ترامب ليس أخطر من أوباما لإيران.. واحتمالات العودة للتفاوض على اتفاق جديد.. صفر
د. جلال جراغي
منذ تولى دونالد ترامب زمام السلطة في الولايات المتحدة، كان يحاول جاهداً بين الحين والآخر أن يهدد ويرعب إيران من عقوبات قاسية لامثيلة لها في التاريخ حتى وصل بالفعل إلى مرحلة إعادة فرض جميع العقوبات الاقتصادية على إيران والتي رُفعت من قبل بعد إبرام الاتفاق النووي بين إيران وقوى الغرب في 2015، وذلك في استهداف للقطاعات الاقتصادية الرئيسة في إيران. وأكدت إيران في الرد على الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية بلسان رئيسها حسن روحاني وبلهجة كان يغلب عليها التعدي قائلا إن إيران سوف تستمر في بيع نفطها وسوف تفتخر بنجاحها في تجاوز العقوبات.
والسياسات غير الحكيمة التي تنتهج إدارة دونالد ترامب حيال العالم بأسره والتي قائمة على التهديد والإرعاب والتعالي وحتى اللجوء إلى الحرب اذا ما اقتضى الأمر تكاد تنطبق بمقولة شهيرة تقول “إن الكلب الذي ينبح كثيراً لايعضّ” وهذا ما رأينا بالفعل في العقوبات الجائرة المفروضة على إيران التي ولدت مخدجة، إذ استثنت واشنطن 8 دول من العقوبات ومن ثم أضافت مشروع ميناء جابهار الحيوي إلى قائمة استثناءاتها من هذه العقوبات. والهدف الرئيس من العقوبات الجديدة الحيلولة دون استخدام إيران للدولار الأمريكي في مبادلاتها التجارية الخارجية مع الدول الأخرى وتعتبر الولايات المتحدة هذا المخطط العقابي ضربة موجعة لاقتصاد إيران وصادرات نفطها إلا أن واشنطن تنتهج سياسات غير حكيمة وغير صائبة حيال إيران ولهذا السبب ستؤدي هذا السياسات إلى الفشل الذريع. وكما قال السفير الإيراني في بريطانيا حميد بعيدي نجاد عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر رداً على العقوبات الأمريكية الجديدة أنه كانت المؤسسات العاملة في مجال الطاقة قد قدرت في السابق صادرات النفط الإيراني بأقل من مليون برميل يوميا في ظل العقوبات الجديدة، لكن مع استثناء ثمانية بلدان من العقوبات الجديدة، فإن صادرات النفط الإيراني ستصل إلى مليون و850 ألف برميل يومياً ومن المؤكد أنه في ظل الأساليب الجديدة التي ستتبعها إيران لتجاوز العقوبات الجائرة ستزيد صادرات نفطها أكثر من هذا وحتى ستصل إلى 2 مليون برميل يومياً وسيزداد هذا الحجم بفعل آليات التي ستوظفها إيران لتجاوز العقوبات إلى 2.5 برميل الحجم الذي تقوم حالياً إيران بإصدار نفطها وهذا يعني أن العقوبات الأمريكية لن تفضي إلى النتيجة المرجوة وهي إخضاع إيران وفي المحصلة النهائية سيكون وضع إيران أفضل بكثير من وضعها عندما فرضت عليها العقوبات في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قبل التوصل إلى الاتفاق النووي. أضف إلى ذلك، فإن قدرة إيران على تجاوز العقوبات ستتعاظم في أعقاب إعفاء ميناء جابهار الذي تشارك الهند والصين في تطويره في إيران ناهيك عن أن إيران لديها خبرة طويلة في التحايل على العقوبات بأساليب شتى وهي ما تمنح طهران القدرة على تجاوز نظام العقوبات الجائر. ومن جهة أخرى، بسبب تأثير العقوبات على دول أخرى، فهذه الدول أيضا ستحاول جاهدة لتحايل على العقوبات وبالتبع لن تلتزم فعلياً بقرار الولايات المتحدة وستواصل تبادلاتها التجارية مع إيران بأشكال مختلفة.
إذن ما يمكن قوله هو أن سياسات التي تنتهج ترامب ضد إيران والمتمثلة في فرض العقوبات الجائرة وأساليب التعالي واللجوء إلى الإرعاب والتهديد ضد طهران لن تكلل بالنجاح لأن هذه السياسات تفتقد مقوّمات الحكمة والبرنامج المدروس المستقبلي بل بالنسبة لإيران كان تشكل سياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما أكثر خطراً بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها لأنها كانت قائمة على الحكمة وإستراتيجية استنزافية لليحلولة دون أنشطة إيران في المجالين البرنامج النووي السلمي والتطوير الصاروخي. ومن هذا المنطلق ينبغي الإشارة أن محاولات ترامب اليائسة ليست إلا ذر الرماد في العيون بهدف تعزيز موقفه وموقف الجمهوريين أمام الشارع الأمريكي. والرئيس ترامب يحاول أن يصور للشعب الأمريكي أنه بفرض عقوبات قاسية ضد إيران ومنعها من تطوير برامجها الصاروخية والنووية وكذلك بالتوصل إلى تسوية بشأن القضية النووية لكوريا الشمالية وتسوية قضية القدس وفلسطين قام بتنفيذ كافة وعوده الانتخابية إلا أن هناك حقيقة يحاول ترامب التغطية عليها وهي أنه في محاولاته الرامية ضد إيران والتسوية مع الكوريا الشمالية مني بالفشل لأن العقوبات الجديدة لن تؤدي إلى النجاح في إخضاع إيران وإجبارها على القبول بالتفاوض على اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي يحل محل الاتفاق النووي الذي وقعته مع الدول العظمى عام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ويبقى هناك موضوع فلسطين وهو في طريق التسوية على حساب الفلسطينيين وبمساعد أنظمة عربية تتشدق الحماية عن الشعب الفلسطيني وإن لم يكن هذه المساعدة وبعبارة أدق هذه المؤامرة لكانت مخططات الولايات المتحدة وإسرائيل منيت بالفشل في يومها الأول. واللافت في هذا الموضوع أن أصبح توقيت فرض العقوبات الأمريكية ضد إيران متزاماً مع تطورات جمة في منطقة الشرق الأوسط توحي بأن المستجدات تترابط بعضها مع بعض، بعبارة أخرى يبدو أن هناك نوعا من التنسيق بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والسعودية في هذا المجال في ظل قتل جمال خاشقجي الصحفي السعودي المعارض في قنصلية بلاده في اسطنبول ومحاولات إسرائيلية لاستغلال هذه المسألة في منحى يصب في تنفيذ “صفقة القرن” لكي تحقق هدفها الأبدي في طي صفحة فلسطين وإقامة دولتها المستقلة من جهة ومن جهة أخرى تنقذ شريكها الأقرب في السعودية والمتمثل في شخصية بن سلمان من ورطة وقع فيها بعد قضية قتل خاشقجي. وما يعد غريباً و بل عجيبا أن تقف أنظمة عربية في الصف الأمريكي والإسرائيلي بتأييدها المخططات الأمريكية والصهيونية الطامعة في أرض المسلمين من الفرات إلى النيل وربما أكثر!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/11/10