اتفاق الحديدة على المحك... ماذا عن تداعيات العودة إلى الميدان!؟
هشام الهبيشان
تزامناً، مع تأكيد تعثر تنفيذ اتفاق الحديدة، عادت التحليلات لتؤكد قرب عودة الزخم العسكري ليطغى على الحلول السياسية الخاصة بملف الحديدة، وهنا، وليس بعيداً عن أيّ تطورات عسكرية متوقعة وبقوة من قبل محور العدوان على اليمن، فهذا العدوان سيعرّي بشكل كامل تناقض الفعل والحديث الأممي، فالحديث الأممي المعلن يقول «إنه يجب إنهاء الصراع العسكري في اليمن من خلال إيجاد حلّ سياسي برعاية أممية»، ولكن هذا الحديث الأممي سمعه اليمنيون والعالم بمجموعه كثيراً، وفي الوقت الذي يسمع فيه اليمنيون هذه التصريحات تستمرّ أميركا ومن معها بتوفير الغطاء السياسي والعسكري لاستمرار الحرب العدوانية على اليمن، ومن خلال هذا التناقض الواضح بين الفعل والحديث الأممي – الأميركي سيتأكد أيّ متابع للملف اليمني أنّ أيّ حديث عن مؤتمرات وحلول سياسية يتحدّث عنها المجتمع الدولي، خاصة في الملف اليمني هو حديث ترفي بالمرحلة الحالية.
وتؤكد وسائل إعلام أميركية، وجود غرفة عمليات عسكرية أميركية سعودية إماراتية، مقرّها الرياض، تستعدّ من جديد لتدير بشكل مباشر العدوان على الحديدة غرب اليمن، وتزامناً مع هذا التطور، تؤكد المعلومات الواردة عن تطورات العدوان على الحديدة مشاركة مجموعة «غير معروفة العدد» من القوات الخاصة الأميركية في المعركة، وليس بعيداً عن كلّ هذه التطورات تؤكد قوى العدوان نيتها هذه المرة السيطرة على كامل محافظة الحديدة ومينائها يصل عبر ميناء الحديدة أكثر من 70 في المئة من واردات الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى اليمن ويقع قرب مضيق باب المندب، الذي يمرّ عبره نحو أربعة ملايين برميل من النفط يوميا ، قوى العدوان على اليمن قامت بالزجّ من جديد بقوات كبيرة مجهّزة ومسلحة بشكل كامل، في محاولة للسيطرة على المحافظة.
هذه التطورات بمجموعها، تؤكد أنّ مسار هذه الحرب العدوانية الأميركية السعودية الإماراتية على اليمن، لم يحن وقت نهايتها، فالأميركي ما زال يبحث للسعودي عن ورقة قوة، يذهب بها لطاولة المفاوضات اليمنية، وبرأي الأميركي كما السعودي يجب ان تكون الورقة هي الحديدة ومينائها على الأقلّ، أما في الداخل اليمني تنظر القوى اليمنية المناهضة والمتصدّية للعدوان على اليمن بمجموعه والحديدة خاصة، أنّ هذه المعارك بمجموعها «وبالتزامن مع فشل اتفاق الحديدة» تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة، قد تسقط قوى العدوان بمسار دموي قد يمتدّ لسنوات عدة، واليوم، من الواضح أنّ مسار وتداعيات أيّ معركة سعودية باتجاه ميناء الحديدة، ستكون لها تأثيرات سلبية جداً على قوى العدوان، فهذه القوى ما زالت مصرّة على الغرق بشكل أعمق في المستنقع اليمني، فالنظام السعودي تحديداً والمنغمس اليوم في مجموعة أزمات افتعلها في الإقليم، بدءاً من الحرب على الدولة السورية وليس نهاية بالحرب العدوانية على اليمن، بدوره، يعلم حقيقة هزيمته في ميادين عدة في الآونة الأخيرة، لكنه في الوقت نفسه، لا يريد أن يتلقى هزيمة جديدة. وقد تكرّرت هزائمه أخيراً في ميادين عدة، ليس أولها ولا آخرها الميدان السوري.
من كلّ هذا، نستنتج أنّ السعوديين ومعهم قوى العدوان، سيستمرّون في معركتهم العدوانية على اليمن وعلى الحديدة خاصة، مرتكزين على الدعم الأميركي والغطاء السياسي من بعض الأنظمة العربية اللا محدود لهم، بهذه الحرب العدوانية التدميرية على اليمن، ومع ذلك فالأميركان، كما السعوديون، يعلمون جيداً حجم خسائر وأزمات النظام السعودي، في مختلف جبهات الصراع التي يشترك فيها السعوديون في المنطقة، وخصوصاً بعد فضيحة تصفية خاشقجي، والسعوديون بدورهم، يعلمون جيداً، معنى أنّ يفتحوا جبهة جديدة وصراعاً جديداً في ميناء الحديدة، ويعلمون ما مدى الخطورة المستقبلية وحجم التداعيات المستقبلية التي ستفرزها هذه الحرب على اليمن كلّ اليمن، وبالأحرى، هم يعلمون حجم الإفرازات المباشرة للانغماس السعودي في هذه المعركة، ومع كلّ هذا وذاك، يبدو أنّ السعوديين قرّروا أن يخوضوا هذه المعركة الجديدة، علهم يستطيعون أن يحققوا انتصاراً حتى وإنْ كان إعلامياً، لعلّ هذا الانتصار يعطيهم جرعة أمل، بعد سلسلة الهزائم المدوّية التي تلقوها في أكثر من ساحة صراع إقليمي.
اليوم، لا يمكن، بأيّ حال من الأحوال، إنكار حقيقة أنّ تصعيد قوى العدوان حربها على اليمن، ستكون له، بشكل عام، تداعيات خطيرة على مستقبل استقرار المنطقة الهش والمضطرب، بشكل عام، ويأتي كلّ ذلك التصعيد، في الوقت الذي تزداد فيه المطالبات الإقليمية والدولية لوضع حلول عاجلة وإيجاد مسار تسويات للأزمة اليمنية ومعظم ملفات الإقليم العالقة.
ختاماً، من الواضح أنّ قوى العدوان تحاول من خلال تصعيد مسار حربها على اليمن، أن تحقق تغييراً كاملاً ومطلقاً في شروط التفاوض المقبلة بين جميع قوى الإقليم، من خلال السعي إلى السيطرة واحتلال المزيد من المدن والمحافظات اليمنية. والواضح أنّ المرحلة المقبلة ستحمل بين طياتها الكثير من التكهّنات والتساؤلات، بل واحتمال المفاجآت الكبرى، حول طبيعة ومسار عدوان السعودية على اليمن، فالمعركة لها أبعاد عدة مستقبلية ومرحلية ولا يمكن لأحد أن يتنبّأ مرحلياً بنتائجها المستقبلية، فمسار ونتائج المعركة تخضع لتطورات الميدان المتوقعة مستقبلاً. واحتمالات تطور هذا الصراع في اليمن، إلى حرب إقليمية كبرى.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/01/25