فلسطين.. لا تزالين تنسجين خيوط حريرك بنوافذ أحلامنا!
نظام مارديني
يتهيأ شعبنا في عموم فلسطين المحتلة، إلى تنظيم مسيرة مليونية اليوم، وذلك لإحياء الذكرى الثالثة والأربعين ليوم الأرض، والسنوية الأولى لمسيرات العودة الكبرى.. كما ستنطلق مسيرات أخرى في سورية ولبنان والأردن، حيث ستشكل هذه الانتفاضات رداً شعبياً على تمادي العدوان الأميركي ـ الصهيوني على أرضنا وشعبنا، وكان آخرها قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان السوري المحتل، وكان سبقها ما يسمى بصفقة القرن وقبلها إعلان القدس المحتلة عاصمة لكيان العدو.
في هذا السياق، تأتي المسيرات لمواجهة مسلسل تصفية قضيتنا القوميّة الأم التي تتسارع في ظل التواطؤ الدولي والصمت العربي.. والتطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني.
ولم تكن مسيرة العودة الكبرى التي يحتفل بسنويتها الأولى اليوم، وليدة صدفة انتفاضة «يوم الأرض»، بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي عاناه ويعانيه شعبنا في فلسطين المحتلة منذ قيام الكيان الصهيوني.
فقبل ثلاثة وأربعين عاماً، وفي الثلاثين من شهر آذار 1976، وبعد ثلاثين عاماً في ظل الاحتلال، انتفض شعبنا في جميع المدن والقرى والتجمّعات في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد العدو الصهيوني، كما في غزة وبقية مدن الضفة.
وشكّل ذلك اليوم انعطافة مفصلية ونقلة نوعية مهمة في حياة وتاريخ شعبنا في معاركه دفاعاً عن وجوده ضد الاحتلال، وهو حمل بين طياته أيضاً كل معاني التحدّي والمقاومة الشعبية الصلبة لكل المشاريع والمخططات التي تؤدي لشطب الأرض وتدعم مصادرتها وتهويدها.
وحكاية الأرض هي حكاية عشق أبدية، ولعل فلسفة وجودنا ترتبط بالأرض الأسطورة الخالدة، لذلك يعتبر الصراع القائم بيننا وبين أعدائنا هو صراع وجود.
هي حكاية الروح التي تحلّق في الفضاء في لحظة الحقيقة، وهي تتجلّى في أبهى صورها عشقنا بيسان من دون أن نراها. عشقنا صفد من دون أن نراها. عشقنا طبريا من دون أن نراها. عشقنا حيفا ويافا وبيت لحم والقدس والخليل ويطول عشقنا لكل حبة تراب من بلادنا الممتدة من جبال كردستان الأبية وحتى شواطئ فلسطين الحبيبة.
لطالما كانت للأرض الفلسطينية تركيبة غريبة، وهي ليست كباقي أصقاع العالم.. ولأنها كذلك تكالبت كل حثالات الكون عليها ودفعت كل روائح الكراهية والقذارة إليها فجاءها اليهود يحملون العنصريات كلها في جيوب قلوبهم يوزّعونها «دويلات» و«فيدراليات» هنا وهناك وهنالك..
أقول لك يا فلسطين، منذ انهمار الضوء على الكون كنتِ تتجوّلين في مقدمة الهواء عندما كنتِ تلوّحين يوماً بأكمام السماء كي تتلمّسي الظهيرة المشبعة بالأنفاس وهي تتمايلُ كلّ لحظة بظلال من الحب.
لا تزالين يا فلسطيننا قوساً روحياً أخضر يتعثر بلحية نبوخذ نصر وهو ينقشُ شعارات نصره على الشاطئ السوري، ويسبي اليهود وخرافاتهم ليعلمهم الزراعة والكتابة في بابل، ومن هناك سطّروا كتابهم «التوراة» بالمزامير والأساطير السورية.
تمرّ صور شهدائك أمامنا كشقائق النعمان تتدلّى حلماتها في فم النحل حين يسري الشهد بروح منحوتات تدمر ونمرود وهي تخرجُ من خزانتها رسائل حياة وحضارة.
لا تزالين يا فلسطين تشاكسين تاريخك المألوف في سوق عكاظ كأنّ سرّتك قيثارة بابل تعزفُ سيمفونية للإله مردوخ بعدما مرّت سنون وقرابين المعبد ولا تزالين تنسجين خيوط حريرك بنوافذ أحلامنا.
في كل عام تنادينا الأرض في مثل هذا اليوم، فنلبي النداء لأجلكِ يا فلسطين، ولأجل الجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا والغجر.. وإننا لَعائدون!
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/03/30