جمال خاشقجي: نارٌ ألهبت الهشيم
بسام أبو شريف
الغرب هو المجرم الحقيقي وجلاد الشعوب، تجسّدت عنصريّته بإعلان دولة «اليهود» على الأرض التي سُلبت من أهلها بقوة الإرهاب الدموي. الغرب هو سارق قوت الشعوب وثرواتها. هو بانٍ لسدود نهوض الأمم، ومانعها من استثمار ثرواتها في تقدّمها الزراعي، والصناعي، والصحي، والتعليمي.
لفظ الغرب هنا دلالةٌ على الحكومات التي تمثل الاحتكارات الكبيرة الصناعية والغذائية. تلك الحكومات المحتكرة للدواء، وانتشار العلوم، والبحث العلمي. هي حكومات أنجبت كـ«دولة إسرائيل»، لا ترى في الإنسان سوى سلعة، ولا يجدون سبيلاً للعيش سوى بنهب ثروات الشعوب، وحرمانها حقوقها وحق تقرير مصيرها.
على سبيل المثال ــ لا الحصر ـــ تمثّل رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، أبشع المحتكرين: خادمة أمينة لمجرمي الحرب والصناعات العسكرية القاتلة، ولشركات النفط التي تسرق ثروات الشعوب الفقير. تتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان من جهة، وتزوّد العائلة السعودية بصواريخ محرمة دوليّاً ـــ شديدة الدقة وعالية القدرة على القتل والتدمير ـــ من جهةٍ أخرى. ماي «تناضل» لتوسعة تعريف «المعاداة للسامية»، انطلاقاً من مقولة أن «أي انتقادٍ لإسرائيل هو موقف معادٍ للسامية»، فيما تتحدث عن حماية الأطفال، وهي التي لم تكترث لاحتراقهم، لأنهم بريطانيون من أصول غير «إنكلوسكسونية».
أما إيمانويل ماكرون ـــ الطفل الخبيث المنهمرة دموعه على آلاف القتلى من المدنيين ـــ فيسلّم السعودية وغيرها من أنظمة الاستبداد والظلم أسلحة وذخائر فتاكة تنفيذاً لأوامر معلمه الأعلى «روتشيلد» وبنوكه. تراه يبكي على حلب لأن الجيش العربي السوري انتصر على «داعش» وطرده منها، تراه أيضاً يقيم الدنيا ويقعدها حول استخدام الكيماوي من الجيش العربي السوري؛ وهو يعلم ـــ كما يعلم رؤساء الغرب ـــ أن «القبعات البيضاء» هي فاشيّة ومن صناعة الحكومات الغربية، وأن تمثيليات الكيماوي من إنتاج الغرب وإخراجه، وأن قبعات التآمر هُرّبت عبر إسرائيل إلى الأردن، ومنها إلى أماكن أخرى، باستثناء من اختفوا في الأردن انتظاراً لدورٍ مسرحيٍّ جديد.
أما دونالد ترامب، فهو «شايلوخ». ولو كان شكسبير على قيد الحياة، فإن شخصية شايلوخ كانت لتتطابق في عصرنا مع ترامب. وإن كان شايلوخ هو تاجر البندقية، فإن ترامب هو التاجر الذي يتعامل مع لحوم ودماء الشعوب بالجملة.
شعوب الأمم في الغرب ضحايا وزاراتهم المنتخبة بمال الاحتكارات، لذلك تجد طلائع الشعوب هناك في قضايا حقوق الإنسان، والحريات، والديموقراطية ملاذاً للتعبير عن الغضب، والاحتقان ضد الاستغلال الذي تمارسه احتكارات بلادهم ضدهم، وهي إن كانت بدرجة أقل مما ترتكبه الاحتكارات بحق الشعوب المنهوبة، فإنها قاسية نسبياً، ومؤثّرة ضدهم أيضاً. فتجد ملاذاً في قضايا الشرق والشعوب المضطهدة من حكوماتهم، فيتظاهرون ويحتجون ويهاجمون حكوماتهم باستخدام جرائم حكّام العالم الثالث الذين تم توظيفهم من حكام العالم الأول.
أطفال اليمن يُقتلون بالآلاف. ويستهدف كل الشعب اليمني بالتجويع ونشر الفيروسات الآتية من مصانع أميركا وبريطانيا وفرنسا. إنها حرب إبادة لشعب عربي أصيل، لأنه يقف بحزمٍ ضد صنيعة الغرب إسرائيل؛ ويقف إلى جانب حق الشعب الفلسطيني. احتجاجات تلك الشعوب بدأت بالتصاعد والتنامي، فالقشة التي أشعلت النار في هشيم الاحتجاج والغضب، ورفض خداع حكومات الغرب كانت جمال خاشقجي.
جمال من أهل البيت الغربي، كاتب في «واشنطن بوست»، ومدلّلٌ في الأوساط الأميركية المعنية بالإعلام والسعودية. لذلك إن التقاط الفضيحة وإثارتها هو سلاح فتّاك في وجه حكومات الغرب الداعمة للنظام في الجزيرة العربية ولجرائمه الكبيرة في اليمن وسوريا والعراق ومصر وفلسطين. هذا النظام هو أيضاً ابن هذه الحكومات الغربية، وخاضعٌ لحمايتها. هو بقرتها الحلوب، وهو الممكّن من سرقة أموال الأمة العربية والإسلامية؛ لذلك هو مدللّ لدى الغرب الذي يحبو طلباً لأموال العرب التي يتحكّم بها هؤلاء المرتهنون لأميركا، والغرب، وإسرائيل.
جمال غربيّ التفكير. طرح نفسه بكل الإمكانات المفتوحة أمامه في الغرب وفي السعودية، كرجل اليمين المثقف، المؤمن بالديموقراطية وحرية التعبير، لكنّه لم يخرج عن الدائرة السياسية التي يحددها الغرب، لذلك رُحّب به ككاتب دائم في «واشنطن بوست»، بينما ترفض الأخيرة نشر آراء أو مقالات تعبر عن الحقيقة في الشرق، كتبها أساتذة الكتابة والإعلام. مقالات خاشقجي كان لها هدف سياسيّ وسقف سياسي وأرضيّة سياسية، وليس أي شيءٍ آخر. وإذا أردنا أن ندقق أكثر، نرى أن اختفاءه «وربما قتله» استخدم من جهة لأكثر من هدف.
فترامب يريد أن يتحكم بالعالم «بخاصّة حلفاءه التقليديين، إضافة إلى أعداء أميركا التقليديين». هو تاجرٌ جشع يريد نهب ثروات الجزيرة، وسائر أموال العرب في الخليج بالتهديد والوعيد، وفرض الإملاءات. كذلك، يُخضع الحكام (الذين قال عنهم في حملته الانتخابية: «نحن صنعنا هذه الدول وحكامها، وهي ليست دولاً»)، وإن لم يتمكّن من ذلك، فالسياط والسيوف جاهزة للجلد وقطع الرؤوس، لكن جنود الولايات المتحدة وبريطانيا لن يقوموا بهذا، بل ستكون هناك بدائل لذلك، تحت حماية القواعد الأميركية التي فرضتها حكومة «بوش ـــ تشيني» في الجزيرة، حمايةً لمصالحها وليس لحماية العائلة السعودية.
خاشقجي قضية مثالية لإثارة مجتمعات الغرب ضد حكام السعودية
جمال ضحيّة لمؤامرة أميركية ــ إسرائيلية ـــ سعودية لا تستهدفه شخصيّاً، بل استخدمته خدمة لمآرب ترامب وإسرائيل. فالابتزاز الأميركي يجد نفسه في وضعٍ أفضل باختفاء خاشقجي (لا أستبعد أبداً أن تكون الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وراء الفكرة والتنفيذ، وأن محمد بن سلمان اقتنع بناءً على نصيحة كوشنر)، لكن ولي العهد السعودي أتفه من أن يستوعب أن الغرب وإسرائيل يحتقرانه، ويحتقران عائلته، ولا يرون فيه سوى رجل سوقي يخضع للابتزاز، وأنّه طريق سهل لنهب أموال العرب، وقتل الأبرياء في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين ومصر.
وحدث أن بادرت السعودية بطلب مساعدة الولايات المتحدة لتنفيذ عمليات دموية إرهابية ضد الأمّة العربية مقابل المال. لكن الولايات المتحدة قبلت بعضها ورفضت الآخر، إذ عرضت الرياض أربعة مليارات دولار على واشنطن مقابل عملية عسكرية سريّة، وفق قول ترامب و«واشنطن بوست»؛ هذه العملية كانت هجوماً منسقاً بالطائرات والصواريخ وفرق خاصة على الأرض لاغتيال الرئيس بشار الأسد. ويمكن أيضاً الملاحظة أنها لم تكن المرّة الأولى للسعودية في طلب أمرٍ مماثل، إذ سبق «كما أعلن القائد جمال عبد الناصر حينها» أن الرياض قد طلبت مساعدة الولايات المتحدة لغزو سوريا بعد إعلان الوحدة! وكذلك إسرائيل تفعل عندما تفشل في عمليات إرهابيةٍ على سبيل المثال «عجزت الاستخبارات الإسرائيلية عن إيجاد منفذ يعطيها فرصة لاغتيال عماد مغنية، واضطر داغان رئيس الموساد وأجهزة الأمن الإسرائيلية إلى طلب مساعدة مدير السي آي أي مايكل هايدن، ومستشار الأمن القومي آنذاك ستيفن هادلي، واضطر الاثنان إلى مراجعة الرئيس جورج بوش لأخذ موافقته، فوافق الرئيس بوش شريطة تعهد رئيس وزراء إسرائيل ألّا يمس أحد بأذى سوى عماد مغنية».
وفي حالاتٍ كهذه، تساعد الأجهزة الأميركية في توريط من تريد توريطهم وإيقاعهم بالفخ المنصوب سلفاً، خدمة لمصالح الولايات المتحدة. وهكذا خططت لغزو الكويت ودفعت باتجاهه كي تنزل قواتها في الجزيرة ولا تخرج أبداً، وكي تبتز الكويت والسعودية وتحتل العراق! جمال خاشقجي شخصية يرى الغرب فيها ليبرالياً متقدماً جدّاً على النظام القائم في الجزيرة، يفهم المبادئ الأساسية للحريّة والديموقراطية وحقوق الإنسان. هو قضية مثالية لإثارة مجتمعات الغرب ضد حكام السعودية، يزودون لقاءه السعودية بالأسلحة الفتاكة القاتلة ويدفعونها للغرق في حرب اليمن أكثر وإلّا...
فهل اقتربت «إلا» من الرياض؟
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/10/11