صفقة القرن بحليفين «مأزومين»
روزانا رمّال
يشكل الطرح المعروف بصفقة القرن يوماً بعد آخر حاجة كبرى للتطرف الإسرائيلي القائم على التفرد وضع حد للقضية الفلسطينية التي تحول دون منح المستوطنين الإسرائيلي ين هدايا مجانية بالاستقرار واعتبار «إسرائيل» وطناً نهائياً لهم ولأبنائهم. فالمعلومات تشير إلى أن هجرة الإسرائيليين ازدادت منذ حرب تموز 2006 وقد ارتفعت إلى أعلى نسبها ثم تطوّر الموقف لتصبح أسباب الهجرة أقرب مع تصاعد العمليات الفلسطينية المقاومة ضد جيش الاحتلال فاستنزفت الانتفاضة وما يعادلها من معارك مستمرة في جبهة لا تدع الإسرائيلي يرتاح الذي صار مضطراً للبحث عن بديل أقله لتأمين مستقبل علمي مناسب.
تهويد القدس ومشكلة «إسرائيل» التي ولدت من عمر أزمة الفلسطينيين وتاريخ نكبتهم تفاقمت اليوم وصار الملف وجودياً ولم تعُد فكرة تهويد القدس ترفاً إسرائيلياً أو تحدياً بل الأمر يتعلق بأيديولوجية وبقاء وتجذّر صار مستحيلاً والمخاض طويل أمام المستوطنين ولا تبدو أي بادرة من بوادر استسلام الفلسطينيين وتوقفهم عن القتال.
أظهرت نتائج استطلاع للرأي العام الإسرائيلي عام 2017 أن ثلث اليهود الذين يعيشون في «إسرائيل» يرغبون في الهجرة وقد أجرى الاستطلاع معهد «ميدغام»، أن 27 من السكان اليهود في «إسرائيل» يرغبون في الهجرة من البلاد لو تمكنوا من ذلك. ووفقاً للاستطلاع الذي أوردت نتائجه «وكالة سما» الفلسطينية المستقلة للأنباء، فإن 36 من اليهود العلمانيين و7 من اليهود المتدينين في «إسرائيل» يرغبون في الهجرة منها. وتبين نتائج الاستطلاع أن الراغبين في الهجرة من «إسرائيل» هم في الأساس شبان يهود تتراوح أعمارهم ما بين 23 عاماً و29 عاماً. وهنا بيت القصيد وأقساه.
حظوظ حل الملف الإسرائيلي الفلسطيني بالكامل في أوجه اليوم بوجود رئيس أميركي يؤيد بالكامل وبكل حزم حق «إسرائيل» بالقدس عاصمة يهودية وقد نقل السفارة الأميركية إليها هو الرئيس دونالد ترامب والتقاطع أيضاً موجود لجهة اقتناع العرب بالتطبيع، خصوصاً خليجياً وانفتاح سعودي إماراتي غير مسبوق على زوار إسرائيليين إضافة إلى البحرين.
بالعودة إلى الدراسة المفصلة لـ «ميدغام» فقد دلت النتائج على أن الكثير من مواطني «إسرائيل» لا يشعرون بالانتماء للدولة والقضية الصعبة. وأن «معطيات الاستطلاع تدل على وجود مشكلة في الشعور بالهوية والارتباط والانتماء للشعب والبلاد والدولة لدى جمهور آخذ بالازدياد في دولة «إسرائيل»، وهذا واقع يخلق شرخاً وانقساماً في المجتمع الإسرائيلي كله».
كل العوامل اليوم السياسية المحيطة بالفلك الإسرائيلي تصب في مصلحة تهويد القدس وإعلان دولة يهودية إلا أن العناصر الأمنية والعسكرية من الجهة الفلسطينية ومعها السياسية لا تزال غير متوفرة وأهمها عدم توفر الجهة الفلسطينية القادرة على الأخذ على عاتقها التوقيع والوقوع في هذه السقطة التاريخية. وبهذا الإطار يتحدّث مسؤول عربي لـ «البناء» أنه لا يوجد حتى الساعة شريك فلسطيني وازن ولن يتوفر بوجود شعب فلسطيني واعٍ. ويضيف المصدر «حتى أن محمد دحلان الذي كان يعمل على أن يكون خليفة محمود عباس والتي راهنت عليه الرياض ظهر منذ أيام على قناة العربية السعودية ليؤكد أن ما لم يوقع عليه الرحل ياسر عرفات لن يوقع عليه أي فلسطيني».
ويختم المصدر «نستغرب الحديث الكثير عن صفقة ولدت ميتة فبنباهة الشعب الفلسطيني وأجيال ما تركت القتال لن تقوم لهذه الخطة قائمة. والتشديد هنا على الجهات المؤيدة للسلطة التي لا تقل تمسكاً عن تلك المقاتلة في لحظة مصيرية كهذه. والأكيد أن أي فلسطيني لن يوقع ويتحمل تبعات هذا الجرم ولو انتظرت «إسرائيل» طويلاً».
الأهم اليوم أن عرّابي الصفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والأمير محمد بن سلمان ومن ورائهما الرئيس دونالد ترامب يعتبران حليفين «مأزومين». الأول يصارع في قضايا فساد تصدر على أثرها صفحات الصحف الإسرائيلية الأولى ويعاني من تخبط بالأزمة السورية خصوصاً الحدود مع الجولان ومخاطر انتصار الرئيس السوري وتبعاته. وما أعلنه منذ سنوات عن فتح جبهة مقاومة في أي لحظة تؤكد تمترس حزب الله وإيران يضاف إليها الاستنزاف الآتي من قطاع غزة والدائم. والثاني أي الأمير محمد بن سلمان فهو الآخر يلملم ذيول أزمة مقتل الصحافي جمال الخاشقجي في تركيا بدون أن يفلح بذلك حتى صار منبوذاً من قادة دول كبرى أو بالحد الأدنى موضع شك استغل موقفه العدو والصديق من أجل النيل منه. يضاف إلى ذلك حرب في اليمن لا طائل منها لم تثبت نجاعة الموقف السعودي في خوضها ولم ترحم المملكة من انتقادات المجتمع الدولي واعتبارات لطالما ظنت المملكة أنها قادرة على إنقاذها أو تحميها كاعتبارات مالية لم تعد قادرة على تغطية الفضيحة الإنسانية في اليمن.
«إسرائيل» المتفائلة بإعلان أميركي أوائل العام عن اكتمال ما سمته مبادرة «صفقة القرن» تريد تخدير المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون فوق بركان وحمم تنفجر بوجههم عند كل مناسبة. وكان المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون أعلن أن خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط كما يسميها المسؤولون الإسرائيليون باتت مكتملة، مشيراً إلى أن واشنطن ستكشف عنها أوائل العام المقبل من دون تحديد الموعد بدقة.
وتابع أن هذا التاريخ سيكون الأفضل لإطلاق صفقة القرن، لأنها ستكون قبل أشهر عدة فقط من عقد الانتخابات المتوقعة في «إسرائيل»…
الأكيد أن صفقة القرن بحليفين وركنين مأزومين فقدت أقوى عناصرها مبكراً وولدت ميتة..
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/12/08