لم لا تنسحب طهران من الاتفاق النووي؟
صالح القزويني
يكذب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينما يقول إن طهران المستفيد الوحيد من الاتفاق النووي، والحقيقة أن الاتفاق صفقة متكاملة قدم فيها الجميع تنازلات ليحصلوا على المكاسب، وحتى الولايات المتحدة ربحت عندما أبرمت حكومة الرئيس السابق باراك أوباما صفقة بيع طائرات بوينغ إلى إيران رغم أن العلاقات بين البلدين مقطوعة.
اليوم وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وعودة العقوبات ضد إيران، وعجز أوروبا والمجتمع الدولي عن التصدي للعقوبات الأميركية عبر العراقيل التي تواجهها استمرار العلاقة المالية والتجارية والاقتصادية مع إيران؛ فإن الخاسر الرئيس للاتفاق هي إيران دون غيرها.
الاتفاق النووي ينص على التزام إيران ببعض القيود الواردة فيه على برنامجها النووي وكذلك قدراتها العسكرية مقابل التزام المجتمع الدولي بعلاقات تجارية واقتصادية طبيعية مع إيران، ولكن الذي حدث هو أن إيران التزمت بالقيود التي فرضت عليها وقامت بتنفيذها حرفيا، والوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت التزام طهران بالاتفاق في ستة تقارير أصدرتها منذ التوقيع الاتفاق وحتى اليوم.
وبالفعل فان طهران خفضت نسبة تخصيب اليورانيوم من 20 بالمئة إلى 6 بالمئة، مما أدى إلى توقف الآلاف من أجهزة الطرد المركزي عن العمل، كما أن إيران التزمت بتغيير سياقات ومخرجات مفاعلي آراك وفوردو إلى سياقات ومخرجات أخرى، وأيضا فأن طهران التزمت بالامتناع عن تطوير صواريخها حتى لاتتمكن من إنتاج صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، والامتناع كذلك عن استيراد معدات عسكرية وصواريخ على مدى 10 أعوام من التوقيع على الاتفاق النووي، أضف إلى كل ذلك فأن صادرات النفط الإيرانية انخفضت إلى الثلث ولولا قرار الاستثناء الذي اتخذه ترامب لانخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى أدنى من الثلث.
وإلى جانب ما نص عليه الاتفاق فإن إيران أقدمت طواعية على بعض الخطوات خارج الاتفاق النووي لكي لا تحرج أطرافه وخاصة الأوروبية، ومن بين ما أقدمت عليه أنها قللت من النشاطات والتحركات التي تخدم توسيع نفوذها في المنطقة والعالم، كما أنها لم تجر أية تجربة صاروخية منذ التوقيع على الاتفاق وحتى انسحاب الولايات المتحدة منه.
عندما ينظر الإيرانيون للاتفاق النووي فلايجدون إلا أنهم قدموا الكثير ولم يحصلوا على شيء في المقابل، ولذلك فان الاتفاق تحول اليوم إلى وبال على الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي رسم صورة وردية عنه وطالما اعتبره المنقذ الوحيد للبلاد من مشاكلها الاقتصادية، بينما لم يبق من الاتفاق سوى التزام إيران به.
صحيح أن قرارات الحظر التي أصدرها مجلس الأمن الدولي ضد إيران ألغيت نتيجة الاتفاق، ولكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد إيران وإرغام كافة دول العالم على التقيد بها؛ جعل الإيرانيين لا يشعرون بوجود فارق بين الوضع الذي كان عليه قبل الاتفاق النووي وما بعد الانسحاب الولايات المتحدة منه، بل أن بعض الإيرانيين يشعرون بالذل نتيجة الاتفاق النووي، لأنه يسلب إرادتهم ويقيد حركتهم، بينما كانوا قبل الاتفاق يتحركون كيفما شاؤوا على الصعيدين السياسي والعسكري، ولذلك فإن ترامب يكذب عندما يقول أن إيران الرابح الوحيد من الاتفاق النووي.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو، إذا كانت إيران لا تستفيد من الاتفاق النووي بل أنه يحد من تحركاتها السياسية والعسكرية فلماذا لا تنسحب منه؟
ترامب يدرك جيدا أنه لن ينجح في تضييق الخناق على إيران ما لم يتبلور الإجماع الدولي ضدها، والسبب الرئيسي في عدم تبلور هذا الإجماع هو تمسك الاتحاد الأوروبي بالاتفاق النووي، لأن انسحاب الاتحاد سيمهد الطريق أمام نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي وبالتالي تبلور الإجماع الدولي ضد إيران.
هذا هو الشيء الوحيد الذي تستفيده إيران من بقائها في الاتفاق النووي، وهذه هي الملامح الرئيسية للسياسة الإيرانية تجاه الاتفاق النووي، ولكن ليست هناك أية ضمانات لبقاء إيران على هذه السياسة بعد مغادرة روحاني لمنصبه في 2021، بل على العكس تماما فإن الانسحاب من الاتفاق النووي ستكون من السمات الرئيسية لمرحلة ما بعد روحاني خاصة إذا فاز في الانتخابات شخص من التيار المبدئي الذي ينتهج في الغالب سياسات متشددة تجاه الخارج، هذا إذا لم ينسحب روحاني من الاتفاق قبل انتهاء دورته، إذ ليس من المستبعد أن يتخذ روحاني هذا القرار إذا تزايدت الضغوط على إيران، كما أنه ليس من المستبعد عودة ترامب للاتفاق النووي.
الأيام والشهور القادمة كفيلة بتساقط الاحتمالات الواحد تلو الآخر من القائمة الطويلة لها خاصة عندما تقترب الانتخابات الإيرانية والأميركية من موعدها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/01/06