لن تقف سوريا على بوابة الجامعة!
حسن علي كرم
للمرة الثانية وربما الثالثة أو الرابعة التي نسمع من أمين عام ما يسمى جامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط أن استعادة سوريا لعضويتها والتي تم تعليقها قبل سبع سنوات تحتاج إلى توافق عربي، وحتى الآن لا يوجد اتفاق بين أعضاء الجامعة، لتتسلم سوريا مقعدها، جاء تصريح أبوالغيط في أثناء اللقاء الصحفي المشترك يوم الاثنين الماضي مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل بمناسبة اللقاء المشترك الذي جمع وزراء الخارجية الأوروبيين مع نظرائهم وزراء الخارجية العرب …
من يسمع كلام السيد أبوالغيط يتصور كما لو كانت سوريا الابن غير الشرعي أو الابن المشاكس والشقي لأسرة كبيرة وطيبة تحافظ على وضعها الاجتماعي وسمعتها بين الناس، أو أن سوريا بمثابة ضيف غريب يحتاج لغرفة في فندق ولذلك يتعين على إدارة الفندق أن يدقق على مصداقية هوية هذا الضيف الغريب الداخل من بوابة الفندق ليحجز غرفة …!!!
قطعاً كل ذلك لا ينطبق ولا يليق ببلد بحجم سوريا ولا بشرعية سوريا ولا بالشعب السوري، فسوريا إحدى الدول العربية المؤسسة للجامعة، وسوريا احدي الركائز والعضو الأهم في المجموعة العربية، سوريا كانت في كل عهودها السالفة ولازالت البوابة المفتوحة لكل العرب، وسوريا التي دفعت ثمن الخيانات والمؤامرات العربية، وسوريا التي تحتضن نصف مليون لاجئ فلسطيني على أراضيها ويعاملون معاملة السوريين، وسوريا التي لم تكن تحتاج لتنافق أو تنهال عليها مليارات الدولارات حتى تعارض الغزو العراقي الآثم للكويت صيف 1990 ولم تكن مجبورة لترسل قواتها في حرب تحرير الكويت، لكنها فعلت ذلك عن كونها علمت بفداحة احتلال بلد عربي لبلد عربي شقيق، وسوريا التي حرصت على التماسك العربي، لا تحتاج لكي تعود إلى مقعدها في الجامعة الموبوءة التي دُنست بأقدام الحقد والفتنة والمؤامرات والنفاق والاصطفافات في البيت الواحد، هذه الجامعة لا تشرف كي تدخلها أو تستعيد سوريا مقعدها، والتي يتوهم أمينها العام الذي يتصور نفسه الحاكم بأمره يمكن بفرمان قراقوشي طرد عضو أو إدخال عضو، وماذا يضير سوريا إذا بقيت بلا عضوية في الجامعة أو رفضت العودة إليها، هل الجامعة في عهدها البائس والمشؤوم فاعلة أو يجمع بين أعضائها الاثنين والعشرين فهم وتفاهم مشترك، والمخاطبة فيما بينهم بلغة عربية رصينة، أم بعضهم بحاجة إلى مترجمين لكي يفهموا الأخر …؟!!
وللتوضيح، نحن لا ندافع عن سوريا ولا عن النظام السوري ولا عن بشار الأسد، فالسوريون أدرى بأنفسهم ومشاكلهم واقدر على الدفاع عن بلدهم وقضاياهم، ونحن على يقين أن هناك أخطاء قد ارتكبت وأن هناك دماء أُريقت وأرواح أُزهيقت وأن الملايين من الفارين والنازحين والمشردين الذين تَرَكُوا سوريا وكان يمكن إلا يفروا لوسادت بين النظام والشعب لغة متصالحة، وسلاح يبني، لا سلاح يهدم أو يفضي إلى الموت …
دخول أو عدم دخول سوريا الجامعة واستعادة مقعدها لا يشكل مكسبا لا لسوريا ولا للسوريين، بل لعلي أزعم أن البقاء في منأى من المشاكل التي يثيرها حفنة من المشاغبين في داخل قاعاتها هو المكسب الحقيقي …
أن الجامعة العربية مبنى بارد كئيب، وهيكل عظمي بلا روح، بلا فعالية، ولا هناك اندفاع أو دوافع أو رغبة لدى غالبية أعضائها، هذا إذا لم يكن لدى كلهم رغبة لتفكيكها وإعلان موتها وتشييعها إلى مثواها الأخير …
أن العرب اليوم ليسوا أمة واحدة ولا ذات رسالة خالدة، أن العرب دول وكيانات مستقلة، وكل دولة تتقوى بذاتها لكي تتقوى على الأخر، ليسوا للعرب أعداءً، إنما العرب أعداءً أنفسهم، ولا هناك في عصر التحرر وخروج الاستعماريين من يطمع بالثروات والأراضي والممتلكات والممالك العربية، بل لعل المطامع ومن داخل النفوس العربية، أن العرب لازالوا يعيشون البداوة والغزوات، وعندما ينزعون عن نفوسهم نزعة الخشونة والحسد والتأمر على الأخر، عندها لا يحتاجون لا لجامعتهم ولا للقرارات الحلمنتيشية التي سيصدرها الباشا أبوالغيط، بيعوا مقعدها على تجار الخردة، فلن تقف سوريا على بوابة الجامعة، ولا لسوريا حاجة حتى لدخولها …
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/02/08