الأردن: فاجعات السيول… ثلاثة كوارث في أربعة اشهر … “40 مليار دولار المديونية” والبنية التحتية متهالكة وسط عجز حكوماتنا عن تطويرها…
أحمد عبد الباسط الرجوب
كلنا يتذكر فاجعة البحر الميت التي وقعت في 25 تشرين الأول / أكتوبر من العام 2018 في منطقة وادي زرقاء ماعين عند شواطئ البحر الميت وقد أدى الحادث لوقوع 21 ضحية و43 إصابة معظمهم من طلاب إحدى المدارس كانوا في رحلة مدرسية للمنطقة، وقد كان الحادث سببه السيول الكبيرة التي اجتاحت الوادي ومنطقة شاطئ البحر الميت التي تعد أخفض نقطة على وجه الكرة الأرضية إثر تعرض الأردن لمنخفض جوي أدى لأمطار غزيرة وفيضانات في الأودية … وبعد أقل من أسبوعين من حادثة البحر الميت حلت كارثة ثانية بالأردن وتحديدا بتاريخ 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2018 حيث فصلت سيول الأمطار الغزيرة الجنوب عن العاصمة عمان وشمال المملكة، وأودت بحياة تسعة أشخاص وقد أدت السيول الجارفة إلى قطع طريق الخط الصحراوي الرابط بين محافظات الكرك ومعان الطفيلة والعقبة عن العاصمة عمان، وحاصرت أعدادا كبيرة من السيارات على الطريق الصحراوي في منطقة ضبعة البعيدة على نحو 90 كيلومترا جنوب العاصمة عمان.
وبالأمس القريب وتحديدا يوم الخميس 28 شباط / فبراير 2019 فقد حصلت الكارثة الثالثة نتيجة تأثر الأردن منذ مساء الأربعاء، بمنخفض جوي أدى إلى تساقط غزير للأمطار في معظم محافظات المملكة مما تسبب المنخفض في شل مظاهر الحياة اليومية، والذي وصفته دوائر الرصد الجوي الرسمية بأنه (المنخفض) هو الأشد في شتاء هذا العام، وتم تصنيفه بالدرجة ” الرابعة ” … الغرابة في هذا الأمر بأن تعلن أمانة عمان والبلديات الأخرى في إنحاء البلاد عن جاهزيتها لإستقبال المنخفض الجوي ثم نرى الكوارث تنزل في شوارع العاصمة تغرق السيارات والمباني والمحلات خسائر بالملايين من سيعوضهم؟ …
لكن اللافت للانتباه بأن الحكومة العتيدة برئيسها والوزراء والمسؤولين المعنيين يتابعون أوضاع السيول وتطورات المنخفض الجوي عن بعد ومن خلال المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، لتنسيق جهود الإنقاذ في مختلف أنحاء المملكة وواقع الحال والعجز الحكومي قد أفاض بما حصل على مرأى العين ولا يحتاج إلى شرح أو تبرير وهنا يبرز سوء الإدارة في مؤسسات الدولة وعدم جاهزيتها برغم تحذيرات الأرصاد الجوية للتعامل مع تبعات هذا المنخفض الجوي الحاد … وللطرافة تأتي سيول الكارثة الثالثة ولا زالت تحقيقات لجان الحادثتين الأولى والثانية لم يتم الانتهاء من الاخذ بما جاء بتوصيات هذه اللجان … يا لها من حكومة عجيبة !!
ونحن أمام هذه المأسي والفاجعات المتكررة نسأل ونريد الإجابة بوضوح ودون مواربة … أين استعدادات أجهزة الدولة المؤسسية وبخاصة البلديات وعلى الأخص أمانة عمان الكبرى لمواجهة مثل هذه الأخطار؟..أين المسؤلية السياسية والأخلاقية للوزراء والمسؤولين ومن في حكمهم تجاه مدونة السلوك الوظيفي والمسؤولية المجتمعية؟ .. أين ذهبت (40 مليار دولار ) أموال المديونية ؟ ..واين يذهب نصف مليار دينار اردني موازنة امانة عمان الكبرى؟ … ولكن!
وضعت مدونات السلوك الوظيفي عدداً من القواعد التى يجب على الموظف العام (الوزراء ومن في حكمهم) أتباعها عند اتخاذ القرارات، وهى المصلحة العامة وتجنب التعارض بين المصلحة العامة والخاصة، وأن يلتزم بكافة ما تؤول إليه أعمال وزاراتهم وخاصة تلك المتعلقة بالأداء وبخاصة في الحوادث المؤسفة والتي تكبد الدولة خسائر في الأرواح والممتلكات والتي يتطلب عندها من الوزير المعني التحلي بالمهنية والشجاعة الأدبية في تحمل مسؤولية أي خلل باعتباره والي الرعاية العامة على وزارته أو مؤسسته وأن يغادر المكان بهدوء احتراما للشعب وللحكومة…
صحيح أن تقديم استقالة وزيري التربية والتعليم والسياحة نتيجة لكارثة البحر الميت على اعتبار أن ذلك هو جراء ضعف وزاراتهم بالحيطة والحذر لما حصل ، فهل نرى في قادم الأيام تحلي بعض المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية عما جرى من ضعف وتدني في مستوى الجاهزية في مثل هذه الظروف … هل سيحدث أن يقرر وزير أن يستقيل ويتحمل مسؤولية ما حدث ، ويتحلى بالشجاعة أم يبقى عاشقاً لمنصبه؟… لماذا دائماً ما يكون الوزير معصوم عن الخطأ في بلادنا وتُرمى الأخطاء على غيره ليكون ضحية لعدم متابعة الوزير للأعمال، بسبب تفرغه لأعماله الشخصية؟
وفي ذات السياق فقد ذكرتني حادثة السيول الأخيرة الأسبوع الماضي في بلادنا بما يجب أن يفعلة الوزراء والمسؤولين أصحاب العلاقة المباشرة وما تفرضة مدونة السلوك الأخلاقى والقانونى عليهم ” ذكرتني ” بتقديم وزير النقل المصري هشام عرفات استقالته بتاريخ 27 شباط / فبراير 2019 على خلفية حادث محطة القطارات في القاهرة والذي ذهب ضحيته 25 شخصا بعد أن شهدت المحطة حريقا هائلا إثر اصطدام قاطرة بالرصيف…
يقين, [٠٣.٠٣.١٩ ٠٧:١٦]
وهنا الشيئ بالشي يذكر فهل يتعلم ويأخذ الدرس وزراؤنا من هذه الأخلاقيات كما فعل وزير النقل المصري والأمر يتعلق باستشهاد أحد أبناء الوطن كما أسلفنا إضافة إلى العديد من الصعوبات الاقتصادية وخسارة التجار للملايين نتيجة مداهمة المياه لحوانيتهم ومحالهم التجارية في منطقة وسط العاصمة أو في مناطق أخرى في البلاد والتي لا يتسع المقام لذكرها نتيجة لاخفاقات إدارية وترهل في الأداء المؤسسي والإداري للوزارات والجهات المعنية التي كان لها دورا مباشرا أو غير مباشر في هذه الفاجعة…
تمثل الكوارث وخاصة الطبيعيةمنها مع اختلافها وتعدد أنواعها ” تمثل ” ظاهرة يومية أو موسمية في كثير من أجزاء العالم ، مما جعل الدول تتوجه نحو مواجهة الكوارث بدرجات متفاوته وحسب الامكانيات والتعاون المتاح وتكون الكوارث التي لا دخل للانسان في أحداثها مفاجئة وسريعة التأثير وناتجة عن أحداث مناخية وجيولوجية … قد لا تكون هذه الفاجعة الأخيرة ولربما قد تتكرر (لا سمح الله) ، حيث تعد الفيضانات والسيول من الكوارث الطبيعية الأكثر انتشارا في العالم وما تسببة من خسائر مالية وبشرية وعمرانية وبيئية كبيرة ومدى قدرة الإنسان على السيطرة عليها… وهنا نقول الدولة معنية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة وتحديدا ما يلي:
عمل الصيانة الدورية والوقائية لمرافق البنية التحتية وبخاصة شبكات تصريف مياه الأمطار ، وهنا أتذكر وبحكم وظيفتي في ذلك الوقت بأن سلطة المياه والمجاري في منطقة أمانة العاصمة (قبل إنشاء سلطة المياه عام 1984) قد عملت على وضع لمخطط الشمولي لتصريف مياه الأمطار ( Storm Water Drainage) في العاصمة (لثلاثين سنة قادمة) وقامت عليه شركة استشارية كبرى…لا نعرف ماذا حصل بهذه الدراسة … كل مسؤول في بلادنا يجب ما بدأ به سلفة !
مطلوب من الدولة عمل دراسات ميدانية عاجلة ومستمرة للوقوف والتعرف على الأسباب الطبيعيةالتي تسببت في حدوث الفياضانات والسيول ونتائجها ولتحديد المناطق الواقعة ضمن نطاق الخطر لمساعدة أصحاب القرار في فهم أخطار ومخاطر الفياضانات والسيول والتوصل إلى نتائج قبل وقوع الخطر لتوفير الاستعدادات اللأزمة للتصدي لها مستقبلا…
عمل الدراسات المناخية والاستشعار والرصد والاستعانة بدول الجوار الاقليمي وأيضا من خلال الدول التي تمتلك الأقمار الصناعية لهذه الغايات…
استخدام المنهج الوصفي والتحليلي ونظم المعلومات الجغرافية ( GIS) لبيان نطاق الخطر من كوارث السيول والفياضانات وذلك بانشاء خارطة المخاطر التي ينبغي أن تدمج مع خطط التنمية لتحقيق ادارة فعّالة للحد من مخاطر هذه الكوارث…
ضبط مسالة الزحف العمراني على الأراضي الخطرة المعرضة للفيضانات والسيول ونشوء التجمعات البشرية ضمن نطاقها، وما تسببه من مشاكل في أهمال وتشريد للساكنين وخسائر مالية وبشرية بسبب قلة الوعي بأهمية إدارة مخاطر كوارث الفيضانات والسيول في تحديد اتجاهات نمو التجمعات السكانية الحالية والمستقبلية…
حمى الله بلادنا وأدام عليها نعمة الأمن والأمان…
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/03