ترخيص أميركي جديد لإبن سلمان بإبادة معارضيه! والموالين أيضاً؟
د. وفيق إبراهيم
يجول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على عشرات الدول «شامخ» الرأس وكأنه لم يفعل شيئاً. فتبدو جولته إعادة اعتبار سياسية له بعد فضيحته بإصدار أوامر باغتيال جمال الخاشقجي أحد معارضيه.
لم يكتفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتبرئته فها هو مايك بومبيو يمسح عنه جريمة الاغتيال مُضفياً عليه صفات الطهارة والولاء الكامل لشعبه وصاحب المشاريع التحديثية مختتماً بإيراد السبب الحقيقي للتبرئة وهو انه رجل الأميركيين الأول في الخليج والضرورة السياسية والتاريخية لـ«إسرائيل».
وهذه هي النواحي الحقيقية التي ترغم الأميركيين على حماية ولي العهد، فالأمير يؤمّن الغايتين التي يريدهما البيت الأبيض: الاقتصاد و«إسرائيل»، فهل أحدثت واشنطن مرة واحدة في تاريخها الشرق أوسطي تبديلاً بسيطاً في هذين الهدفين؟ هذا ما أكد عليه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي أشاد بـ«مناقبية» إبن سلمان وولائه للخط الأميركي وبالتالي الإسرائيلي.
يكفي انه الوحيد الذي استطاع فتح أبواب دول الخليج إمام «إسرائيل» بعلنية لا تأبه لأيّ رفض فلسطيني أو عربي متعهّداً للأميركيين بتثبيت «إسرائيل» عضواً فاعلاً في العالمين الإسلامي والعربي، وذلك في إطار حلف يقف في وجه كلّ منافسي الولايات المتحدة الأميركية. وهذه إشارة شديدة الوضوح إلى إيران وحزب الله وصولاً إلى الأهداف البعيدة في الصين العملاق الكبير وروسيا الصاعدة وبذلك يضع ابن سلمان قوتي السعودية في الاقتصاد النفطي والتأثير الديني للحرمين الشريفين في خدمة الجيوبوليتيك الأميركي الذي يعتريه حالياً وهن كبير بسبب تطوّر دول كثيرة ورفضها الاستمرار داخل السجن الأميركي الكبير.
يكفي أنّ حليفة «الناتو» الكبيرة والتاريخية تركيا تعلن عبر رئيسها أردوغان أنّ الخطة الأميركية في المشرق كانت تريد تفتيت المنطقة بدءاً من سورية والعراق حتى اليمن وفلسطين لخدمة «إسرائيل» والاقتصاد الأميركي المذعور من الصعودين الروسي والصيني وبدء تمرّد أوروبي لا يزال في بداياته، لكنه يتجه إلى مزيد من التبلور.
صحيح أنّ أردوغان أكد هذه الخطة التي أمست معروفة بكامل تفاصيلها إلا أنه غمز من قناة السعودية عبر ولي عهدها محمد بن سلمان كرأس حربة المشروع الأميركي وهذه حقيقة كشفها تطوّر الأحداث من العراق إلى سورية فمصر وتونس إلى اليمن… ودور إبن سلمان في تمويل إرهابيين في هذه المناطق من «القاعدة» إلى داعش والنصرة» بأوامر أميركية تسليحاً وتمويلاً.
ويبدو أنّ «الرجب الطيب» تناسى أنّ بلاده تركيا هي التي نظمت وسمحت لإرهابيّي السعودية وأنقرة بعبور حدودها بطول ألف كيلومتر تقريباً مع سورية وبرعاية المخابرات التركية.
لكن الفارق بين إبن سلمان وأردوغان هو أنّ ولي العهد كان يطبّقُ الخطة الأميركية الإسرائيلية بحذافيرها وحرفيتها، فيما كان الرئيس التركي يطبّقها بتصرف نسبي محاولاً تسييرها حسب مصالح بلاده أولاً وواشنطن ثانياً. وهذا ما أدّى إلى تدهور العلاقات بين الحليفين الأميركي والتركي، منتجاً تراجعاً عدائياً بين أنقرة والرياض لأنّ الطرفين يتقاتلان على زعامة العالم الإسلامي في إطار رعاية ولي الأمر الأميركي.
كيف يحاول الأميركيون إعادة الاعتبار لمحمد بن سلمان بعد سقطته الأخيرة في اغتيال الخاشقجي؟
الخاشقجي ليس المواطن الأول الذي تغتاله مملكة ابن سعود، فهذه تأسّست وتطوّرت على وقع قتل بحجم المجازر، واستندت إلى فكر قرون أوسطي يقوم على أن الدولة بما فيها من ناس وأراض وثروات وحيوانات وبحار وأنهار إنما هي ملك صرف لأولياء الأمور آل سعود.
كما يجيز هذا الفكر لهم اصطياد السمك والطيور ويبيح لهم قتل المتمرد عليهم وفرض الانصياع الكامل على الموالين من دون أيّ تأفف أو تذمّر.
فالمال أموالهم يوزّعونها حسب مشيئتهم. ولا يحتوي هذا التوصيف على أي مبالغة أو مغالاة، عودوا إلى تاريخ الدول في القرون الوسطى لتلاحظوا التشابه في الأنماط الدولتية والسياسية المتشابهة بين مملكة آل سعود وتلك الممالك البائدة.
لذلك فإن اغتيال الخاشقجي هو عمل عادي جداً بالنسبة إليهم نفذوا مثله آلاف المرات.
وما اختلف يتعلّق بمكان الاغتيال وهو تركيا التي تريد انتزاع زعامة العالم الإسلامي من السعودية بالإضافة إلى أن محمد بن سلمان يجسّد بالنسبة لأوروبا وتركيا واليابان وروسيا والصين رأس حربة الرئيس ترامب وبما أن هذا الأخير يناصبها العداء، العداءات الاقتصادية والسياسية فإنها كمنت له عند مفترق اغتيال الخاشقجي وتعمّدت التعمق في كشف تفاصيل الاغتيال الدقيقة لإرباك ترامب أولاً وكسر الولاء السعودي الكامل له ثانياً، والدليل أن السعوديين معتادون على الاغتيال والقتل إنما من دون أي مساءلة دولية بسبب التغطية الأميركية لهم، فما الذي استجدّ حتى قام العالم بأسره عليهم هذه المرة؟
يتضح أن ابن سلمان هو رأس حربة مشروع ترامب بإعادة تشديد السيطرة الأميركية من الخليج إلى أقصى الأرض مع تصفية القضية الفلسطينية وإيران بالمقابل يريد هذا التحالف بناء حلف عربي إسلامي إسرائيلي له هدف حصري: استهداف أي طرف يتصدى للنفوذ الأميركي، وهذا تطلب فتح ابن سلمان طريق الخليج لـ«إسرائيل» التي اخترقت عمان والبحرين والإمارات في مشروع يشمل السعودية والسودان والمغرب والكويت.
هذا الكلام لا ينفي وجود خطة أميركية تريد استبدال إبن سلمان بإبن سلمان آخر، إنما بعد إعادة ترميم ولي العهد مما شابه من تشوهات في الموقع الخليجي والعربي والإسلامي والدولي. وهذا الأمر يتطلب وقتاً لتنفيذه.
هذه هي المعطيات التي تُرغمُ الأميركيين على تبرئة إبن سلمان وما جولته الحالية في البحرين والإمارات ومصر وتونس وصولاً إلى قمة العشرين في الأرجنتين إلا محاولات لإعادة الاعتبار لولي عهد أصابه تشوّه لدى السياسات العالمية بعد اغتيال الخاشقجي.
أما ما يوزعه ابن سلمان من صفقات وهبات في جولته فمسألة ضرورية لإعادة كسب ولاء هذه الدول بموجب الطريقة الوحيدة للإقناع التي لا تملك السعودية غيرها ويبدو أنّ الرئيس التركي أردوغان ينتظر في الأرجنتين لقاء ابن سلمان على وقع صفقات وهبات مرتقبة.
فهل تنجح إدارة ترامب بإعادة تأهيل ابن سلمان؟
الجواب عند الديمقراطيين الأميركيين وبعض المتمرّدين من شيوخ الحزب الجمهوري الذين يواصلون حملة لاقتلاع ولي العهد السعودي أولاً في خطة تهدف أيضاً أما إلى استئصال ترمب من ولايته الرئاسية الحالية أو إلى قطع الطريق على محاولته للتجديد لنفسه بعد سنتين في ولاية رئاسية جديدة. ومَن يعش يرَ!
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/30