ما يمكن استخلاصه من قضية الخاشوقجي: نظام رسمي عربي تافه ومتهاو..
د. عبد الحي زلوم
جاءت جريمة الخاشوقجي لتكون دليلاً قاطعاً لما كان يعرفه أكثر الناس بأن شرعية الأنظمة العربية تأتي من خارج حدودها من الدول التي رسمت تلك الحدود ، وأن هذه الأنظمة تخدم من يعطيها الشرعية وأن بقائها في الحكم أو عدمه هو لمن يعطيها تلك الشرعية. وبينت أن المستعمرين ليس لهم صديق . فمصلحتهم هي أولاً وأخيراً . وهم ينظرون لمن اعتبروا أنفسهم حلفاء بأنهم ليسوا أكثر من وكلاء . ويحق للأصيل أن يعزل الوكيل في أي وقت شاء .
وقد بينت الأيام أن تلك الأنظمة (أسد علي وفي الحروب نعامة) . وكذلك بأنه ليس لطمع مشغلي الأنظمة في الخارج حدود لاستغلال بلدان الوكلاء. وكلما نهبوا ملياراً قالوا هل من مزيد ؟ وأنهم ينظرون بازدراء إلى وكلائهم. فبعد أن دفع طويل العمر الأمير أكثر من أربعمائة مليار دولار كعربون لتثبيته ولياً للعهد ومع أنه قد ربط ما يزيد عن مئة مليار دولار لشراء أسلحة إرضاء المؤسسة الصناعية العسكرية الأمنية و بالرغم من وجود ملايين الفقراء والعاطلين عن العمل في بلاده، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يتردد في إهانة النظام السعودي بوقاحة بلغت مداها أثناء الانتخابات النصفية الأمريكية حينما خاطب الملك السعودي قائلاً له (انتم لا تستطيعون البقاء في الحكم أسبوعاً بدون حمايتنا لكم). وصلتني هذه الإهانة وأنا على بعد آلاف الكيلو مترات وليس بيني وبين الحكم ناقة ولا جمل . فهو أولاً وأخيراً يخاطب خادم الحرمين الشريفين وما هكذا يخاطب الملوك.
بينت حادثة الخاشوقجي أكذوبة حقوق الإنسان التي تدّعيها الولايات المتحدة لمن كان يصدقها وتفاهة ذلك النظام الذي يُكذّبُ أجهزة استخباراته التي يصرف دافع الضرائب الأمريكي ما يزيد عن 60 مليار دولار في السنة عليها ويصدق متهماً قال عن نفسه انه بريء!
وتبين أن الشعوب قد تم إرهابها و تدجينها، فأصبحوا كالسكارى وما هم بسكارى وكأنهم في فترة (فقدان الوعي) لا يرون ولا يفقهون وكأن ثروات الأمة المنهوبة هي في بلاد الماوماو وليس في بلادهم أو كأنها ملكٌ للأجانب وأن أنظمتهم ما هي إلا حراس مرتفعي الأجر عليها.
كما تبين أننا نعيش في عالم منافق ينطبق عليه بيت الشعر الذي يقول :
“قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب أمنٍ قضية فيها نظر “. هناك ما أسمتهم الأمم المتحدة أكبر مآساة إنسانية في العصر الحديث في اليمن وهناك أكثر من مليوني مواطن يعيشون في سجن كبير اسمه غزة .
وتبين فضاضة ونفاق وعاظ السلاطين وشيوخ الأفك لدرجة أنهم يخالفون كتاب الله وآياته من على منبر الحرم المكي الشريف حيث يقول أحدهم أن الرسول قال في حديث من أحاديثه أنه سيكون في كل عصر رجل من أمتي ينهضون بالأمة وأن هذا الرجل اليوم هو ولي عهدنا وذلك بمخالفة صريحة للأية القرآنية التي تقول (ومن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا). ونسأل أصحاب الفقه والتفسير من أصحاب الرأي والرأي الأخر في الدوحة أن يعلمونا أن كانت الصلاة وراء مثل هؤلاء جائزة أم لا ؟
ونتعلم أن ليس للأباطرة ولا السلاطين صداقة أو وفاء حتى لمن يخدمونهم بتفاني وإخلاص مما يذكرني كم كان حكيماً والدي حينما كان يقول دائماً :”إذا أردت أن تكن سلطان فابعد عن السلطان . ” وأضيف ، خصوصاً في هذا الزمان .
***
وما علاقة خاشوقجي وابن سلمان وترامب وغزة وأزمة حكومة نتنياهو؟
وضعت إدارة ترامب بالتنسيق مع نتنياهو كل بيضاتها في سلة ابن سلمان . فالشاب طموح وهو على استعداد أن يقدم كل شيء للوصول إلى طموحه .
إذا كان نتنياهو يريد صلحاً مجانياً بل ومدفوع الثمن من البترودولارات ووتصفية القضية الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لكيانه فقيل له سمعا وطاعة . دعا بن سلمان محمود عباس وطلب منه الموافقة على صفقة نتنياهو- كوشنر وقيل له سندفع لكم عشر مليارات دولارات لتنفيذها . أجابه عباس بأنك تعرف أنني تنازلت عن بلدتي صفد بل وعن كل فلسطين وأني خدمت وأخدم الاحتلال بكل كفاءة وإخلاص وأنسق معه أمنياً بل وأقبل أن لا أتحرك من شارع إلى شارع في رام الله إلا بموافقة مجندة في جيش الاحتلال . لكن هذا الطلب سابقٌ لأوانه فقد يكون تنفيذه الشعرة التي ستقطع ظهر البعير وتخرجني من السلطة وأنا ما أزال في عز شبابي في الثمانين من عمري . فقيل له أخرج فإنك من المغضوب عليهم والضالين .
قيل للشاب الطموح لِما لا تزر الكيان الصهيوني فقام بزيارة تل أبيب سراً حسب ما نقلته الصحافة الصهيونية والله أعلم .
قيل له أن عدو الكيان الصهيوني هم حماس وحزب الله وإيران فقال لهم أعداؤكم هم أعدائي . قالوا له أنهم إرهابيون . قال لهم أنهم كذلك.
قالوا له لما لا تقول جهاراً نهاراً بأن لليهود حق في دولة في أرضهم في فلسطين . فقال سمعاً وطاعة وصرح في خطاب له أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة أمام جمع يهودي : “لليهود الحق في العيش في دولة على أرضهم”. فمال الحاضرون طرباً يميناً وشمالاً .
ثم يأتي شخص من الموالين للنظام السعودي وفي سيرته الذاتية انه كان نقطة اتصال بين المخابرات السعودية أيام تركي الفيصل وأيام الحرب الأمريكية على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان فكان حلقة وصل مع المقاومة الافغانية وأسامة ابن لادن وحركته . ولأخر أيامه كان يقول أنه مع النظام قلباً وقالباً وكل ما يتمناه أن يتكرم ابن سلمان بشيء من الديمقراطية حفاظاً عليه .
ثم جاءت جريمة الخاشوقجي فجاء ما لم يكن في الحسبان . وضعت إسرائيل والولايات المتحدة كل بيضاتها في سلة ابن سلمان . هناك صفقات وصفقات منها ما هو في السر ومنها ما هو في العلن . رأى الكيان الصهيوني أن هذه الأيام هي فرصةٌ للتطبيع ولتصفية القضية الفلسطينية و لإنشاء أحلاف تقودها الولايات المتحدة اسماً والكيان الصهيوني فعلاً بأموال البترودولارات العربية ليقاتل المسلمون العرب إخوانهم المسلمين الإيرانيين حتى أخر عربي وأخر بترودولار .
ثم تجيء قضية مقتل رجل واحد ليضيع كل شيء بما فيها من منافع شخصية لكوشنر وعائلة ترامب ؟ ما هذه التفاهة وهذا النفاق ؟ يقول الصهاينة الأمريكان نحن قتلنا المئات والألوف ومازلنا نفعل ذلك فما المشكلة في قتل رجل واحد وتقطيع أجزاءه وحتى إذابته بالأسيد ؟ أنه ليس الأول ولن يكون الأخير فما هذا النفاق ؟
حاول الصهاينة التحايل على المقاومة الفلسطينية في غزة بالتنسيق مع حلفائهم الصهاينة العرب عن طريق العصا والجزرة . ولما تبين للمقاومة أن الجزرة مسمومة قام الصهاينة بعمليتهم الاستخباراتية فأفشلتها يقظة المقاومة . فاضطر الصهاينة بالعدوان الكثيف للسماح لمن تبقى من جنودهم للانسحاب فردت المقاومة بإطلاق صواريخها التي كانت أفضل أداءاً من سابقاتها .
بعد أن فشل نتنياهو في اعتداء 2014 والذي دام أكثر من خمسين يوماً لم يوافق على التصعيد والذي طلبه وزير عدوانه لبرمان والمسمى دبرمان . جاء هذا المخلوق من الاتحاد السوفياتي السابق حيث كان يعمل بلطجي (bouncer) في ملهى ليلي هناك. وأصبح وزيراً في بلد مسروق وطالب بعقلية البلطجي الدخول إلى غزة . قال نتنياهو إن ذلك سيكلف أكثر من مقتل 500 جندي وبدون نتيجة وسيُخرِب طبخة التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية والأحلاف والتي لا يمكن أن تتم في أجواء اعتداء صارخ على غزة .
الصهاينة اليهود والعرب يريدون والله فعال لما يريد .
جاءت جريمة الخاشوقجي وجرائم العدوان على غزة ورد المقاومة بما نتج عنه من الأعجاب لفئة قليلة محاصرة من الصهاينة العرب واليهود في سجن كبير ينقصها الغذاء والماء وكل شيء إلا إيمانها بالله وعدالة قضيتها .
يعيش العالم اليوم فترةً انتقالية مضطربة ما بين عصرين تنكمش فيها السطوة الأمريكية وأحاديتها ويعيش النظام الرسمي العربي سكرات الموت ويتمسك بخيوط العنكبوت بامبراطورية في حالة انحدار وعلى دولة هي أوهى من خيوط العنكبوت .
***
كشف حساب: أين أوصلنا نظام القبائل والعوائل بعد مئة عام . أبدع الشاعر العربي من تونس مازن الشريف في وصف مآساة الأمة في هذه القصيدة:
يا أبي حزن ببوح الحُنجرةْ
وجع بهذا الصّدر يُغمد خنجرهْ
هي حيرةٌ مثل الهزيمةِ مُرّةٌ
ما للعروبة كالحُطام مُبَعثرهْ
أنّى نظرتُ رأيتُ موتا صارخا
لكأنّما وطنُ العروبة مَقبرةْ
في القدس ما في القدسِ أو في غزّةٍ
قد عاث صهيونٌ وأرسل عَسكرهْ
بغدادُ أو في الشّامِ جُرحٌ واحدٌ
من فخّخَ الوطنَ الجميلَ وفجّرهْ
والدينُ دينُ اللهِ إلا أنّه
لم يرضَ شيخُ الإفكِ حتى زوّرهْ
في كل شبر من ثرانا لوعةٌ
في كل ركن من مدانا مجزرةْ
في مَطمَعٍ للغرب صرنا لُقمة
في نظرة للغرب صرنا مَسخرةْ
قل يا أبي هل ضاع حقًّا حلُمنا
ما عاد فينا خالدٌ أو عنترةْ
ماذا يقول الحرف في خطّ المدى
وطنٌ تدلّى من حبالِ المِشنقة
إن مرّ عصفور يُغني مغرما
كسروا جناحيه أماتوا الزّقزقةْ
قد فكّكونا كالطوائفِ وانبرى
كلٌّ يشدّ الكلَّ حتى يخنُقهْ
آه بنيّ اليوم كم من طعنة
في الصدر تأتي من أخ ما أحمقهْ
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/11/22