40 عاما على الثورة الإيرانية.. الاستقلال ثمرة تستحق العناء
صالح القزويني
هل ثمة فرق بين أن يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب سنركع الإيرانيين بالعقوبات فينتفض الإيرانيون كبيرهم وصغيرهم عليه ويقولون له خسأت، وبين أن يقول سنحلب البقرة الخليجية وعندما يجف لبنها سنذبحها، والجميع يطأطئ رأسه ولا يرد عليه؟
هذا نموذج صغير جدا على استقلال النظام السياسي، الذي ربما يستهين به البعض ولكنه هو السبب الرئيس في المشاكل والتخلف الذي تشهده دولنا.
كل حكوماتنا تقول إن قرارها مستقل وينبع من مصالح البلاد سواء كانت هذه المصالح سياسية أو اقتصادية أو قومية أو دينية أو غير ذلك، مما يشير إلى أن هذه الحكومات تعي أهمية استقلال قرارها وأن هناك علاقة وثيقة بين سيادة البلاد على أراضيها ومصالحها وبين استقلال قرارها، ولكن هل هذه هي الحقيقة؟
لو كانت الحقيقة كذلك لما كانت دولنا ومجتمعاتنا منغمسة حتى اذنيها في المشاكل السياسية، ولما كانت إسرائيل تحتل فلسطين منذ 70 عاما والجميع يعجز عن استرجاعها، ولما كانت الولايات المتحدة تقرر بين ليلة وضحاها احتلال العراق، أو مهاجمة ليبيا وتغيير نظامها أو الهجوم على افغانستان وتدميره.
اليوم قرار حكوماتنا أما أن يكون مرتهن بالكامل للآخرين أو في أحسن الأحوال منكفئ على نفسه ولا يضطلع بأية مسؤولية تجاه جيرانه أو أبناء جلدته أو قومه أو طائفته، ولذلك تستغرب النخبة في الدول العربية والإسلامية عندما تسمع بمن يقول أن النظام الإيراني نظام مستقل وأن قراراته مستقلة، وتسخر من هذه المقولة، ولا غرابة في ذلك لأنها لا ترى نموذجا حقيقيا للاستقلال في الدول العربية والإسلامية.
كلمة الاستقلال سهلة على اللسان ولكنها أثقل من الجبال على جميع دول العالم الثالث بل أنها ثقيلة على الكثير من الدول المتقدمة أيضا، لأن ثمنها باهض جدا وليست كل دولة مستعدة لدفعه.
هل سألنا أنفسنا كيف استطاع ترامب اتخاذ قرارات جريئة حتى ضد أقوى الدول في العالم كالصين التي أرغمها على الانصياع لقراراته التجارية أو الدول الأوروبية التي ضرب اتفاق المناخ والهجرة وأتفاقات أخرى أبرمتها بلاده معها عرض الحائط ، دون أن يكترث لردود فعلها؟ أليس السبب في ذلك هو أنها رهنت أمورها بيد واشنطن والادارات الأميركية.
هل هذا يعني أن الاستقلال يستحيل تحقيقه في بلدان العالم؟
لو تجاوزنا عملية التنظير والكلام الانشائي والشعارات وخضنا في الواقع والحقيقة لرأينا أن إيران النموذج البارز في هذا الاطار، وبقاء الثورة بعد 40 عاما على تأسيسها للجمهورية الإسلامية خير دليل على أن هذا النموذج ناجح ويمكن تطبيقه في أي بلد آخر.
فإيران لم تحقق الاستقلال على صعيد النظرية والشعار وحسب وإنما فعلت ذلك على صعيد الواقع أيضا، فإنها تعتمد على نفسها في العديد من المجالات رغم الحظر والعقوبات المفروضة عليها، مما يشير إلى أن الاستقلال ليس لقلقة لسان وإطلاق الشعارات وحسب، وانما هناك عناصر ينبغي توفيرها لتحقيق الاستقلال فيا ترى ما هذه العناصر؟
هناك عنصران أساسيان للاستقلال، تتفرع منهما الكثير من العناصر والوسائل والأسباب:
أولا: الاعتماد على الذات في كل صغيرة وكبيرة، فهناك من الدول من ترفع شعار الاستقلال ولكنها تلجأ لسائر الدول عندما تواجه أدنى مشكلة، ومن الطبيعي ان هذه الدول تضطر يوما الى تقديم تنازلات على حساب استقلالها لحل المشاكل التي تعاني منها، وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما قال: “احتج لمن شئت تكن أسيره”.
طبعا هذا لا يعني مقاطعة العالم وفرض العزلة على النفس، بل أحيانا التعاون وتبادل التجارب مع سائر الدول يسهم في تعزيز الاستقلال، مما يستدعي البحث عن الدول التي لا تسعى إلى الابتزاز والنيل من الاستقلال.
ثانيا: المصالحة مع الشعب، إذ لا يخفى على أحد أن الحكومة التي تسعى إلى الاستقلال تواجه الكثير من التحديات والضغوط والتهديدات، ومن أبرز الوسائل التي تلجأ لها القوى العالمية لارغام هذه الحكومات على التبعية هو تحريض الشعوب عليها، ومن المؤكد أنها ستضطر إلى تقديم التنازلات على حساب استقلالها عندما يتحرك الشعب ضدها ويحتج على نهجها، من هنا فإن الاستقلال والديكتاتورية لا يلتقيان مما يستدعي من الحكومات تعزيز علاقتها مع شعوبها.
إذا كان المتضرر الرئيسي من الضغوط والعقوبات الدولية ضد الحكومات التي تسعى إلى الاستقلال هي الشعوب فان هذه الشعوب سترفض مقاومة الضغوط (باعتبار أن المقاومة العامل الأساسي لنيل الاستقلال) ما لم تقتنع بها، لذلك فان الحكومات تحاول عبثا نيل استقلالها السياسي مادامت على قطيعة مع شعبها وتمارس شتى الانتهاكات ضده.
وبكلمة فإن إيران دفعت ولا تزال ثمنا باهضا لاستقلالها ولكن هذا الثمن يهون أمام عظمة الاستقلال، وليس هناك شيء يهون الثمن وضريبة الاستقلال كالاعتماد على الذات ودعم الشعب.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/02/10