المشهد السياسي الإسرائيلي وخصوصية انتخابات الكنيست الـ21
حسن لافي
تعتبر انتخابات الكنيست الإسرائيلية الـ21 ذات خصوصية مختلفة عن سابقاتها على الأقل في العقدين المنصرمين، حيث تجرى الانتخابات في بيئة سياسية إسرائيلية معقّدة بشكل كبير سواء على المستوى الصهيوني الداخلي أو حتى على الصعيد الخارجي سواء فلسطينياً أم اقليمياً.
لوائح الاتّهام الموجّهة ضد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ، وإعطاء المستشار القانوني للحكومة "أفيحاي مندلبلت" وجهة نظره القانونية في هذه التهم قبل موعد الانتخابات، زاد من حساسية نتائج هذه الانتخابات حيث باتت لا تقتصر على تحديد إسم الحزب والشخص الذي سيكلّف بتشكيل الحكومة فقط ، ولكن أصبحت ستحدّد مصير مستقبل نتنياهو السياسي بالكامل، الأمر الذي انعكس بظلاله السلبية على حظوظ معسكر اليمين الصهيوني في القدرة على نَيْل أكثر من نصف مقاعد الكنيست من أجل الحفاظ على تفرّد اليمين في الحكم، ناهيك عن الانقسامات الداخلية داخل أحزاب اليمين الصهيوني، حيث خروج كل من "نفتالي بينت" و"اييلت شاكيد" من حزب البيت اليهودي، والذهاب إلى الانتخابات بحزب جديد أسموه " اليمين الجديد" ، وكذلك ظهور حزب " جيشر" بقيادة " أورلي ليفي_ ابو كسيس" المنشق عن حزب " إسرائيل بيتنا" بقيادة "أفيغدور ليبرمان"، ناهيك عن السماح لحزب "العظمة لإسرائيل" الذي يعتبر امتداداً سياسياً وإيدلوجياً لحزب "كهانا" الإرهابي، أضف إلى المشهد الخلافات الحادّة داخل ائتلاف الأحزاب المُشكِلَة لحزب "البيت اليهودي" ، هذا الوضع الذي يؤدّي بالمجمل إلى تشتيت قوة اليمين الصهيوني، خاصة إذا لم ينجح أحد أحزابه بتخطّي نسبة الحسم في الانتخابات، ما سيزيد من حصّة معسكر الوسط الصهيوني المنافس.
عودة الجنرالات العسكريين للواجهة السياسية الانتخابية، والمنافسة بقوّة على رئاسة الحكومة من خلال حزب "أبيض أزرق" بقيادة رئيس الأركان الإسرائيلي السابق "بيني جنتس"، بعد أن استطاع نتنياهو طوال الفترات السابقة تحييد قوّة كبار الضباط العسكريين من خلال قانون "الانتظار" الذي يمنع الجنرالات من الترشّح للكنيست قبل مرور 3 سنوات على إنهاء خدمتهم العسكرية ، لكن في هذه الانتخابات نجح كل من " جنتس" و"بوجي يعلون" و" جابي أشكنازي"، أولاً من كسر المعادلة من خلال التنازل عن عقدة الرجل الأول، والذي يمكن تسميته "غرور الجنرالات"، ثانياً تشكيل ائتلاف حزبي لا يحمل فقط الأجندة الأمنية السياسية، ولكن أيضاً يحمل أجندة اقتصادية اجتماعية من خلال وجود حزب "هناك مستقبل" بزعامة " يائير لابيد"، الأهم أن الجنرالات اختاروا الانطلاق في معركتهم الانتخابية من معسكر الوسط الصهيوني وليس من معسكر اليسار الصهيوني كما هو معتاد، اقتناصاً لمزاج المواطن الصهيوني الذي بات أكثر يمينية عما سبق. وبذلك يكون قد جهّز الجنرالات بديلاً متكاملاً عن نتنياهو ومنظومة اليمين الحاكم, خاصة أن حزب أبيض أزرق يعطي إشارات سياسية للحليف الأميركي بقيادة "ترامب" أنهم على استعداد للتعاطي مع الحل الأميركي "صفقة القرن" للقضية الفلسطينية.
الموقف الأميركي الرسمي من الانتخابات الإسرائيلية عدم التدخّل بها، ولذلك أجّل البيت الأبيض الإعلان عن صفقة القرن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، ولكن تصريحات "جاريد كوشنير" بخصوص الخطوط العريضة لصفقة القرن في أجواء الانتخابات الإسرائيلية لا تتساوق مع الموقف الرسمي الأميركي ، حيث تم تفسيرها من قبل بعض المحلّلين السياسيين الإسرائيليين أنها تصبّ في إطار دعم حزب الجنرالات، رغم أن ترامب أثنى على نتنياهو كصديق وزعيم في تغريدة له على التويتر بعد تصريحات صهره كوشنير، الموقف الأميركي الحقيقي من الممكن قراءته فقط من خلال المصلحة الأميركية، حيث الرئيس ترامب يبحث عن تهيئة البيئة السياسية الإسرائيلية التي تُنجِح صفقة القرن الأميركية، فحكومة يمين بحتة بقيادة نتنياهو بالتأكيد لن تتعاطى مع صفقة القرن بالمطلق، كون اليمين الإسرائيلي الاستيطاني الديني ليس في أجنداته تقديم أي شيء للفلسطيني مهما صغر حجمه، وبالمقابل فوز الجنرالات بالانتخابات وتعاطيهم مع ترامب من الممكن أن يعيد مناخات الأجواء التي رافقت اتفاق أوسلو، مروراً بمشهد اغتيال رئيس الوزراء الصهيوني "إسحاق رابين"، حيث الشرخ الصهيوني سيزداد مما سيفشل نجاح الخطة الأميركية، لكن تعزيز قوّة حزب الجنرالات مع الحفاظ على قوّة نتنياهو، بالحد الذي يرغمه على تشكيل حكومة وحدة صهيونية مع حزب أبيض أزرق، إذا أراد تشكيل حكومة تحت قيادته، وبذلك تتحقّق المصلحة الأميركية.
مصلحة حزب الليكود والائتلاف الحكومي الحالي أن تبقى الأوضاع على الجبهة الفلسطينية وخصوصاً في غزّة على ما هي من دون تغيّرات دراماتيكية في الموضوع الأمني، حيث أيّ تصعيد واسع في غزّة سيصبّ في مصلحة المنافسين لنتنياهو سواء من داخل اليمين أو من خارجه، لذلك نستطيع تفسير حركة الوفود السياسية على غزّة لمنع التدحرج للتصعيد العسكري، وهذا بعكس سابق الانتخابات التي كان مَن يتولّى الحكومة يبحث عن الدم الفلسطيني من خلال افتعال الحروب لرفع رصيده الانتخابي، وإذا تم ربط ذلك بالموقف الأميركي يتّضح أن دول التطبيع العربية تلعب دوراً في تثبيت نتنياهو داخل الحكومة القادمة، وإذا توسّعنا في المشهد الأمني نجد أن الحفاظ على الوتيرة المعتادة إسرائيلياً تجاه الجبهة الشمالية مع التركيز على البُعد الإعلامي الاستخباراتي بعيداً عن المواجهات العسكرية الفعلية تخدم الهدف الاستراتيجي لليمين الصهيوني في التخفيف من أولوية الملف الأمني على سلّم الأجندة الانتخابية حتى يوم الانتخابات.
لصالح موقع "الميادين نت"
أضيف بتاريخ :2019/03/19