حقائق عن الصفقة.. وملف اللاجئين بات جوهرها.. هل تلدغ شعوبنا من جحر التجويع مرتين؟
فؤاد البطاينة
من المنطق أن نعترف أولا أن صفقة القرن هي صفقة تصفية القضية على نحو لا يلبي الطموحات الوطنية الفلسطينية ويفتك بالدول العربية، بثمن واهم هو إيهام الحكام بحماية كراسيهم ومكتسبات السطو، وإيهام الشعوب بانتشالهم من جهنم صنعوها الى حياة النعيم، وإن التحضير والتشاور والعمل بشأنها تُجريه أمريكا مع ثلاثة أطراف رئيسيه هي مصر والأردن والسعودية، بينما الطرف الفلسطيني كونه الطرف المعني والمسئول عن تحقيق الطموحات الوطنية المشروعة وإزالة الاحتلال، فإن ذلك يمنعه من الاستماع والتعاون المباشر وقد فقد مسبقا مسائل الوضع النهائي بقراري القدس والدولة اليهودية ثم اسقاط صفة الاحتلال . فالجفاء الفلسطيني بشأن الصفقة والتواصل بشأنها تُغطيه السلطة الفلسطينية عن طريق الطرف العربي.
ومن الواقع والمنطق نقول، بأن كل مكونات الملف الفلسطيني بما يشمل ما تم حسمه وما تبقى، هو بيد اسرائيل وتحت سيطرتها باستثناء ملف اللاجئين، وهو عمليا الملف العالق والذي لا تستطيع أمريكا وإسرائيل القفز عنه، وهو المكون الأهم والحاسم لأنه يشكل البعد السكاني المرتبط به البعد السياسي والإنساني لمجمل القضية الفلسطينية إنه العنوان الرئيسي الدولي للقضية الفلسطينية فالمعنى المتبلور لصفقة القرن والمعمول عليه حاليا هو تصفية ملف اللاجئين وحيث أن وكالة الغوث التي توفر الإطار السياسي الإعلامي للملف يصعب حلها الذي يتطلب قرارا من الجمعية العامة، وحتى لو تم ذلك بهذا الأسلوب أو بإفلاس الوكالة فإنه لا يشكل حلا دوليا وشعبيا مقبولا ولا يغير الوضع القانوني للاجئين، فنقول لا بد من حل بين اثنين، إما هو حلنا بالعودة والتعويض أو حلهم بالتوطين . ونحن أمام حلهم حسب الصفقة.
نعلم تماما، بأن الضغط على الفلسطينيين وشعوب مصر والأردن وفلسطين كأولوية وإخضاعها لظروف اقتصادية ومعيشية قاسية عمل ممنهج وهادف، ولكنا لا نواجه الهدف . ومع كل يوم يمر يصار الى اجراءات تعزز لدى هذه الشعوب اليأس من الفرج، ويتعزز مع هذا يأسها من قدرة حكامها سياسيا ووطنيا على فعل شيء، ومن قدرتها كشعوب على مواجهة هؤلاء الحكام، وهذا يولد الخشية على حياتها وعلى حياة ومستقبل عائلاتها ويُقزم الخلاص عندها إلى أولوية الحياة بأي ثمن ممكن، ويجعلها بالتالي مضطرة للتعامل مع وضعها كوضع ناتج عن فقر الدولة، وتقبلها أية وعود تُصرف للأنظمة وشعوبها بلا أية ضمانات لإنقاذها، لأنها وعود تحيي الأمل لها من العدم، ومن هنا لا غرابة مع هذا السيناريو اللعين في أن يصبح لدى الكثيرين من الناس القابلية لتقبل الصفقة التي توعد بالخير الوفير والخلاص.
وهنا يجب أن يكون معلوما إذا ما تمت تصفية ملف اللاجئين أو بوشر بتصفيته فستخضع شعوبنا لضغوطات أكبر وليس لانفراجات، فلن يكون هناك داعي لأمريكا وإسرائيل ولا مصلحة لهما بوعود ولا بخطط رسمت ولا بتنمية أو نهضة في أي بلد عربي، بل ستفقد الأنظمة العربية أخر ورقة تتاجر بها او تستخدمها وتزداد الضغوطات عليها وتتعمق، ولن يكون مصيرها إلا أسوأ . ولن يكون مصير شعوبنا إلا أسوأ، فأصحاب صفقة القرن يعلمون أن بقاء الاحتلال والمشروع الصهيوني المتلاقي مع المصالح الامبريالية هو رهن بعدم وجود دولة عربية واحدة حرة وناهضة أو تمتلك قوة رادعة، وهذه رسالة الى شعوبنا وحكامنا يجب أن يفهموها قبل التعامل مع فرض الحلول علينا.
أما ملامح الصفقة فعلينا الانتباه والتحري عن ما ينشر عنها ولا نأخذها الا من مصادرها فهناك صحف عربية ومواقع اخبارية الكترونية تسرب تفصيلات وأرقام خيالية على لسان محطات إعلام أمريكية كذبا وبلا أساس وعلى لسان كتاب لا وجود لهم . وبصرف النظر عن النوايا التي لا أشكك بها، فإنهم بهذا يخاطبون عامة الناس المسحوقين فقرا وحاجة والذين ليس لديهم القدرة على التحري، ويسيلون لعابهم ويشجعونهم بطريقة غير مباشرة على الترحيب بالصفقة وتقبلها تماما كما جرى من تسويق لمعهدات الاستسلام مع الأنظمة العربية بوعود الرخاء التي رأينا نتائجها العكسية، فالمنتصر لا يدفع ثمنا ولا يسمح بنهوض عدوه.
هناك في إعلامنا من يتبرع وينطق كفرا بمئات المليارات ستقدم لدول الجوار بينما النيويورك تاميز تتحدث بصفاقة وأكثر مصداقية عن العشرات كثمن تقول أنه لتحسين ظروف المعيشة دون تحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية، وبأن مصر ستحصل على اربعين مليار بينما الرقم للأردن ولبنان أقل يكثير ويعتمد تحديده على انجازهما المطلوب.. وعليه فعندما نتحدث عن ملامح الصفقة السرية فإنما يجب أن نتوخى صحة المصادر ونشكك بالمصادر التي تدس الإيجابيات بصورة غير مباشرة، ونتوخى تحليل ما يتسرب فعلا عن الجانب الأمريكي مباشرة.
إن ملامح الصفقة التي يتم تسريبها من الطرف الأمريكي كلها تخاطب خزائن وجيوب دول وشعوب المنطقة المنكوبة والرازحة تحت الضغوطات الاقتصادية والمالية الممنهجة والمعاناة المتراكمة، وتتحدث عن الرخاء القادم وتتحاشى التسريب أو الحديث عن الحل السياسي لسبب بسيط وهو أنه لا وجود في الصفقة لمبادرة سياسية مطروحة للتفاوض مع الفلسطينيين بل هناك خطة لحل سياسي مفروض ينتهي بالتوطين يجري تنفيذه في إطار خلط الأوراق والحديث عن مشاريع استثمارية تعمل على دمج اسرائيل بالمنطقة كقوة أقليمية اقتصاديا وعسكريا.
الصفقة بمرحلتها الحالية تَستثمر الوضع العربي والفلسطيني وتستند إلى فشل أو إفشال كل مبادرات السنين لتفرض الحل، كوشنر حامل ملف الصفقة وكنت أعتبره من حديث الإعلام قليل الخبرة والذكاء وبسيط naive ولدى اطلاعي على أول مقابلة له قبل أسبوعين مع Sky news Arabia تبين بأنه المؤهل لإسرائيل بحمل الملف، لقد تغلب على أسئلة مدروسة وتملص منها وأعطى إجابات فيها رسالة إذا قرأها المواطن العربي يعرف ما هي الصفقة التي وعد بطرح تفصيلاتها بعد الانتخابات الإسرائيلية . وأضع منها تاليا ملخصا منتقى على لسانه في قالب فقرة صغتها هي التاليه.
“لقد استعرضنا كل مبادرات السلام عبر السنين، ولم تستطع منها الوصول لحل توافقي ولا ما يسمح للناس أن يضعوا خلافات الماضي خلفهم ويتقدمو إلى مستقبل فيه رخاء حقيقي، مبادرة السلام العربية لا تعمل، واطلعنا على نقاشات أوسلو وسنقدم في الخطة ما يُمَكن الناس من التطلع الى مستقبل فيه رخاء حقيقي. فمسائل الوضع النهائي لم يستطع الفريقان تجسيرها وستعالج من خلال الخطه (استثمارات الصفقة)، فنحن لا نستطيع بواسطة حل مسائل الوضع النهائي أن نحل قضية يتقاتل فيها الناس أكثر من سبعين عاما ونجعلهم أصدقاء، إن قادة في المنطقة والعالم يهتمون بالفلسطينيين ويرومون طرقا لمساعدتهم لا تحقق سوى الخداع . إن الخطة السياسية هي في إزالة الحدود بغية التدفق الحر للبضائع والأشخاص ونحن اليوم نركز على التغلب على ما يمنع حصول الفلسطينيين على أقصى الممكن وعلى ما يمنع إسرائيل من الاندماج بكل المنطقة، نحن امامنا فرص وأمامنا تهديدات وسنعمل على تحقيق النموذج الأفضل، ستشعر كل المنطقة بالأثر الاقتصادي وسيشعر بها الاردنيون والفلسطينيون والمصريون واللبنانيون، نريد للناس حياة افضل وأن لا يسمحوا لنزاعات أبائهم تخطف مستقبل أبائهم” انتهى.
الصفقة لا تَسوى ولا قيمة فعلية لها ولا تكتمل إلا بتصفية ملف اللاجئين . إنها في الواقع أضحت صفقة التوطين وكلفتها ابتزاز ورشوة كاذبتين لأنظمة تم اخضاعها وإذلالها ودول تم خلع أنيابها ورهنها وشعوب جوعوها وجعلوها تتمنى حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ونحن هنا لا نتكلم عن طبيعة وهوية الحكام المعنيين ولا عن خياناتهم وعمالتهم والتزامتها، نترك هذا ببراءة الأطفال ونقول أن الشعب العربي معني جدا اليوم بأخذ المبادرة في ملفين لإسقاط الصفقة، ملف اللاجئين وملف إحياء حلف بغداد في مواجهة محور المقاومة والذي هو في لب الصفقة، ومن الرماد عليه أن ينهض ويخرج للشارع بأنفة وبخطاب سياسي رافض لا يشوبه خطاب أخر.
ورسالتي لكل مواطن عربي في أي بقعة كان، المشروع الصهيوني ليست ديمغرافيته فلسطين فقط، وإن كنتَ لا تصدق ذلك لا بأس، لكن عليك أن تفهم أن دولتك لن تكون بخير ولا أنت ولا أبناؤك ولا احفادك، وستبقون في مسار التراجع حتى الانحطاط والإذلال والعبودية ما دام المشروع الصهيوني قائم في فلسطين، لأن الاحتفاظ الصهيوني بها لا يكون ولا يقوم ولا يدوم وهناك عربي متروك بخير أو ارض عربيه تترك بخير. فالمعركة معركتك وإسقاط صفقة القرن قضيتك، وإن اعتبار قضية فلسطين قضيتك الوطنية والشخصية ليس كرما منك بل في ذلك حياتك وكرامتك ومستقبل امتداك الشخصي والوطني، اتركوا كل وساوس الشيطان واجعلوا فلسطين ملحكم في أية مشكلة تواجهكم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/17