تفاصيل الشطرنج الجوي السوري-الإسرائيلي: هل حان وقت استخدام صواريخ “اس 300″؟
فارس الجيرودي
يوم 10 نيسان 2018 كان يوماً مفصلياً في سجل نشاط سلاح الجو الإسرائيلي فوق سوريا، حيث تمكن الدفاع الجوي السوري من اعتراض و إسقاط مقاتلة F-16I Sufa إسرائيلية ، التي يصنفها الخبراء العسكريون كواحدة من أقوى 3 نسخ من ال F-16 حالياً على مستوى العالم.
المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الطائرة الإسرائيلية وقعت ضحية كمين جوي، حيث استخدم السوريون كلاً من نظامي BUK-M2 و S-200 لإسقاط الطائرة، والنظام الأول BUK-M2 «يسمى أيضاً سام 17» نظام حديث مخصص لاعتراض الأهداف بمدى متوسط، وظهر في سوريا أمام كاميرات التلفزيون لأول مرة في المناورات التي أجراها الجيش السوري عام 2012، أما S-200″” «سام5» فهو نظام مخصص للأهداف بعيدة المدى، قديم نسبياً دخل سوريا عام 1983 وكان له سجل من النجاح في إسقاط الطائرات الأمريكية والإسرائيلية فوق لبنان في حقبة الثمانينات، والصاروخ الذي يعتمد عليه هذا النظام أصبح عاجزاً عن ملاحقة الطائرات الحديثة التي تتمتع بقدرات مناورة كبيرة، لكنه يعوض عن ضعف مناروته بضخامة رأسه المتفجر، الذي يمكن لشظاياه أن تسقط الطائرة المستهدفة حتى لو انفجر على بعد 2كم منها، ويمكننا أن نستنتج أن البطاريات التي تمتلكها سوريا من هذا النظام خضعت لتطوير رادراتها، حتى تمكنت من رصد الطائرة الإسرائيلية، التي سجل إسقاطها بالنهاية باسم الـ “S-200”.
بعد نجاح الدفاعات الجوية السورية بإسقاط مقاتلة F-16I Sufa”” التي تشكل العمود الفقري لسلاح الجو الإسرائيلي، عمد الإسرائيليون إلى تغيير كل تكتيكاتهم الهجومية في سوريا، فرغم أن الطائرات الإسرائيلية كانت تحاول تجنب اختراق الأجواء السورية قدر الإمكان، حتى قبل عملية الإسقاط، وحتى في أسوء المراحل التي مر بها الدفاع الجوي السوري، مع سيطرة الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري على مساحات واسعة من البلاد، وقيامهم بتدمير بطاريات الدفاع الجوي السوري فيها، إلا أن سلاح الجو الإسرائيلي اتخذ بعد يوم 10/4/2017 إجراءات احترازية إضافية، فأصبح يعتمد بشكل أكبر على تكتيكات قصف الـ Stand off بعيدة المدى التي تضمن له تصفية الأهداف من مسافات بعيدة و آمنة، مع بقاء الطائرات خارج نطاق عمل معظم الدفاعات الجوية السورية.
وتعتمد تلك التكتيكات على الذخائر بعيدة المدى و تحديداً صواريخ الكروز إسرائيلية الصنع مثل الـ ««Deleilah و الـ ««Pop-eye، هنا برز بوضوح دور نظام دفاعي حديث صنعته روسيا للتصدي لهذا النوع من الصواريخ، هو البانتسير (Pantsir-S1) و النظام المطور عنه (Pantsir-S2)، وهما نظامان مخصصان للأهداف القصيرة والمتوسطة المدى، وبالذات الصواريخ الجوالة، وظهر البناتسير لأول مرة في سوريا في ذات المناورات العسكرية عام 2012، لكن روسيا قامت عدة مرات بزيادة أعداد البطاريات من هذا النظام المصدرة للجيش السوري، خصوصاً بعد دخول سلاح الجو الروسي مباشرة للمعركة في سوريا عام 2015.
وأثبت النظام فعالية كبيرة بالذات في مواجهة صواريخ الكروز التي أطلقتها الولايات المتحدة على قاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص عام 2017، حيث لم يفلح 59 صاروخاً أمريكياً في تدمير القاعدة، أو شل عملية انطلاق الطائرات منها، والتي استؤنفت في اليوم التالي، كما أظهر ذلك فيلم للقاعدة الجوية السورية، صورته طائرة بلا طيار، وبثته وزارة الدفاع الروسية في اليوم التالي للهجوم الأمريكي.
كما برهن النظام عن نجاحٍ كبيرٍ في التصدي لصواريخ “الكروز” التي تطلقها الطائرات الإسرائيلية في هجماتها على سوريا، وذلك بالتشارك و التنسيق مع السام 17 BUK-M2″”، حيث تقول المعلومات التقديرية أن 90% من الصواريخ الإسرائيلية الجوالة تم إسقاطها قبل وصولها لأهدافها.
هنا دخلت الهجمات الجوية الإسرائيلية على سوريا في مرحلتها الثالثة، حيث تستخدم الطائرات الإسرائيلية اليوم إلى جانب الكروز نوعاً جديداً من الذخائر، هو ذخائر الـ SDB””.
مصطلح ال “SDB” إختصار لعبارة «Small Diameter Bomb» ، أو القنابل صغيرة القطر، ويعتبر هذا النوع من القذائف بالغ الخطورة على بطاريات الدفاع الجوي، وتتمثل خطورته في أربع نقاط:
قذائف الـ SDB”” تتميز بمدى إطلاق بعيد نسبياً، أبعد من أي نوعٍ ثانٍ من القذائف ظهر قبلها سواء، كانت موجهة أو غير موجهة،
مثلا قنبلة الـ “”GBU-39 التي تصنف ضمن هذه الفئة، يصل مدى إطلاقها حد 110 كم ، بينما قذيفة الـ JDAM”” التي تعتبر من أفضل القنابل الموجهة في ترسانة القوات الجوية الأمريكية بمختلف أفرعها، أقصى مدى لها لا يتجاوز 28 كم، مما يعطي الطائرات التي تستخدم هذا النوع من القذائف مدى إطلاق آمن خارج عمل أنظمة الدفاع المتوسطة والقريبة المدى.
قذائف الـ SDB”” تمتلك ميزة العمل بحزم توجيه متعددة الأنظمة، مثلا قنبلة الـ “”GBU-39 حزمة التوجيه الخاصة بها تجمع بين الملاحة بالقصور الذاتي “”INS، و التوجيه بالأقمار الإصطناعية GPS””، و في أحد نسخها تجمع مع هذين النظامين نظاماً ثالثاً، يقوم على التوجيه الليزري Semi active laser guidance لذلك فإن معامل دقة هذه القذائف، ازداد بشكل رهيب، لدرجة إن نسبة الخطأ في إصابة الهدف تتراوح بين 1 متر إلى 5 متر فقط ، وهي نسبة خطأ قليلة جداً.
، قنابل ال SDB عامة كلها ذخائر انزلاقية، مما يعني عدم امتلاكها لمحركٍ أو نظام دفع، إذ تعتمد في حركتها على عاملين اثنين فقط ، الجاذبية الأرضية في السقوط الحر، و الجنيحات التي أضيفت لها، بغرض تصحيح مسارها، أثناء انزلاقها بإتجاه الهدف، أي أن آلية عمليها تشبه آلية الطيران الشراعي، و هذا يصعب عملية رصدها لأنها ببساطة بدون بصمة حرارية ، لذلك تعجز أي أنظمة رصد حراري على الاطباق عليها، مما يخرج الصواريخ قصيرة المدى التي يستخدمها البانتسير من المعركة.
رابعا ، ذخائر الـ “”SDB برغم قوتها التدميرية العالية إلا إنها تتميز بحجمٍ صغيرٍ نسبياً، مقارنةً بالقنابل الموجهة من الأجيال الأقدم منها، مما يمنحها ميزة في غاية الخطورة، إذ يسمح للمقاتلة بحمل أعداد كبيرة منها، فمثلا مقاتلة من فئة متعددات المهام مثل الـ F-16 حمولتها من الـ “SDB” يمكن أن تصل إلى حد 8 قنابل، أما الطائرة المقاتلة الضاربة الـ F-15E فيمكنها حمل 28 قنبلة SDB””.
لقد أثبتت قنابل الـ “SDB” أنها فعلاً ذخائر مثيرةٌ للإزعاج ، وهي تمكنت خلال الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، فجر الاثنين 21 كانون الثاني 2019، من تدمير عربة بانتسير سورية، لكن هذا النظام رغم ذلك يعاني من نقاط ضعف مثل أي سلاح آخر، إذ أن اعتماد هذه القذائف على قوة الجاذبية الأرضية، وافتقارها لمحرك أو نظام دفع، يفرض على المقاتلة التي تستخدمها أن تطلقها من ارتفاعات عالية، وأيضاً أن تكون على سرعةٍ عالية، كي تمنح القذيفة الطاقة الحركية الكافية للوصول للهدف، وهذا ما يسهل على الردارات الحديثة الخاصة بأنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى رصدها واستهدافها.
لذلك علينا أن ننتظر نتائج المواجهة القادمة بين الطائرات الإسرائيلية وبين نظام الـ S300″ ” الذي كشفت صحيفة روسية عن أن تفعيل عمله في سوريا يبدأ في مطلع آذار الحالي، حيث يعتبر أول نظام دفاع جوي حديث بعيد المدى يدخل المواجهة في سوريا، ضد نشاط الطائرات الإسرائيلية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/06