وإيمانه العظيم بالقِيَم التي يحملها، فهو حزب بعيد عن التفكير البراغماتي المصلحي، وقد كان في إمكانه بعد السمعة العظيمة التي حازها، أن يكتفي بذلك، وألا يدخل في حربٍ جديدةٍ مع الإرهابِ لكنه لم يفعل، لأن مبادئه التي دعته لحرب إسرائيل هي نفس المبادئ التي دعته لحرب أدواتها.. وكان في إمكانه أيضاً أن يسكت عن الجرائم التي تحدث في اليمن، لكنه لم يفعل، بل راح يصرخ في وجه الاستبداد والطغيان، وكان صوته أعلى الأصوات، مع أن أعداءه استعملوا كل ألوان الترغيب والترهيب لإسكاته لكنه لم يفعل، لأنه صاحب مبادئ، لا صاحب مصالح.
هذه بعض أسرار قوَّته.. أما السرّ الأكبر فهو تلك العقيدة التي تمتلئ بها جوانح قيادته وجنوده وبيئته الحاضِنة، وهو أعمق الأسرار، ذلك أنه لا يمكن ـ بأدوات التحليل التي نعرفها ـ أن نفهم سرّ تلك العقيدة التي تجعل الشاب يندفع إلى أعدائه وحده، وبكل رباطةِ جأشٍ، ليعود بعد ذلك إمّا منتصراً، وإما شهيداً.
لصالح "الميادين نت"
أضيف بتاريخ :2018/10/04