آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عادل الجبوري
عن الكاتب :
كاتب عراقي

لماذا جاء ترامب إلى العراق تحت جنح الظلام؟!


عادل الجبوري

   خلسة، ومن دون مقدمات، دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العراق، برفقة زوجته ميلانيا ترامب، ومستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون، وتوجه مباشرة إلى قاعدة عين الأسد الجوية غرب محافظة الأنبار،التي يتواجد فيها أكثر من ألفي جندي أميركي، ليبقى هناك مدة ساعتين فقط، حيث هنأ جنوده بأعياد الميلاد، وتحدث إليهم والتقط معهم الصور التذكارية!.

   ماذا يعني ذلك؟..

   لأول وهلة، يعني أن رئيس اكبر دولة بالعالم، الذي كان بإمكانه أن يدخل البيت من أبوابه وفي وضح النهار، بدلا من أن يقفز عبر الشباك، تحت جنح الظلم، وكأنه لص، تجاوز كل المعايير والضوابط الأخلاقية والعرفية والدبلوماسية، وجاء متسلحا بعقلية القوة والهيمنة والغرور، التي تتمثل بعقيلة “الكاوبوي” المتغطرسة والمتحجرة.

   وهو نفسه اقر بذلك، حينما صرح لوسائل الإعلام قائلا، “لو رأيتم ما الذي كان علينا المرور به في الطائرة المظلمة ونوافذها المغطاة بستائر بحيث لا يوجد أي ضوء في أي مكان، ظلام شديد السواد”!.

   ألم يكن بإمكان ترامب زيارة العراق وفق السياقات الأصولية المتعارف عليها، لتحط طائرته في المطار ويحظى بأستقبال رسمي، ويلتقي نظرائه العراقيين، ويتحدث إليهم ويتحاور معهم، ومن ثم التوجه للقاء جنوده في “عين الأسد”؟.

   وألم يكن بإمكان ترامب أن يتصرف كأي رئيس أو زعيم دولة، وأن يكون أكثر شجاعة، بحيث لايصل به الأمر إلى إطفاء أنوار الطائرة وإسدال ستائر نوافذها، والعودة سريعا من حيث أتى؟.

   سلوك ترامب، إذا كان يعكس في جانب منه غرورا وغطرسة واستخفافا بالسياقات الدبلوماسية، فأنه يعبر في جانب أخر منه عن شعور كبير بالخوف، وعدم الثقة بالنفس، وعدم الثقة بمجمل منظومة الدولة العظمى التي يتزعمها.
   ولعل هذا الشعور متأت من إدراك حجم الجرائم التي اقترفتها بلاده في العراق، وما خلفته تلك الجرائم من ماسي وويلات ومشاعر سلبية لدى معظم- أن لم يكن جميع-العراقيين.

   وكذلك فأن هذا الشعور الكبير بالخوف متأت من إدراك مدى الرفض الواسع من قبل العراقيين للوجود الأميركي في بلادهم.

   كيف لايدرك ترامب كل ذلك، وهو يعرف بالأرقام والتفاصيل، العدد المهول للضحايا العراقيين وغير العراقيين، التي تسببت حروب بلاده، والسياسات العدوانية في سقوطها، وكيف لايدرك ذلك، وهو يسمع ويشاهد ويلمس يوميا مايقوله وما يطالب به العراقيون، حيال الوجود العسكري الأميركي، والتدخلات السافرة لساسة البيت الأبيض في العراق.

   ولسان حال العراقيين، هو ما عبر عنه نائب في البرلمان العراقي، بقوله “إن زيارة ترامب إلى العراق مرفوضة ومستنكرة، فنحن ضد سياسة ترامب وضد أي تدخل بالشأن العراقي، وان أمريكا على رأس الدول المتدخلة بالشوؤن الداخلية، وهي لها تأثير سلبي على العراق من خلال تدخلاتها، خصوصا أن هذه الزيارة لها أهداف ومآرب، فسياسة ترامب باتت واضحة ومكشوفة للجميع”.

   ولانحتاج للعودة كثيرا إلى الوراء، بل أن ما قالته أوساط وشخصيات سياسية عراقية بخصوص قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، يكفي للتدليل على حقيقة وجوهر المواقف العراقية من السياسات والتوجهات الأميركية، ويكفي للتدليل على أن العراقيين أصبحوا يفهمون ويعرفون جيدا نوايا وأهداف واشنطن الحقيقية، التي لاتعكسها الأقوال بقدر ما تثبتها الأفعال.

   فإذا كان ترامب صادقا في ادعائه بأن قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، جاء بعد زوال خطر تنظيم داعش الإرهابي، فهنا يقفز التساؤل التالي: “إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لايسحب ترامب قواته من العراق بعد القضاء على داعش”، وهو بدلا من سحبها يأتي لزيارتها وتقديم التهاني لها بمناسبة أعياد الميلاد، وأكثر من ذلك يكشف عن نيته الإبقاء على قواته في العراق بالقول “ إن الجيش الأميركي قد يتخذ العراق قاعدة لشن عمليات داخل سوريا”، وأكثر من ذلك، أفصح عن وجود مخططات لإنشاء ثلاث قواعد عسكرية جديدة في العراق.
   ولسنا هنا بحاجة إلى البحث والتفتيش في دلائل وإثباتات ومؤشرات على ما تسعى واشنطن لفعله، حيث أن ما أفصح عنه ساسة وعسكريين أميركان كبار في مناسبات عديدة، بشأن البقاء في العراق، كان واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار.

   بيد أن ما ينبغي على ترامب ومن يدعم ويؤيد ويساند سياساته، ومن يتحمس لها، سواء في العراق أو في المحيط الإقليمي والفضاء الدولي، القيام به ، هو أن يتوقف قليلا عند خلفيات وأبعاد الانسحاب الأميركي المذل من العراق قبل سبعة أعوام، والرجوع إليه مجددا بعد أن وفر تنظيم داعش الغطاء لذلك، من خلال اجتياحه لمساحات من الجغرافيا العراقية في صيف عام 2014.

   ربما لايعلم البعض أن واشنطن انسحبت من العراق قبل سبعة أعوام  بعد أن بلغ عدد جنودها القتلى أربعة آلاف وخمسمائة، بينما تجاوز عدد الجرحى الثلاثة والثلاثين ألف!.

ولاشك أن أية محاولات ومساعي ومخططات جديدة للبقاء طويلا في العراق، وتوسيع نطاق ذلك البقاء، تعني مزيدا من القتلى، ومزيدا من الانكسارات والمشاكل والأزمات، التي لن يقو ترامب-العاجز بعد مرور عامين على دخوله البيت الأبيض، أن يشكل فريقا مستقرا ومنسجما للعمل معه- أن يوجهها ويتعامل معها بحكمة وهدوء.

   ولعل الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، أوجز الصورة بعبارات مقتضبة من خلال تغريدة له في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، إذ قال “ إن زيارة ترامب لقاعدة عسكرية أمريكية بدون مراعاة الأعراف الدبلوماسية يكشف حقيقة المشروع الأمريكي في العراق”، وخاطب ترامب، “أن ‏رد العراقيين على ذلك سيكون بقرار البرلمان بإخراج قواتك العسكرية رغما عن انفك، وإذا لم تخرج فلدينا الخبرة والقدرة لإخراجها بطريقة أخرى تعرفها قواتك التي أجبرت على الخروج ذليلة في 2011”.

   يبقى الموقف السياسي والشعبي العراقي العام حيال زيارة ترامب “الليلية” السريعة، وحيال بقاء القوات الأميركية وتوسيع نطاق ذلك الوجود، عدديا وزمانيا ومكانيا، يحتاج إلى قرارات شجاعة وجريئة وحازمة من قبل السلطات التشريعية والتنفيذية العليا، حتى تأخذ الأمور مساراتها الصحيحة والصائبة، وتنتهي إلى النتائج المرجوة والأهداف المطلوبة، ولكي لايعد بمقدور ترامب أو غيره التسلل خلسة إلى العراق.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/01/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد