طهران تلقن ترامب 3 دروس في 3 شهور
صالح القزويني
لو أمعنا النظر في حقيقة الخلاف الأميركي – الإيراني لوجدنا أن هذا الخلاف ليس ذاتيا وإنما عرضيا، بمعنى أن الصراع الأميركي الإيراني لايعود إلى خلاف ذاتي، كأن يكون أحد البلدين يحتل أراضي البلد الآخر أو ارتكب مجزرة أو جريمة ضد البلد الآخر أو تدخلت قواته في البلد الآخر، وما عدا انقلاب 1953 والذي أزاحت فيه الولايات المتحدة حكومة محمد مصدق وأعادت الشاه للسلطة، وكذلك عملية طبس، لم يكن للولايات المتحدة تدخلا مباشرا في إيران.
نعم كان هناك تدخلا غير مباشر للولايات المتحدة في إيران كدعم وتمويل نظام صدام في حربه ضد إيران، أو دعم وتسليح الأحزاب الإيرانية المعارضة والتعاون مع دول المنطقة في المخططات التآمرية ضد إيران.
من هنا فأن التوتر في العلاقات الإيرانية – الأميركية لا يعود إلى عداء ذاتي وإنما عرضي، وما العقوبات والضغوط التي تمارسها الإدارات الأميركية ضد طهران والتي تعتبر السبب في توتر هذه العلاقات ليس لوجود عداء ذاتي وإنما من أجل دول أخرى وتأتي في مقدمتها إسرائيل.
فلو جئنا إلى المآخذ الثلاثة التي تأخذها إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد إيران وهي (دعم الإرهاب، واتساع النفوذ، والقدرات الصاروخية) لرأينا أنها ليست مشاكل مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وإنما بين إيران وبعض الدول، فالذي تقصده واشنطن من دعم طهران للإرهابيين، هو الأحزاب والفصائل المقاومة لإسرائيل وبالتالي فأن إيران لا تدعم أحزابا مسلحة في الولايات المتحدة لتكون هناك مشكلة مباشرة بين واشنطن وطهران، وإنما المشكلة بين إيران وإسرائيل فما شأن واشنطن بذلك؟
وما يتعلق باتساع النفوذ الإيراني، فأنه يقتصر على دول المنطقة كاليمن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين، ولم يمتد النفوذ الإيراني ليصل إلى الولايات المتحدة ويؤثر على السياسات الداخلية فيها، فلماذا تنزعج الولايات المتحدة من اتساع النفوذ الإيراني الذي لم يصل إليها؟
كما أن مديات الصواريخ الإيرانية لا تصل للولايات المتحدة لتعترض إدارة ترامب على القدرات الصاروخية الإيرانية.
إذا كانت الصواريخ والنفوذ والدعم الإيراني للمقاومة لا يشكل تهديدا للولايات المتحدة فلماذا تصر واشنطن على ضرورة أن تتخلى طهران عن هذه الأمور، خاصة أن الملفت في هذا الإصرار هو أنه وصل أحيانا إلى حد التهديد بشن حرب ضد إيران؟
ليس هناك إلا تفسيرا واحدا لكل هذا الإصرار والتهديد والعقوبات والضغوط؛ وهو أن الإدارة الأميركية تريد من دول المنطقة تنفيذ بعض السياسات والتوقيع على بعض الصفقات، وهذه الدول لا تستجيب للمطالب الأميركية إلا إذا قامت واشنطن بالضغط على إيران والسعي إلى تغيير نظامها، ولذلك فان السعودية وإسرائيل رفضتا توقيع إدارة أوباما على الاتفاق النووي، وتوترت العلاقات بينهما وبين إدارة أوباما، بينما رحبتا بإلغاء ترامب للاتفاق وفرضه العقوبات على إيران.
طهران لم تقف مكتوفة الأيدي أمام ترامب بل سعت إلى تلقينه دروسا من المآخذ الثلاثة التي يأخذها عليها (دعم الإرهاب، النفوذ الواسع، القدرات الصاروخية).
كيف؟
فيما يتعلق بما يسميه ترامب بدعم إيران للإرهاب، فأن إيران سعت إلى إبقاء جذوة الاحتجاجات في الأراضي الفلسطينية متقدة ومستمرة ولا تتوقف، ولعل كل متابع للشأن الفلسطيني يعلم جيدا أن مسيرات العودة وفعالياتها تنتهي مع انتهاء الذكرى السنوية للنكبة ولكن المسيرات والفعاليات الاحتجاجية في الأراضي لم تتوقف منذ مارس الماضي وحتى الآن، لو بحثنا عن البصمة الإيرانية في استمرار الفعاليات والاحتجاجات لوجدناها في أن قائد الثورة الإسلامية دعا في أحد خطاباته إلى ضرورة استمرار هذه الفعاليات، إلى جانب ذلك فأن أصدقاء إيران في فلسطين سواء كانوا أحزابا أو شخصيات كانوا ولا يزالون المشجعون الرئيسيون لاستمرار هذه الفعاليات.
أما على صعيد النفوذ الإيراني في المنطقة فأن إيران لقنت ترامب درسا قاسيا في العراق، وذلك من خلال أصدقائها العراقيين.
فالولايات المتحدة تعتبر نفسها هي الآمر الناهي الوحيد في العراق، باعتبار أن العملية السياسية والنظام الجديد جاء على أعتاب إسقاطها لنظام صدام، وبالتالي لا يحق لأحد أن يتلاعب بالتركيبة السياسية في العراق، وقد بذلت إدارة ترامب جهودا حثيثة لتكون التركيبة السياسية التي تأتي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة موالية لها مئة بالمئة، وقد بدورها بذلت بعض دول المنطقة جهودا لتحقيق الهدف الأميركي عبر السعي لكسب ولاءات بعض الأحزاب والتيارات العراقية، وكانت أميركا وتلك الدول تراهن على تولي تحالف النصر للسلطة وخاصة رئاسة الوزراء، ولكن الذي حدث أن تحالف الفتح الذي لديه علاقات وثيقة مع إيران لعب دورا أساسيا في تولي محمد الحلبوسي وبرهم صالح وعادي عبد المهدي للمناسب الثلاث.
وبخصوص القدرات الصاروخية الإيرانية، فأن ضربة الصواريخ الإيرانية في البوكمال السورية أوجعت الولايات المتحدة قبل أن توجع الإرهابيين، وذلك لأن الصواريخ الإيرانية وقعت بالقرب من المنطقة التي تسيطر عليها القوات الأميركية في سوريا، وبذلك فأن إيران أرادت بهذه الضربة توجيه رسالة للولايات المتحدة.
وبكلمة، فأن طهران طالما اعتبرت أن دعم المقاومة ونفوذها في المنطقة وصواريخها خطوط حمراء وعناصر قوتها ومن المستحيل التخلي عنها، وإذا كان ترامب لم يستوعب دروس العراق وضربة البوكمال واستمرار احتجاجات الفلسطينيين؛ فان طهران مستعدة لتلقينه المزيد من الدروس حتى يصل إلى قناعة بأن سياساته ضدها غير مجدية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/10/07