لماذا يتعقّدُ تحريرُ إدلب؟
د. وفيق إبراهيم
تُعزّز القوات السورية والروسية مواقعها المحيطة بمنطقة إدلب وعلى طول تل رفعت وريف حلب الشمالي بما يوحي بمعركة كبيرة لم تعُد ببعيدة.
فتركيا الضامنة لإخراج مسلحي النصرة وأنصار الدين والحزب التركستاني من محيط إدلب إلى داخلها لم تنجح بتنفيذ هذه المهمة، أو أنها تماطل لتحقيق مزيد من العروض والمكاسب من الطرفين المتنافسين الروسي من جهة والأميركيين من جهة أخرى لا سيما أن هناك مَن يجزم بأن موافقة الأميركيين على تنظيم دوريات مشتركة مع قوات أنقرة في منبج يعود سببه إلى محاولات من البيت الأبيض لإعادة جذب التركي إليه.
الواضح حتى الآن أن الدولة السورية ومعها تحالفاتها في حزب الله والروس والإيرانيين لا يعبّأون كثيراً بالتهديدات الأميركية ولا بالألاعيب التركية.
لأن ما يهمهم يتركز على مصير مليونين ونصف مليون مدني سوري يتخذهم الإرهاب الإدلبي دروع حماية ولا يسمح لهم بالخروج.
والاهتمام بهؤلاء المدنيين يتحول قضية إنسانية وأهلية عند الدولة السورية ليصبح مادة ضغط أميركي غربي إسرائيلي سعودي تحذّر من إقحام إدلب خوفاً على أرواح المدنيين ولا تطرح أي حل لنقلهم إلى أمكنة أخرى بل تصر على إبقائهم في أمكنتهم في محافظة إدلب. وهذا يعني إصرارها على منع الدولة السورية من استكمال سيادتها على أراضيها، ويعلن بخبث أن لا إمكانية للعبور نحو شرق الفرات قبل تحرير إدلب بما يشبه اللغز أو المتاهة باعتبار أن إدلب محرمة إنسانياً وشرق الفرات غير مسموح دخولها قبل تحرير إدلب.
ولتثبيت هذه المواقف الغربية أعلنت ايطاليا وقف استقبال اللاجئين وتبعتها ألمانيا التي كانت تستقبل من تعتقد أن بوسعه خدمة الاقتصاد الألماني أو يخدم الألمان بميله إلى كثافة الإنجاب في مجتمع ألماني يتناقص عديدة بسبب التراجع الهائل في الزواج واستيلاد الأطفال. وهذا حال كل الغرب لكن درجاته أكبر في ألمانيا.
فرنسا بدورها أقفلت حدودها تماماً وخصوصاً المتوسطية منها أو المحاذية لإيطاليا. وهذه تقليدياً خطوط هجرة من الشرق الأوسط إليها بحراً وبراً. وعلى هذا المنوال نفسه سارت هولندا وفنلندا اللتان تخافان من العنصر العربي والسوري باعتباره إرهابياً أو قابلاً لأن يصبح كذلك أما الولايات المتحدة الأميركية فلم تعد تستقبل سوريين منذ وصول الرئيس الحالي ترامب إلى رئاستها وعمّمت هذا القرار ليشمل كل المهاجرين إليها حتى من أميركا الجنوبية والوسطى المجاورتين لها.
فهل صحيح أن قرار منع المهاجرين السوريين من الوصول إلى الغرب هو قرار إنساني؟ بالطبع لا فمن المرجّح أن الإصرار على إبقاء المدنيين في إدلب لا يعني إلا احتماء الإرهابيين بهم لمنع استكمال السيادة السورية أو بالحد الأدنى منع الجيش السوري وحلفائه من الوصول إلى شرق الفرات حيث يوجد الأميركيون ومشروع قسد الكردي ومنظمات داعش والنصرة على أرض وفي بيئات متجاورة ومتقاربة.
ماذا يعني هذا الأمر؟ هذا لا يمكن تفسيره إلا بالنية الأميركية لإطالة عمر الأزمة السورية وذلك لوقف السرعة في التراجعات الأميركية في الشرق الأوسط فلعلها تعتقد أن وقف المعارك اشبه بفرصة تستطيع فيها تجديد آلياتها الإقليمية والسورية وتسعى في الوقت نفسه إلى العثور على قواسم مشتركة جديدة مع الترك الذين يسيطرون على معظم الشمال السوري وقسم من الشمال الغربي ويمسكون بمنظمات سورية تركمانية وأخرى ترتبط بالأخوان المسلمين.
فلماذا لا تجهد واشنطن لسحب أنقرة مغناطيسياً إلى مواقعها عبر تهيئة ما يثير لعابها.
لجهة الخطر الكردي فإن الأميركيين يعملون على التقليل من المساحات التي يسيطر عليها مع إبعاده من التصادم مع القوات التركية في الشمال.
وهناك اعتقاد بأن الأميركيين بصدد تنشيط عشائر عربية شرق الفرات لاستعمالها بديلاً من الكرد في بعض الأنحاء كمواجهة تقف في وجه الدولة السورية.
والقصف الأميركي لمناطق هجين وجوارها بشكل مستمر يكشف أن الأميركيين يسعون إلى تقسيم مناطق شرق الفرات بين قسم للإرهابيين وآخر للكرد وثالث للعشائر العربية مع السماح للترك بالتموضع في أعالي شرق الفرات في الشمال.
فهل يؤمّنُ هذا «الموزاييك» مشروع الأميركيين؟
لا يوافق الترك على أي مشروع كردي أكان صغيراً أم كبيراً لأنهم متيقنون من قدرته على التوسع نحو مناطق الأكراد الأتراك شرق تركيا.
كما أن العشائر العربية ترفض التماهي مع الإرهاب وتريد عودة إلى مناطقها تمنعها عنها القوات الأميركية بقصف هذه المناطق دورياً.
هذا إضافة إلى أن هذا الإرهاب نفسه قابل للاستثمار لكن لديه مشاريعه الخاصة التي ترفع من درجات عنف قد لا يريده الأميركيون.
بالعودة إلى إدلب فصمت السوريين والروس والإيرانيين من المماطلة التركية سببه موضوع الخاشقجي الذي أزّم العلاقات الدولية والإقليمية ما فرض على الحلف الروسي السوري إعطاء بعض الوقت لأنقرة تتخلص بواسطته من طموحاتها الإقليمية الناتجة من اتهامها للسعودية باغتيال الإعلامي الخاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول بقرار من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهذا ما ترفضه الرياض.
لكن دمشق وموسكو تعدان الخطط الجديدة لتحرير إدلب مع الحفاظ على أكبر عدد ممكن من مدنييها سالمين.
ويعتبر هذان الطرفان أن بإمكانهما تحقيق حرب ناجحة بأقل قدر ممكن من الخسائر لتحرير منطقة إدلب، ويبدو أنهما بصدد أعداد اللمسات الأخيرة على مشروع التحرير. وهذا ما استثار الأميركيين الذين أرسلوا إلى السوريين مشروعاً يقضي بتحرير إدلب وسحب الإيرانيين مقابل الذهاب إلى الحل السياسي وهذا يعكس مدى جدية الطرفين السوري الروسي في مسألة تحرير إدلب.
ما يمكن أخيراً التأكيد عليه أن التراجع الأميركي السعودي – الإسرائيلي هو بنيوي ولا ينفعه «اسبيرين ادلب» أو مسكنات شرقي الفرات فهناك دولة سورية تريد استكمال سيادتها بأي ثمن إلى جانب روس يصرون إلى الانطلاق من دمشق إلى الإقليم مهما طال الزمن وبالوسائل المتاحة عسكرياً وسياسياً.
وهناك حزب الله وإيران اللذان يتمسكان باستقرار سورية. فمتى موعد تحرير إدلب؟
لا شك في أنه في الأفق القريب وهو الطريق إلى تحرير الفرات من الأميركيين.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/17