سنستعيد فلسطين بوحدة إيماننا وسيوفنا ونثبت قوّتنا التي ستغيّر مسار التاريخ
إياد موصللي
إذا أردنا أن نستعيد فلسطين علينا أن نستعيد أنفسنا روحاً وجسداً فكراً وتاريخاً، وأن نعرف من نحن وماذا نريد، أن نكون واقعاً وفعلاً لا قولاً وأمنيات… فالمخططات والمؤتمرات دون أفعال لا تفيد.
إنّ طريق استعادة فلسطين والاسكندرون وأقضية اللواء هي في ولادتنا ولادة جديدة ونسيان كلّ الماضي بأسلوبه والاحتفاظ بما يوقظ إيماننا وكرامتنا وهويتنا.
نبدأ من السؤال الأساسي كيف ضاعت فلسطين؟ ولماذا ضاعت فلسطين؟ ونضع الجواب… وعلى ضوئه نحضر العلاج ومنه طريق العودة بأن نكون شعباً حياً يقرّر ما يريد ويحقق ما يقرّر وننهي قصة «الشعب المحتار» الذي يواجه شعباً يعتبر نفسه أنه «الشعب المختار».
من أين نبدأ؟
نبدأ من البيت نبني الأمّ والأب. فالأمّ مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق.. ثم من المدرسة والكتاب.
بيت وكتاب نحدّد فيه أيّ جيل ننشئ للغد ولأيّ أمة ينتمي ولأيّ أرض.. نريد أمّهات تهدهد أسرّة أطفالهن ليلاً لتبعث نوراً تختزنه ذاكرتهم فيحدث زلزال الكرامة التي تنازل عنها أجداده ويضرب بسيف العزّ الذي كسر آباؤه نصله…
نبني إنساناً جديداً يعرف من هو وماذا يريد… اليوم إذا سألنا فلسطينياً من الشتات والمخيمات من أنت ومن أين أنت لا يجيبك بأكثر من أنا من فلسطين من بلدة كذا… ولا يكمل لأنه لا يعرف سوى بعض العناوين الكبيرة التي يسمعها.. ولو سألته عن أي من التفاصيل والمعلومات لا يستطيع إجابتك عنها.. ومثله أبناء أمتنا لو سألنا ابن الجليل.. أين هي بلدة كسرى؟ والنبي يوشع والنبي يوسف والرامة وجدين وو… لما أجابك بكلمة لأنه لا يعرف وهكذا نجهل هويتنا جيلاً بعد جيل..
ماذا نتعلّم في البيت من التاريخ.. ماذا نقرأ في المدرسة مما يجب أن نعرفه علماً وحياة وتكويناً..
ضاعت فلسطين لأننا نشأنا على محدودية لمفهوم الوطن والانتماء، كبرنا فلم نستردّ أكثر من كلّ واد عصا ومن كلّ كلمة حرفاً.. فلسطين بالنسبة للفلسطيني وطنه وبلده ولبقية البلاد فلسطين عربية سرقتها الصهيونية…
لنستعيد ضائعاً يجب أن نعرف ما هو ونحدّد شكله ونوعه ومواصفاته.. لا نريد مواطناً لا يعرف عن وطنه إلا ما سمعه ممّن هم أكبر منه وأكثر معرفة…
نستعيد فلسطين من البيت.. ثم من المدرسة فنقرأ في الكتب تاريخ وطن ضاع بالتآمر والخيانات ونتعرّف عليه بكلّ وضوح، ونلغي الكتب الموجودة اليوم لأنها وضعت لإضاعة الحقيقة وتغييرها..
«إسرائيل» وضعت ثلاثة أعمدة اعتبرتها أساس عملها للسيطرة على فلسطين والعالم وهي: الإعلام والتعليم والمال..
لذلك يعتبر اليهود أنّ محاربة مناهج التعليم أمر مهمّ واستراتيجي.. من هنا نعرف أنّ مناهجنا وثقافتنا خاضعة للإملاءات والإيحاءات بشطب هذا وإضافة ذاك وفق الرغبات والاتجاهات، وتتلاشى أمام أجيالنا الصورة الحقيقة الواضحة وتضيع بعدم معرفتهم وجهلهم العقيدة والفكرة التي يبنون عليها حياتهم ويظهر في الصفحة 257 258 من البروتوكول السادس عشر أهمية المناهج بالنسبة للصهيونية كأحد الأسلحة التي يعتمدون عليها لتهديم أمتنا…»
حيث يقول: انه لكي يتمّ لنا تخريب جميع القوى التي تعمل على تحقيق الانسجام الفكري، والتضامن الاجتماعي، ما عدا قوانا نحن علينا أن نبدأ بتفكيك حلقة المرحلة الأولى من هذا وهي الجامعات والطريقة أن ننقض أساليب التعليم من أساسها… وتعريف الجمهرة من الناس تعريفا سيئاً ملتوياً لشؤؤن الدولة ومسائلها، وهم يأخذون هذا بعقول فجّة، مم لا ينتج عنه سوى ظهور العنصر الذي يركبه الهوس والخيال، يرافقه المواطن الرديء السيرة ويسهل عليكم ملاحظة المثال على هذا، في ما ترونه من نتائج التعليم الشائع اليوم في العالم بين «الغوييم». فالواجب الذي علينا هو أن ننقلهم إلى حيّز تعليم آخر يتعلمون فيه جميع المبادئ والقواعد والأصول، مما كان رائعاً في نسف نظامهم. لكن متى تسلّمنا نحن زمام الحكم والسلطة، سنزيل من المناهج كلّ موضوع شائك متعلق ونجعل من الشباب شباباً طائعين للسلطة، محبّين للحاكم، يرون في حكمه العون والأمل في بيئة السلام والطمأنينة».
وتظهر أهمية التعليم لدى اليهود ليس في محاولة نسف النظم التعليمية لدى شعبنا وخاصة التعليم العالي بل في تنميته لديهم، لذلك عمدوا إلى إنشاء الجامعة العبرية في فلسطين عام 1925 أي قبل قيام دولتهم بـ 23 سنة.
لذلك نجد اهتماماً كبيراً وملحوظاً من الصهيونية ومن أميركا في التدخل بمناهجنا المدرسية لأنّ تعاليم اليهود تركز بشكل كبير على هذه الناحية وتوصي بروتوكولات حكماء صهيون بإيلاء هذا الموضوع أهمية كبيرة فتقول في البروتوكول التاسع صفحة 216 ما يلي: «في تطبيق مبادئنا، علينا أن ننتبه إلى الشعب الذي تقيمون بين ظهرانيه وتعملون في بلاده، وهذا الانتباه يتعلق بأخلاق ذلك الشعب، فإننا إذا أخذنا بتطبيق مبادئنا عليه، تطبيقاً ظاهرياً عاماً وعلى نسق متماثل دون تمييز، وجرّبنا على هذه الوتيرة إلى أن نكون قد عدلنا وأصلحنا مادة التعليم لذلك الشعب تعليماً ينطبق على أهدافنا ومنوالنا، فعلى غير هذا الوجه لا مطمع لنا في إدراك النجاح، لكن إذا أخذنا نرعى التطبيق بيقظة واحتراس، فلن يمضي على ذلك أكثر من عقد من السنين حتى يكون طور ذلك الشعب قد تغيّر حتى في أصلب ما يعرف عنه من خلق العناد والمشاكسة، وبذلك نضيف شعباً جديداً إلى صفوف الذين قد تمّ لنا اقتيادهم وإخضاعهم».
التعليم والزراعة
وانصبّت جهود الوكالة اليهودية على تدريب طلائع الشباب اليهودي على الدراسة وفلاحة الأرض.
فالتعليم… بالنسبة لليهودي له معنى خاص يعتمد على بناء وتشكيل الشخصية وتدريب العقل وتنميته للاستعداد وخلق القدرة لدى الطفل، ويتدخل التعليم في كلّ مقوّمات حياة الأطفال لأنّ التعليم أداة رئيسة في بناء اليهودي المؤمن بالفكر الصهيوني. وكان للوكالة اليهودية ميزانية خاصة للصرف على التعليم، وساهم المجلس الملّي اليهودي بجزء كبير من نفقات التعليم. وحرصت الوكالة اليهودية على إنشاء إدارة تعليمية لرياض الأطفال وأوْلَتها عناية خاصة لأنها أفضل السبل لتعليم الأطفال اليهود اللغة العبرية.
والى جانب الاهتمام بالتعليم وبإنشاء جيل يهودي مؤمن بتعاليم الصهيونية، كان الاهتمام بالعمل وتأمين مجتمع سليم. وأخذت الزراعة حيّزاً من الاهتمام، سواء بإنشاء ملكيات زراعية أو بدعم المزارع الخاصة وتنمية الإمكانيات فيها عن طريق القروض والمساعدات.
دور السلاح الإعلامي
اكتشف اليهود دور السلاح الإعلامي منذ مئات السنين وأوْلوه اهتماماً أساسياً في سياستهم ومسيرتهم وكان ركيزتهم الأولى في تحقيق مشروعهم، وتصنّف تعاليمهم وبروتوكولاتهم الإعلام على انه أحد الأعمدة الثلاثة التي تقوم عليها صناعة القرار وتحقيق الأهداف وعبرها تتمّ السيطرة على العالم، الإعلام والتعليم والمال، لقد أدركوا بشكل مبكر الأثر البنّاء أو التدميري للسلاح الإعلامي، لذلك فقد اهتمّت به بروتوكولاتهم في وقت لم يكن يوجد شيء اسمه الجهاز الإعلامي، إذ وظفوا الشائعات لمصلحتهم ودسّوا على التاريخ أكاذيب مختلفة حتى ضاق بها.
ويشدّد البرتوكول الثاني صفحة 191 على أهمية هذا الدور ويصفه بالآلة العظيمة فيقول: «ولا يخفى أنّ في أيدي دول اليوم آلة عظمية تستخدم في خلق الحركات الفكرية والتيارات الذهنية، ألا وهي الصحف، والمتعيّن على الصحف التي في قبضتنا عمله هو أن تصبح مطالبة بالحاجات التي يفترض أنها ضرورية وحيوية للشعب وان تبسط شكاوى الشعب وأن تثير النقمة وتخلق أسبابها، إذ في هذه الصحف يتجسّد انتصار حرية الرأي والفكر، غير أنّ دولة «الغوييم» لم تعرف بعد كيف تستغلّ هذه الآلة فاستولينا عليها نحن وبواسطة الصحف نلنا القوة التي تحرّك وتؤثر، وبقينا وراء الستار، فمرحى للصحف وكفّنا مليء بالذهب، مع العلم أنّ هذا الذهب قد جمعناه مقابل بحار من الدماء والعرق المتصبّب. نعم، قد حصدنا ما زرعناه ولا عبرة أنْ جلّت وعظمت التضحيات من شعبنا. فكلّ ضحية منا إنها لتضاهي عند الله ألفاً من ضحايا الغوييم».
ترى هل لنا أن نتساءل ونحن نرى بعض الممارسات المشبوهة لوسائل إعلامية عربية ذات أبعاد متعددة عما إذا كانت تلك المؤسسات والدور الذي لعبته وهو غير حميد ولا مشكور في عديد من مراحلها، هذا الدور جزء من الآلة التي استولى عليها العدو وكما يقول: «استولينا عليها نحن وبقينا وراء الستار».
وقد أمسكوا بالإعلام من كلّ جوانبه وسيطروا سيطرة كاملة وكما يقول مجدي كامل في كتابه أكاذيب التاريخ الكبرى 2011 : «إنّ الكنائس المتصهينة ليست أكثر من قوة دفع إضافية إلى قوة اليهود الطاغية التي ترتكز على الثالوث المال والسياسيين والإعلام، فاليهود يشكلون نسبة 2 من سكان الولايات المتحدة ألا أنهم يشكلون 50 من العاملين في الإعلام و24 من القيادات الإعلامية في ذلك البلد. أمّا في شركات الإعلام الكبرى فيكفي أن نقول إنهم يسيطرون على 95 من الشركات الأميركية الكبرى وهي شبكة NNC، وشبكة CBA التي يرأسها يهودي، وشبكة CBN التي يترأس قطاع الأخبار فيها يهودي، ناهيك عن القطاعات الأخرى كالسينما التي ساهمت في صياغة المجتمع الأميركي حتى تجرّأ الممثل الفاشل رونالد ريغان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة على القول: «إن الله لا يحب من لا يحب إسرائيل».
لنعرف عدوّنا…
لنسأل أنفسنا عما عندنا مما يقابل ما عند عدوّنا من حرص على تعليم وتربية جيل مؤمن مقاتل من أجل وطنه؟ وأين هي مناهج المدارس والجامعات التي تدرّس الفلسطيني والمواطن في أمتنا تاريخ وطنه… وهويته…
لن تعود فلسطين إلا إذا عدنا.. هي لم تغادرنا ولم تنكرنا، لم نأت إليها كانت معنا وكنا فيها.. أهملناها وتهاونّا نحوها بكلّ شيء انقسمنا وتقاسمنا.. فجاء العدو المغتصب موحداً عارفاً ما يريد وكيف يأخذ ما يريد.
إذا وقفنا أمام هذا كله وعرفنا عدوّنا في ظاهره وخططه المكشوفة وما يخفيه في نواياه وأفكاره وأصبحنا على معرفة تامة بالخطط المستقبلية والمؤامرات والصفقات التي يسعون لتحقيقها عبر حلفائهم وعملائهم خاصة بعد أن أزال أعراب السعودية والخليج أقنعتهم وكشفوا ما أنجزوه وأدّوه من أدوار فأنه يتوجب علينا ان تكون خططنا واستراتيجيتنا متوازية مع ما يحضرون ويصبح شعارنا ما أخد بالسيف بالسيف يؤخذ كشفوا أوراقهم لذلك سيصبح هدفنا الأساس تدمير ما صنعوه وننتقل من الخطابات والمهرجانات والتنظيمات إلى القوة التي نملكها والتي سوف تفعل وتغيّر مسار التاريخ المزيّف وان نثق أننا نملك هذه القوة.. لن نقبل أن يقف نتنياهو يقول من وسط باريس «أنّ إسرائيل هي الدرع الذي سوف يدافع عن أوروبا..». وأوروبا عملت في الأساس لإنشاء «إسرائيل» لتكون درعها..
وأصبحت زياراته لدول الخليج وزيارة وزرائه روتينية عادية.. وبدأ البحث في المشاريع المستقبلية وبناء خط حديدي بري وخط بحري يصل سلطنة عُمان وإمارات الخليج بحيفا.. الدول التي وجدت بقيادة السعودية انّ اليمن ستكون عقبة في وجه مشاريعهم لأنها الدولة الوحيدة التي كان شعبها صادقاً في توجهه العربي وإيمانه بأنه مع فلسطين ومع دولنا يشكل الجبهة التي تحافظ على وجودنا وتحارب الأطماع الصهيونية. لذلك يحاولون إزالة اليمن وإزاحتها من طريق مشاريعهم.
وكما قال سعاده: يجب أن نتحوّل من المؤامرات والخطابات إلى العمل الفعّال بتشكيل جبهة مواجهة لأننا الآن نواجه أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة أو الموت وأية نتيجة حصلت سنكون نحن المسؤولين عنها وعن تبعتها..
«أننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، أننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».
إن أرادتنا تحتم أن نحدّد قدرنا وقدرنا أن ننتصر.
لذلك على شعبنا بمنظماته المتعدّدة والمتنوّعة في ايدولوجياتها وولاءاتها القطرية وتنافر قيادتها، أن تقتنع بوحدة قرارها. إنّ استرجاع فلسطين مصلحة فوق كلّ مصلحة، فتعمل لتحقيق هذا الهدف بتوحيد البندقية والراية… فعودة فلسطين هي الدين والدنيا، والإرادة الفلسطينية الواحدة تضع حداً للشرذمة وتضع حداً للهرولة والزحف وراء أولئك الذين جلبوا الويل والكارثة، وتقبر التخاذل والمتخاذلين، تنظف بيتنا الداخلي وتفتح القبور للخونة والمتعاملين مع العدو أو مع الأنظمة المتواطئة معه. ويصبح نشيدنا واحداً، «كلنا للوطن… يا بالوطن يا بالكفن» نجعل فلسطين أغنية أطفالنا اليومية ـ نستبدل كل اسم باسم فلسطين، إذ ننام أو ننهض كلّ فرد فينا بدلاً من التحية اليومية نرفع اليد عالياً ونصيح تحيا فلسطين ونعلن توحّد هدفنا وقرارنا وإرادتنا… ونوقف الزحف المشين وراء «المحميات» ونعلنها وقفة عزّ… وعندها وعندها فقط سنحقق أروع انتصار لأروع شعب، وليرى بعدها العالم مواكب العز تسير تحت رايات النصر معلنين أنّ زمن الهزائم قد ولّى…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/14