ما هي الرسائل السعودية والمصرية التي حملها البشير إلى دمشق؟
إبراهيم شير
الرئيس السوداني عمر البشير في سوريا.. هذه الجملة كانت مفاجئة للشارع العربي لكنها ليست مستغربة لدى البعض، بل هناك من يرى أنها جاءت متأخرة نوعا ما. فمن يتابع الأحداث منذ منتصف العام الجاري يرى أن غالبية الأمور عادت إلى حضن الدولة السورية من لاجئين ومسلحين ومحافظات، وشعوب عربية وغربية، ولم يبقى سوى الزعماء العرب.
زيارة البشير إلى سوريا والأحضان التي تبادلها مع الرئيس بشار الأسد، كانت بحد ذاتها رسالة للخارج. لكنها لم تكن سياسية بحتة فوجود رئيس مجلس الأمن القومي في سوريا اللواء علي مملوك، بين المستقبلين للبشير يوحي بان الزيارة لم تكن سياسية فقط بل أن أبعادها أمنية وليس بالضرورة سودانية – سوريا بل هي عربية – سوريا.
البشير قد يعتبر الزعيم العربي الوحيد الذي يجتمع عليه الفرقاء العرب فيما بينهم، حيث انه يحافظ على علاقات مميزة مع السعودية التي أرسل جيشه لمساندتها في حربها على اليمن، إضافة إلى أن علاقته الجيدة مع مصر، ولديه علاقات توصف بالممتازة مع قطر وتركيا خصوصا انه يدور في فلك الإخوان المسلمين ويصنف على انه منهم. لكن هذه الزيارة قد تكون رسالة مباشرة من السعودية لسوريا خصوصا وانه اجتمع مع حليف الرياض الأوثق في المنطقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبيل زيارته إلى دمشق، وهو ما يوحي بان هناك رسائل مهمة حملها معه من الرياض والقاهرة وقد يكون الجانب الأمني فيها هو الأبرز كما سبق وقلنا أن اللواء مملوك كان من الحاضرين وهو شخصية قليلة الظهور بحكم عمله الأمني.
الهدف من زيارة البشير والرسائل التي حملتها كثيرة لكن أهمها وجهت للولايات المتحدة من السعودية تحديدا، حيث تحمل بطياتها تهديدا مباشرا بان الرياض قد تغير بوصلتها باتجاه محور دمشق طهران موسكو، خصوصا بعد قرار مجلس الشيوخ الأميركي تحميل ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، مسؤولية قتل الصحفي جمال خاشقجي، والدعوات الخارجة لعزله، لذلك بن سلمان هو أكثر من يحتاج سوريا الآن تحديدا. وما يعزز التوقعات بان البشير قد يكون حمل رسالة من الرياض تحديدا، زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني جابري أنصاري، إلى دمشق في نفس وقت زيارة البشير، وهو ما يوحي بان هناك شيء ما يدور في الكواليس وستكون دمشق عرابته. والدليل على ذلك أنها جاءت بعد يومين تماما من دعوة البرلمان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية والعمل العربي المشترك.
العلاقات السودانية السورية حافظت على نفسها بين البلدين خصوصا أن الخرطوم عاملت السوريين لديها مثل أبناء البلد، إلا أن العلاقات مرت ببعض المطبات مثل تصريحات البشير نحو سوريا، لكن هذه الزيارة تحسب له وكأنها بادرة لتفادي ما صدر منه، وبنفس الوقت يحسب للرئيس الأسد الابتسامة التي ارتسمت على وجهه وكأنها دليل على غفرانه لكل ما بدر من ضيفه ورسالة للغير أيضا بأن أبواب دمشق لن تغلق بوجه احد.
أما البشير هو أكثر شخص بحاجة لهذه الزيارة على المستوى الشخصي، خصوصا بعد التصريحات التي خرجت من كيان الاحتلال الإسرائيلي على أن رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، يتحضر لزيارة الخرطوم، وهذا الأمر خلق حالة من القلق والنفور في الشارع السوداني المقاوم والرافض للاحتلال، والبشير يحتاج لإعادة ضبط شارعه خصوصا انه مقبل على انتخابات رئاسية قد ينافسه فيها مرشح مدعوم من زعيم حزب الأمة القومي صادق المهدي، ولذلك هذه الزيارة تخدمه وتؤكد موقفه ضد الاحتلال لأنها كانت لعاصمة المقاومة ورأس حربتها.
دمشق حافظت على نفسها كمحور لسياسات المنطقة وترمومتر للعلاقات الدولية، ويحسب لها أنها أبقت على أبوابها مفتوحة لكل العرب. أما ابتسامة الرئيس الأسد المعهودة ستشجع الكثير من الزعماء العرب لزيارة دمشق في الوقت القريب وعلى رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك البحرين حمد بن خليفة، وربما يكون ولي عهد السعودية محمد بن سلمان ينتظر رسالة أو همسة من دمشق ليزورها، والقادم سيكون بتقييم الأسد وتوقيت دمشق، ومن يزورها لسان حاله سيقول (أخ كريم ابن أخ كريم).
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/12/19