لماذا غادر روحاني لغة الحوار مع أمريكا؟
صالح القزويني
اللهجة والمفردات التي استخدمها الرئيس الإيراني حسن روحاني منذ أيار الماضي وحتى اليوم وخاصة تجاه الولايات المتحدة الأميركية لم يستخدمها منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية للمرة الأولى في 2013 بل وحتى بعد فوزه في انتخابات 2017
يبدو أن روحاني غادر بالكامل لغة الدعوة إلى الحوار لحل الأزمات التي طالما روج لها قبل وحين وبعد التوقيع على الاتفاق النووي في 2015، فقد كان كلما يتحدث عن أزمة معينة في المنطقة أو العالم كان يدعو إلى اتخاذ الاتفاق النووي نموذجا لحل الأزمات المستعصية.
وطالما أكد روحاني خلال كلماته خاصة تلك الموجهة للداخل الإيراني على أن التاريخ لم يسجل دولة دخلت الفصل السابع للأمم المتحدة وخرجت منه دون وقوع الحرب فيها، بينما إيران دخلت الفصل السابع وخرجت منه بالحوار والمفاوضات، وكان يصر على أنه لا توجد مشكلة في العالم لا يمكن حلها من دون الحوار.
أعتقد أن روحاني اليوم يعيد النظر في تعميم الموضوع وربما وصل إلى قناعة أن بعض الدول لا يجدي معها لغة الحوار لحل المشاكل وإنما ينبغي استخدام لغة القوة ضدها، ولكن بغض النظر عن أن كان روحاني قد أعاد النظر في دعواته لحل المشاكل عبر الحوار أو لم يعد إلا أن القدر المتيقن أن روحاني راهن بشكل كبير على الاتفاق النووي بل أنه بنى مشروعه الاقتصادي عليه، وأعتقد أنه لم يكن يتوقع أن يأتي يوم يتحول معه الاتفاق إلى مجرد وثيقة وقعت عليها بعض البلدان.
والحق يقال أن رهان روحاني على الاتفاق النووي لم يكن يرتكز إلى فراغ وإنما ارتكز على أسس علمية ومنطقية ولذلك أثمر عن نتائج ملموسة، فقد شهد الاقتصاد الإيراني نموا كبيرا كما أن نسب التضخم بدأت تتراجع في إيران وكان الطابع العام للاقتصاد هو الاستقرار والهدوء، ولكن تبدد كل شيء عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء قرار تجميد العقوبات على إيران وإعادة فرضها، وبالفعل فقد نفذ الحزمة الأولى منها في 8 أيار الماضي، كما أنه نفذ الحزمة الثانية منها في الخامس من تشرين الثاني الماضي.
لقد كان روحاني يروج قبل وبعد انتخابه في 2013 إلى أن الاتفاق النووي هو المنقذ للبلاد، وهو القادر على انتشال اقتصادها من كل المشاكل التي تعاني منها، وربما أحد أسباب الانهيار المدوي للاقتصاد الإيراني والذي تزامن مع انسحاب ترامب يعود إلى الرهان الكبير على الاتفاق النووي.
ومما لاشك فيه أن هذا الانهيار والرهان على الاتفاق النووي يؤثر بشكل مباشر على المستقبل السياسي لروحاني وعموم الأحزاب التي دعمته في دورتيه الرئاسيتين الأولى والثانية، لذلك نرى أن بعض قيادات الأحزاب التي تحالفت مع روحاني بدأوا يوجهون الانتقادات له، فبعضهم قال أن روحاني لم يف بوعوده، والبعض قال إنه لم يكن يراهن على روحاني منذ البداية، مما يشير إلى أن روحاني عندما غير لهجته ومفرداته فإنما يريد ضمان موطئ قدم له في التنافس السياسي الإيراني.
هذا من جانب ومن جانب آخر فإن رفع وتيرة الخطاب السياسي ضد الولايات المتحدة يخدم المصالح السياسية والاقتصادية لإيران، فمن الناحية السياسية فإن الشعب الإيراني لم يتعود أن يرى حكومته تلتزم الصمت تجاه الاستفزازات والضغوط التي تمارسها واشنطن ضد إيران، بل تعود الشعب الإيراني على أن ترد حكومته الصاع بصاعين.
أما من الناحية الاقتصادية فان تغيير اللهجة واستخدام مفردات تصعيدية يؤثر بشكل مباشر على الوضع في المنطقة وخاصة على سوق النفط فيها، وان استخدام لغة التهديد والتهديد بالمقابل يؤدي إلى رفع أسعار النفط، الأمر الذي يخدم إيران فلو افترضنا أنها تصدر مليوني برميل نفط يوميا بسعر 50 دولارا، فعندما ينخفض تصديرها إلى النصف نتيجة العقوبات ولكن يرتفع سعر برميل النفط إلى 100 دولار فكأنما صدرت مليوني برميل بسعر 50 دولار.
ولهذا نرى أن ترامب حرص طيلة الفترة السابقة على عدم الإدلاء بأي تصريح يؤدي إلى توتر الوضع في المنطقة، فعلى سبيل المثال لم يعلن أنه سيستخدم القوة ضد إيران لإرغامها على الامتثال للعقوبات، ولا أستبعد أن تكون القيادة الأميركية قد أصدرت تعليمات مشددة بالامتناع عن القيام بأي إجراء تجاه إيران يؤدي إلى توتر الوضع في المنطقة، لأنه يدرك جيدا أن أي اشتباك أو مواجهة ستنعكس مباشرة على أسعار النفط في الوقت الذي يصر فيه ترامب على ضرورة أبقاء أسعار النفط منخفضة.
العمل على رفع أسعار النفط بطريقة أو بأخرى يمكن أن يكون من الأوراق التي تستخدمها إيران إلى جانب أوراق أخرى من أجل الضغط على ترامب ليعود للاتفاق النووي ويلغي العقوبات التي فرضها عليها، غير أن إيران لايزال يحدوها أمل ضعيف بعودة الحياة للاتفاق النووي ولذلك فأنها لا تستخدم كل أوراقها لإعادة ترامب والآخرين له، ولكن بالتأكيد أنها ستستخدم كل الأوراق للحفاظ على مصالحها عندما تيأس من الاتفاق النووي.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/12/17