مقتل رجلٍ ومقتل شعبٍ
د أماني سعد ياسين
كم هو غريب هذا العالم الذي نعيش فيه ! كم هو عجيب ! لا بل هو أشدُّ غرابةً من الغرابة نفسها. عندما نرى العالم وقد اجتمع في الأيام الماضية على إدانة جريمة اختفاء واحتمال مقتل الإعلامي السعودي البرئ جمال الخاشقجي لا يمكن بأيِّ شكلٍ تصديق أنّ هذا العالم هو العالم نفسه الذي يشهد على جرائم العدوان السعودي على البلد العربي الشقيق اليمن ولا يمكن تصديق أنّ هذا العالم هو العالم نفسه الذي يرى مقتل المئات من الأطفال اليمنيين في كلّ يوم ولا يمكن تصديق أنّ هذا العالم هو العالم نفسه الذي يرى ويشهد بأمِّ العين حصار وتجويع الشعب اليمني المظلوم ، أطفاله ونسائه وشيوخه في كلّ يوم منذ سنوات والى الآن ولا يمكن تصديق أنّ هذا العالم هو نفسه العالم الذي شهد الغارات السعودية المجرمة التي قصفت عمداً وتحت أنظار العالم كلّه باصات لطلاب المدارس في اليمن وقصفت مستشفيات ومدارس وأسواق ومجمّعات سكّانية مكتظّة لأعراس يمنية أو تجمعّات لتشييع الشهداء وضحايا القصف العدواني البغيض. عندما نرى العالم أجمع وقد اجتمع على إدانة جريمة خطف واحتمال مقتل الصحفي السعودي المعارض البرئ جمال الخاشقجي لا يمكن بأيِّ شكلٍ من الأشكال تصديق أنّ هذا العالم الذي انتفض ورفع الصوت عالياً واستنكر هذه الجريمة النكراء هو العالم نفسه الذي يشهد يومياً على أبشع جريمةٍ تجري في هذا العصر وهي جريمة إبادة الشعب اليمني بأكمله وذلك تحت أنظار العالم كلّه وتحت أنظار جمعيات حقوق الإنسان وتحت أنظار منظمات الأمم المتّحدة وكلّ الجمعيّات العالمية التي تدّعي رفع لواء حقوق الإنسان.
عندما ارتفع الصوت عالياً في الأيام الماضية في وجه النظام الظالم في المملكة السعودية بسبب اختفاء الإعلامي المعارض جمال خاشقجي ، لم نستطع أن نمنع أنفسنا من التفكير أن من يسيطر على العالم اليوم ، ومن يسيطر على الرأي العام العالمي ومن يسيطر على المنظمات التي ترفع لواء شرعة حقوق الإنسان في العالم ومن يسيطر على القانون العالمي ومن هو المسؤول فعلاً عن إدانة هذه الدولة هنا وإعلان براءة هذه الدولة هناك ، كما لم نستطع أن نمنع أنفسنا من التفكير أنّ العالم كما هو اليوم أصبح يفتقد إلى أدنى المقوّمات التي يحتاج لها البشر في حياتهم على هذه البسيطة بمعنى أنّه أصبح يفتقد إلى الإنسانية فعلاً وعلى مستوى الأفراد والجماعات وليس على مستوى الأنظمة ، هذه الإنسانية التي هي سبب استمرار الوجود البشري إلى الآن.
ولا يمكن لأيّ إنسان إلّا أن يكون مع الإدانة الكاملة لجريمة خطف الإعلامي المظلوم جمال الخاشقجي والمطالبة بالتحقيق الفعلي الكامل وليس الصوري والذي يؤدي إلى نتيجة حقيقية وليس إلى طمس الحقائق وتشويهها وفي الأخير إلى قلبها لمصلحة المجرمين في الرياض وداعميهم من الأنظمة العالمية التي تجرّدت بالكامل من أيّ شعورٍ إنساني لمصلحة ملء الجيب من خزائن المال السعودي وموارد النفط. إنّ استمرار الصمت الدولي المجرم والمريب بالكامل في مقابل قتل وإبادة الشعب اليمني وحصاره وتجويعه لهو جريمة كبرى في حقّ الإنسانية جمعاء. هذا الصمت الدولي في قبالة أعتى حرب عدوانية شرسة على شعبٍ عربي أعزل يجب أن يكون مداناً بالكامل من كل الأطياف والأحزاب والمؤسسات الدولية التي ترفع الشعارات الإنسانية الطنّانة أو تلك المؤسسات العادية الصغيرة منها والكبيرة لا لشيء إلّا لكي نحفظ شيئاً ثميناً أصبح حالياً مفتقداً لطالماً تغنّينا تتمنّى العالم كلّه به ، شيئاً نادراً جداً اسمه .. الإنسانية !!
والحقيقة العمياء تقول أن بئساً لزمنٍ يكون فيه الإنسان رخيصاً جداً
ويتحرّك العالم الظالم كلّه لمقتل رجلٍ واحدٍ ولا يتحرّك هذا العالم نفسه لمقتل شعب مظلومٍ بأكمله !!
عن اليمن ، يا أهل العالم ، أنا أتحدّث !!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/10/23