التخلص من عقدة إيران .. سبيل لمواجهة التحديات
صالح القزويني
نجح الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأميركية في غرس الخوف من إيران وعدم الثقة بها في نفوس بعض العرب والمسلمين فضلا عن غرسها في نفوس الغربيين ذاتهم.
دوافع ومبررات الغرب في التخويف من إيران سياسية بحتة وكان الهدف الوحيد منها هو الضغط عليها للجلوس على طاولة المفاوضات النووية والدليل على ذلك أنه تخلص من هذه العقدة عندما أبرم الاتفاق النووي معها في 2015، غير أن تمسك بعض المسلمين والعرب بهذه العقدة دليل على أن دوافعهم ومبرراتهم في هذه العقدة تختلف عن دوافع الغرب الذي تبنى وابتكر (ايرانفوبيا).
بعض حكومات العرب والمسلمين وسّعت وطوّرت الهدف من (ايرانفوبيا) من سياسي ويتعلق ببرنامجها النووي إلى طائفي وعنصري، ولذلك نرى أنها لم تتخل عن انتقادها لإيران رغم التوقيع على الاتفاق النووي، مما يشير إلى انها تريد تحقيق غايات أخرى من إبداء العداء لإيران.
وبما أن المفاوضات النووية مع إيران تزامنت مع ثورات بعض البلدان العربية لذلك فإن بعض الحكومات العربية أثارت الموضوع الطائفي والتخويف من إيران والشيعة لتضمن دعم الشعوب العربية التي أغلبها من السنة لها، وظهور داعش والتكفيريين في تلك الفترة وعلو صوتهم على سائر الأصوات يعزز فكرة منع سقوط بعض الحكومات العربية عبر تأليب السنة على الشيعة لضمان ولائهم للسلطات الحاكمة عبر الخطاب الذي تبنته داعش وكذلك فتاوى التكفير التي صدرت والمواقف الطائفية التي تبنتها بعض الحكومات.
جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليغذي رغبة هذه الدول التي توقفت نتيجة توقيع الرئيس الأميركي السابق أوباما للاتفاق النووي، غير أن العقدة من إيران تحولت إلى تحد كبير للحكومات التي تمسكت بها ولم تغادرها بعد الاتفاق النووي، فتسببت بالانشقاق الطائفي لمجتمعاتها، وزاد نفوذ وخطر الإرهابيين والتكفيريين، وأدى إلى إهمال الدول للتنمية والتطوير نتيجة انشغالها بالانتقاد الدائم لايران، وإلى استغلال بعض القوى العالمية للقطيعة بين بعض الدول وإيران فسعت لابتزاز هذه الدول.
برزت العقدة من إيران بشكل واضح وجلي خلال زيارة الرئيس الإيراني للعراق، فقد هاجم البعض روحاني وإيران، لا لشيء سوى لأنه يبغض الإيرانيين، بينما الحب والبغض لا ينبغي أن يكون سببا في تحقيق المصالح، هذا في الوقت الذي تعاني فيه معظم دول المنطقة من مشاكل وأزمات اقتصادية واجتماعية نتيجة الهوة التي أوجدتها بعض الحكومات.
البعض هاجم الاتفاقيات التي وقعها العراق مع إيران خلال زيارة روحاني رغم أن فائدة الاتفاقيات تعود على البلدين، بينما لاذ بالصمت ولم ينبس ببنت شفة عندما اتفقت الحكومة العراقية مع الأردنية على إعفاء المنتجات الاردنية من جميع الضرائب والجمارك، كما أن النفط العراقي يباع للأردن بسعر منخفض جدا، ويعود السبب في ذلك إلى أن حكومة ترامب عندما قررت وقف مساعداتها المالية للأردن طلبت من الحكومة العراقية التعويض عن هذه المساعدات باعفاء البضاعات الأردنية من الضرائب وبيع النفط بسعر منخفض.
الصورة التي عكستها بعض وسائل الإعلام عن زيارة روحاني لبغداد هي أن إيران جاءت لاستغلال العراق ليخلصها من المشاكل التي تعانيها نتيجة الحظر، وقالت إن الزيارة والعلاقات تضر بمصالح العراق وانها ستوتر العلاقات العراقية – الأميركية، بينما وسائل الإعلام هذه التي تظهر حرصها على العراق كانت بالأمس القريب تحرض على الحرب الأهلية والطائفية في العراق، وكانت تسعى إلى شق صفوف العراقيين وإثارة الفتن بينهم وتشويه صورة الحشد الشعبي والترويج للاكاذيب والافتراءات.
وفي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يغرس الإيرانيون في نفوسهم هذه العقدة من العرب نتيجة تحالف حكوماتهم في السابق مع نظام صدام وتحالفها الحالي مع ترامب ونتنياهو ضدهم، إلا أننا لا نجد هذه الضغينة لدى معظمهم فضلا عن انعدامها في نفوس مسؤوليهم.
يقول مستشار الأمن السعودي السابق الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز في مقابلة مع اندبندت، “لم تحقد طهران علينا رغم دعمنا الكبير الذي قدمناه لصدام حسين في حربه ضد إيران”.
ربما السبب في التقدم الذي تشهده إيران في العديد من المجالات يعود إلى أنها لا تجعل واقعها سجينا لأزمات اندلعت وانتهت أو حتى لازمات لاتزال مستمرة، وقد تجلى ذلك في الدعوات التي أطلقها مسؤولون إيرانيون تجاه دول عربية بضرورة تجاوز الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات، ولكن للأسف فإن هذه الدعوات لم تجد حتى الآن أذان صاغية، ربما لأن التحريض الطائفي والتخويف من إيران لم يحقق كل النتائج المطلوبة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/17