السعودية الأكثر حماسا للمشروع الأمريكي المناهض لإيران
علي آل غراش
جولة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو الأسبوع الماضي إلى العديد من دول الشرق الأوسط تكتسب أهمية كبرى في ظل ما تشهده المنطقة من تأزم واحتقان وسخونة سياسية شديدة نتيجة سياسة الإدارة الأمريكية – رغم برودة الطقس خلال هذه الفترة – هناك حالة من الترقب المخيف من مستقبل مجهول على الساحة السورية بسبب القرار المفاجئ للإدارة الأمريكية بالانسحاب من سوريا واستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، بسبب ذلك، ونتيجة الغضب في المؤسسات الرسمية الأمريكية من القرار. ولهذا حاولت إدارة ترامب التغيير واللف والدوران حول قرار الانسحاب وأرسلت مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، للمنطقة لشرح القرار وتطمين الحلفاء. وفي تركيا الوضع على صفيح ساخن بسبب انسحاب أمريكا بدون تنسيق مع أنقرة والترتيب لدخول القوات التركية إلى المناطق الكردية السورية. وفي الساحة اللبنانية تصعيد وتوتر حيث قام ديفيد هيل، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية بزيارة لبيروت لتطبيق قانون العقوبات الذي وقعه ترامب ضد “حزب الله”، مما سيساهم في تعقيد الوضع هناك وعلى الاتفاق لتشكيل حكومة. وفي الساحة العراقية هناك عدم وضوح للرؤية حيث أن ترامب قام بزيارة لقاعدة عسكرية في العراق ليلة عيد رأس السنة بشكل مفاجئ بدون علم مسبق للحكومة العراقية، ثم زار العراق وزير الخارجية بومبيو بدون إعلان مسبق. وهناك توتر في الدول الخليجية والأهم هو التصعيد مع إيران بإعلان أمريكا عن تأسيس مشروع وتحالف واتحاد عربي جديد (ناتو عربي) باسم مواجهة إيران.
كل هذه الملفات لا يمكن لإدارة ترامب حسمها وتمويلها إلا بالاعتماد على دور المملكة السعودية لاستغلال الدين الإسلامي والعروبة في هذه الحرب الاقتصادية وربما العسكرية ضد طهران، كما حدث سابقا باستغلالهم خلال الحروب السابقة في أفغانستان ضد السوفييت، والحرب ضد إيران في عهد صدام، والحرب ضد صدام لتحرير الكويت، والحرب ضد القذافي والأسد وغيرها رغم أن السعودية خلال هذه المرحلة تعاني من أزمة سياسية هي الأشد طوال تاريخها بتورطها في العديد من القضايا أدت لفضح سياستها وأصبحت في دائرة المتهم في الحروب والأزمات والجرائم ضد الإنسانية… وتبحث عن مخرج.
انتهاكات حقوق الإنسان
الرياض متحمسة جدا للمشروع الأمريكي الجديد لمواجهة إيران، فهي تبحث عن أي عمل ومشروع لتحسين سمعتها ويخرجها من دائرة التورط بجرائم شن الحرب في اليمن والقتل وانتهاك حقوق الإنسان. لقد تدهورت صورة المملكة في العالم نتيجة ارتكابها جريمة قتل الصحافي المشهور جمال خاشقجي وتصاعد الانتهاكات لحقوق الإنسان باعتقال وسجن وتعذيب عدد منهم بسبب التعبير الرأي والنشاط الحقوقي والسياسي، والتي تحولت إلى مادة إعلامية مثيرة في العالم حول ما تتعرض له المعتقلات من انتهاكات واعتداءات، وآخرها قضية الفتاة الهاربة من السعودية رهف القنون، التي حصلت مؤخراً على لجوء في كندا، وسلّطت الضوء من جديد على أحوال النساء في السعودية وحالة حقوق الإنسان، في حين لا تزال قضية اغتيال خاشقجي بطريقة وحشية – على أيدي فرقة أمنية استخباراتية تعمل بإشراف مباشر من مكتب ولي العهد السعودي – تلقى تفاعلاً من قبل وسائل الإعلام العالمية وبالخصوص التركية والأمريكية كجريدة “واشنطن بوست”.
ملف الاعتداء والتحرش ضد المعتقلات في السجون السعودية ومنها قضية المعتقلة الناشطة لوجين الهذلول قد شهد اهتماما دوليا حيث نشرت أختها علياء الهذلول مقالا في جريدة “نيويورك تايمز” تسرد فيه تفاصيل الاعتداءات التي تعرضت لها أختها وهي مثيرة ومرعبة جدا (تعذيب وتحرش وحرق وتهديد بالقتل)! وقد تم نشر المقال يوم الأحد في اليوم نفسه الذي وصل فيه وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، للسعودية وهو يمثل رسالة للاهتمام بهذا الملف.
العلاقات الأمريكية السعودية
وصرح الوزير الأمريكي خلال زيارته للرياض أنه بحث قضايا ساخنة، أبرزها جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي كما أعلنت وسائل الإعلام.
كلام وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو لوسائل الإعلام هو مجرد علاقات عامة للتسويق والظهور بمظهر المهتم للمطالبة بمحاكمة القتلة والمجرمين، والاهتمام بملف المعتقلين والمعتقلات وإيقاف حرب اليمن لتهدئة الرأي العام العالمي الغاضب، والحقيقة أن إدارة ترامب ترفض إلى الآن توجيه مسؤولية قتل خاشقجي لولي العهد السعودي كما صرح مجلس الشيوخ من قبل، ومازالت الإدارة الأمريكية تدعم تحالف السعودية في الحرب على اليمن. ومن المستبعد أن يثير الوزير الأمريكي أي ملف يشكل إزعاجا للرياض كملف خاشقجي أو ملف حقوق الإنسان وبالخصوص المعتقلات.
من الممكن أن يقترح الوزير على الرياض اقتراحات لحل تلك الملفات بدون مشاكل وأزمات وبالخصوص حول قضية قتل خاشقجي بسرعة محاكمة من تعتبرهم الرياض وراء العملية، من غير تحميل المسؤولية لولي العهد، فالإدارة الأمريكية لا يهمها قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية ولا أحوال الشعب وسياسة التهميش والاستعباد، وغياب الديمقراطية، أنها في حاجة إلى السلطات السعودية لخدمة الأجندة الأمريكية كالمشروع الجديد لمواجهات إيران في هذه المرحلة وعدم الانشغال بأي ملفات وقضايا أخرى، فالمصالح هي التي تهم الإدارة الأمريكية (لا جريمة قتل خاشقجي ولا قضايا حقوق الإنسان) ومن مصلحتها استمرار العلاقة الاستراتيجية معها، فقد أكدت واشنطن أن العلاقات مع السعودية استراتيجية وأساسية لاستقرار المنطقة وأمنها، وأن أمن السعودية أولوية للولايات الأمريكية، ولا تنحصر العلاقة في قضية جريمة خاشقجي.
الأزمة مع قطر
لقد وصل وزير الخارجية الأمريكي يوم الأحد الماضي إلى العاصمة السعودية الرياض والمثير أن طائرته كانت قادمة من الدوحة عاصمة قطر التي تفرض عليها السعودية و3 دول أخرى هي الإمارات والبحرين ومصر حصاراً اقتصادياً بدأ في 5 يونيو/حزيران 2017، وهي إحدى القضايا التي وضعها الوزير بومبيو على أجندته حيث فشلت أمريكا لغاية الآن في حسم الخلاف بين السعودية وحلفائها من جهة وقطر من جهة أخرى. ولكن الظاهر أن وزير الخارجية لم يهتم كثيرا بالضغط على الدوحة حول ذلك فالإدارة الأمريكية لا يعنيها الخلاف شيئا مادامت مصالحها قائمة ومستمرة، وتحقيق المزيد من المصالح والفوائد ومنها الابتزاز المالي والسياسي في ظل اعتماد تلك الدول على الولايات المتحدة الأمريكية، التي حصلت منذ نشوب الخلاف على أموال هائلة من خلال صفقات مع الطرفين آخرها الإعلان عن صفقات مع قطر منها توسعة قاعدة العديد التي تعتبر أكبر قاعدة أمريكية خارج حدود الولايات الأمريكية. ولقد قدم المبعوث الأمريكي لحل الأزمة الخليجية “أنتوني زيني” استقالته نتيجة الفشل الذريع وعدم حصوله على الدعم من الإدارة الأمريكية إزاء الأزمة الخليجية.
وفي الدوحة أكد بومبيو، على متانة العلاقة مع قطر وأنها شريك صديق عظيم، كما شدد على أهمية وحدة دول الخليج. وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، خلال مؤتمر صحافي مع بومبيو، في الدوحة، إن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة تسير في اتجاه شراكة قوية وقائمة على أواصر عمل قوية للغاية.
السعودية تبحث عن حل للأزمة مع قطر بطريقة تحفظ ماء وجهها، وقد قامت السعودية بإرسال عبد اللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى الدوحة برفقة وزير خارجية عمان يوسف بن علوي، لإيجاد صيغة حل للأزمة قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الدوحة، حتما ذهاب الأمين العام لمجلس التعاون الذي قام بالإساءة لدولة قطر لا تتم إلا بموافقة وطلب من الرياض المسيطرة على المجلس وتحتضن الأمانة العامة للمجلس في الرياض، وبتأييد من أبوظبي والمنامة والقاهرة؛ ولكن قطر ترفض أي شروط مسبقة وتطالب بحوار جدي كما قال وزير خارجية قطر.
زيارة التحشيد للحروب
زيارة بومبيو للسعودية والمنطقة هدفها التحشيد والتجييش لتأسيس تحالف من دول المنطقة بالاعتماد على السعودية ضد إيران، وسيعقد المؤتمر في وارسو عاصمة بولندا في مارس/آذار المقبل، تحالف يخدم مصلحة أمريكا وإسرائيل بالمرتبة الأولى، ويضر حتما بمصالح ومستقبل دول المنطقة العربية وبالخصوص الخليجية التي ستدفع لتمويل التحالف، وإذا اندلعت الحرب ستشكل خسائر فادحة.
السعودية هي أكثر الدول تفاعلا وحماسة للمؤتمر المذكور والمشروع الأمريكي المتهور التصعيدي لمواجهة إيران لأنها تبحث عن متنفس للخروج من دائرة التورط في الحروب والأزمات والجرائم وبالخصوص جريمة قتل خاشقجي، حرب اليمن والانتهاكات والاعتداءات والتحرش بالمعتقلات، وإشغال الرأي العام العالمي بقضايا جديدة رغم خطورة المشروع الأمريكي الذي سيجعل سلطات الرياض تتورط أكثر وأكثر بعد الوقوع في الفخ.
تجارب من الخسائر الفادحة
سلطات الرياض لا تستفيد من التجارب والأخطاء السابقة من خلال دعمها للسياسة الأمريكية المتهورة لتحقق واشنطن مصالحها بالمال السعودي والدم العربي والإسلامي وباستغلال الدين كتأسيس ودعم ما يعرف بالمجاهدين في أفغانستان حسب المنهج الأمريكي لمواجهة الاتحاد السوفييتي، المنهج الذي أدى إلى صناعة القاعدة وطالبان وتنظيم “الدولة” وبوكوحرام وغيرها من حركات تكفيرية عسكرية بعد ذلك انقلبت أمريكا على تلك الحركات فدفعت السعودية أموالا طائلة للتخلص من أفرادها، ودعمت السعودية نظام صدام حسين في حربه ضد إيران ودفعت له المليارات ثم صرفت مئات المليارات لأمريكا للتخلص منه بعد غزوه الكويت.
ودعمت الرياض الحركات الإسلامية التكفيرية الدموية لمواجهة ثورة الشعوب العربية خلال ما يعرف باسم الربيع العربي وللتخلص من أنظمة طالما عملت أمريكا للقضاء عليها مثل حكومة القذافي في ليبيا وحكومة الأسد في سوريا فدخلت ليبيا وسوريا في دوامة العنف المسلح والتدمير والقتل والتهجير لغاية اليوم ثم انقلبت أمريكا على تلك الحركات فدفعت السعودية المليارات للقضاء عليها.
ماذا بعد خسائر سياسية سعودية في كل الساحات وخسارة الرأي العام العالمي حيث أن سمعة السلطات السعودية أصبحت سيئة ملطخة بالدم والمجازر، وستصبح في وضع اقتصادي صعب جدا في المستقبل بسبب التخبط ودعم سياسة واشنطن.
الوضع في السعودية والمنطقة خطير جدا بسبب سياسة الأنظمة الحاكمة التي تسير خلف توجهات سياسة إدارة ترامب المتهورة. المنطقة العربية ليست في حاجة للمزيد من التصعيد والحروب، والشعوب تريد الاستقرار والسلام والرخاء والأعمار في دول تحترم الدستور الشعبي وتطبق العدالة والحرية والتعددية والكرامة بلا استبداد ولا فساد ولا تهميش للشعب المغلوب.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2019/01/21