ضغوط «إعادة التموضع» على السعودية؟
روزانا رمّال
صار واضحاً أنّ ملف مقتل الخاشقجي أخذ مساحة أكبر مما يتحمله مقتل صحافي من دول العالم النامي، فكيف بالحال إذا كان صحافياً عربياً سكتت دول كبرى عن التعرّض لكبريات انتهاكات حقوق الإنسان في الشرق الأوسط برمته لصالح السياسة وتقاطعاتها أخصّها في اليمن ولم تتمكّن من السكوت عن ملف من هذا النوع، لا بل أخذ تصاعد منسوب المواقف السياسية العالمية بالارتفاع مع تقدّم الساعات، فلماذا لا يكون هذا الملف أيضاً واقعاً ضمن سياسة المصالح والأحلاف.
أولاً معروف أن لا ثقة بالمجتمع الدولي القادر على اللعب على حبال البراغماتية عندما تطلب الحاجة وما الانقلاب على الرئيس المصري حسني مبارك وهو الصديق البار للغرب تحديداً إلا دليلٌ قاطعٌ على ممارسة السياسة من منظار تقطيع أوصال المراحل عندما يكون هذا حاجة ملحّة من أجل مصلحة عليا أهمّ وأوسع أفقاً وبحالة مقتل الخاشقجي تحضر الولايات المتحدة الأميركية بكافة توجهاتها السياسية أبرزها تلك التي تقسم الكونغرس الأميركي إلى الحزبين اللذين يتناوبان على الحكم والنتيجة استغلال سياسي كبير لما جرى بهجوم إعلامي كبير على الرئيس دونالد ترامب الذي يتحضّر لخوض الانتخابات النصفية الممهّدة لإعادة ترشيحه لدورة رئاسية ثانية. وصار الحديث عن دعم الرئيس الأميركي المشبوه إلى ولي العهد السعودي «القاتل»، حسب هذه الجهات، هو الغالب الأعمّ في وصف واقع وشكل تحالفات ترامب التي تأخذ صورة الولايات المتحدة نحو الهاوية، لكن وبالتدقيق فإن شيئاً من هذا غير صحيح، لأنّ الديمقراطيين أنفسهم أول من شارك مع النظام السعودي بعهد الرئيس باراك أوباما بمسار إسقاط الأنظمة العربية باستخدام شتى الأساليب والطرق أبرزها تسليح الجماعات المسلحة المنتمية لأيديولوجيات متطرفة بدون أن يعتبر ذلك مشيناً بالنسبة للديمقراطيين. وعلى هذا الأساس صارت القضية اليوم قضية رأي عام أميركي سياسي وإعلامي مصلحي بامتياز، بدون أن يمنع ذلك من أن يقع ترامب تحت ضغوط كبرى.
السؤال الأساسي هو أنّ كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدركان طبيعة عمل النظام السعودي وشكل الحكم وبديهية التحالف مع واشنطن أياً كان الرئيس وتوجهاته. بالتالي فإنّ إمكانية أن تكون الأمور عبارة عن تمثيلية أميركية تبتغي استغلال الحادثة والضغط على السعودية غاية واقعية، ويمكن أيضاً أن يكون كل ما يجري هو سيناريو واضح من أجل رسالة ما، فما هي؟
الضغط على السعودية لا يتوقف على الولايات المتحدة الأميركية، بل على دول أوروبية حليفة كبرى مثل بريطانيا التي تتمسّك بشدة بكشف الوقائع وألمانيا وفرنسا وغيرها من دول العالم الحليف للرياض هذه المرة ضمن اليقين نفسه المنطلق من جريمة تمّ ارتكابها اعترفت بها المملكة تحت الضغط بغضّ النظر عن الأسباب.
الاعتراف الذي كان من المفترض أن يخفف عن ترامب وقع الدفاع عن الرياض ويحميه محلياً لم تفلح في ذلك ولم تفلح أيضاً في تهدئة موجة الصحافة العالمية، بل على العكس صعدت من وتيرة الاستهداف تماماً كما جرى عندما اعترفت دول عربية بضرورة الإصلاحات السياسية والاقتصادية فسقطت أمام جهورها بدل إنقاذ نفسها وكان المخطط كان مدروساً ليمر مهما كلف الثمن والحديث عن مصر التي لم يشفع لها أيّ اعتراف من مبارك ولم ينفك البيت الأبيض عن التنصل منه كذلك زين العابدين بن علي الرئيس التونسي وغيرهما. الأمر نفسه جرى بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد الذي رفع الصوت باتجاه إصلاحات لم تلقَ آذاناً صاغية من المعارضة السورية التي تحوّلت لمعارضة مسلحة شرسة ما كشف ارتباطها بالمخطط الأكبر.
هل هناك من يحضر للمملكة العربية السعودية واحداً من هذه الضغوط التي ستغيّر وظيفتها في المنطقة؟ هل هي لحظة الانقضاض على الرياض بعد خسارتها بوجه حلفاء إيران، خصوصاً في حربها على اليمن وخسارتها في سورية وسقوط الرهان الأميركي عليها وتسلّم تركيا زمام المبادرة بتقديم تنازلات لم تقدمها الرياض حتى اللحظة؟ هل هو ضغط من أجل الانتقال إلى مرحلة المفاوضات والتسويات أولها في اليمن، حيث غرق ولي العهد السعودي في وحله؟
بدون شك هناك صعوبة بالغة في مبدأ تراجع الأمير محمد بن سلمان في حربه على اليمن والصعوبة الكبرى تتمثل بعدم قدرة الأطراف الإقليميين من إقناعه بالسير بقطار التنازلات والتسويات التي دخلت فيه تركيا ما رفع منسوب إحراج الرياض لحلفائها الأميركيين مع حلفاء آخرين لهم في المنطقة، لكن كل هذا جاء بكلّ تأكيد بعد أن جرّبت واشنطن كلّ السبل في إعطاء الثقة بمشاريع سعودية في المنطقة فشلت ومخططات زادت العداوات والانقسامات أهمها مع قطر وتركيا حتى وصلت الأمور إلى ضرورة إنزال السعودية عن الشجرة وحان الوقت لاستخدام أول سقطاتها السياسية كمقدمة للنزول.
الضغط الكبير على السعودية اليوم يصاحبه سوء حظ كبير لثأر لم ينسَه رجب طيب أردوغان اتهم فيه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في تموز من العام 2015 بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل الذي كان مخصصاً لإطاحة أردوغان ولا شيء يمنع اليوم أن تكون لحظة الانتقام قد جاءت، وأن الاستفادة منها إلى أقصى حد أتت على طبق من فضة لحزب العدالة والتنمية التركي. والسؤال عن التموضع الأميركي هنا ضروري. فهل سيغطي ترامب خطوة أردوغان الذي يبدو أنه أوقعه هو الأخير في هذا المستنقع؟ الأكيد أن لحظة الانحدار السياسي والمتغيرات بالمواقف قد أتت وأن تركيا مقبلة على الاستفادة من هذا الحدث الذي ربما قد أعادها المفاوض السني الأول والمرجعية الأولى في المنطقة، بعد أن كانت السعودية قد انتزعتها بقوة الـ 450 ملياراً أو ما عرف بأكبر صفقة بتاريخ العلاقة بين الرياض وواشنطن.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/10/24