آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

السياسات السعودية تُؤجِجُ أزمة المملكة

 

د. وفيق إبراهيم

الدولة السعودية في أزمة خانقة تلتهِمُ تدريجياً أهمياتها التاريخية على المستويين العربي والإسلامي.

أما الأسباب فمتعددة واهمها التراجع الحاد في النفوذ الأميركي الذي يحميها منذ 1945. هذا النفوذ الذي منحها استقراراً داخلياً مبنياً على القمع الوحشي المطلق المغطى أميركياً وأوروبياً، والمتسربل بفتاوى من رجال دين وهابيين يجيزون إبادة كل من يعترض على الأداء السياسي لآل سعود.

إلا أنّ هناك مصدراً ثانياً لقوتهم وهو الذهب النفطي الذي يَنشُرونَ تبرَه في معظم دول العالم. وهذا ما منح السعودية الدور الخارجي الكبير الذي لا يزال يقدم نفسه مرشداً للمسلمين حيناً وأكبر مستهلك للمجون الغربي في معظم الأحيان.

فهي الشقيقة الكبرى للدول الإسلامية فيما يستهلك أمراؤها وحكامها كلّ أنواع النحوت واللوحات والنساء والفنانات وأندية كرة القدم وألعاب الميسر وكلّ أنواع الفجور والاستهلاك.

لماذا تراجع الدور السعودي في هذه المرحلة؟

تتقدّم أسباب عدة لتكشف انتقال المملكة من الدور الإقليمي الكبير الى حكمٍ مأزوم يعتكف بالصمت متلقياً الإهانات من معظم دول العالم، لاجئاً إلى صمت الضعفاء.

رأسُ الأسباب إذاً هو تراجع المشروع الأميركي في ميادين سورية والعراق وتعثُره في اليمن بانهيار الإرهاب العالمي الذي كان يستثمر فيه بعنوانه الوهابي والقاعدي الإرهابي وبتمويل كامل من السعودية وقطر والإمارات وخدمات لوجستية وتنظيمية تركية، فجاء هذا التراجع لمصلحة تقدّم تركي ابتلع الدور السعودي مع صعود إيراني ارتقى على حساب النفوذ الأميركي بالإضافة إلى تأهّب روسي للعودة إلى التفاعلات الدولية.

أما السبب الثاني، فالسياسات الرعناء للرئيس الأميركي دونالد ترامب التي وضعت النفوذ الأميركي في تصادم مع الروس والهند والصينيين والأتراك ومشاحنات جادّة مع الأوروبيين والكنديين والاوستراليين، فأصبحت سياساته العالمية هدفاً للحزب الديمقراطي في الداخل الأميركي والدول في مختلف المحاور العالمية.

إنّ كلّ الإعلام العالمي ومواقع الدراسات والرصد تعرف أنّ العقاب في السعودية لا يقوم على أسس قانونية وإنما استناداً إلى أنّ كلّ مَن يعارض آل سعود هو كافر يستحقّ القتل، لذلك أعدمت هذه الدولة عشرات آلاف السعوديين ولم يسبق أن اعترضت جهة دولية واحدة على ذلك بما فيها روسيا والصين. فلماذا تحرّكت الآن على اغتيال الإعلامي جمال الخاشقجي الذي قتلته مجموعات أمنية تابعة مباشرة لولي العهد محمد بن سلمان في قنصلية بلاده السعودية في مدينة اسطمبول التركية، فهو ليس الأول ولن يكون الأخير؟

يبدو أنّ الجهات الدولية المنددة باغتيال الخاشقجي تستهدف النيل من ترامب من خلال استهداف رَجُله محمد بن سلمان وأدوارهما الهمجية في إبادة عشرات الآلاف في حربهما على اليمن.

إنها إذاً الفرصة الاساسية للنيل من الجنون الأميركي الذي يريد احتكار كلّ شيء له وإعادة الأوروبيين الى مجرد تابعين محرومين من المزايا الاقتصادية وإيقاف الروسي وتأديب التركي لخروجه عن النص الحرفي الأميركي ومعاقبة الصين.

لذلك فإنّ اجتماع الأسباب بين هزيمة الإرهاب الوهابي والصراع الأميركي العالمي ومقتل الخاشقجي قلّصا من مدى الدور السعودي فارضين عليه حجراً عربياً وإقليمياً حتى إشعار آخر.

في المقابل واصل التنديد العالمي بالإجرام السعودي بالتسديد على محمد بن سلمان وذلك لإصابة ترامب وسياساته بشكل دقيق وبدلاً من بلورة سياسات سعودية جديدة قائمة على الاعتدال، خصوصاً في الشرق الأوسط، مع إبعاد محمد بن سلمان نهائياً عن المسرح السياسي، اعتقد السعوديون أنّ المبالغة في تأييد ترامب تحميهم من جهة وتعيد إليهم دورهم العربي الإسلامي من جهة ثانية.

فاختاروا إيران هدفاً اساسياً بدرجات عالية من العداء والاحتراب. وهذا يرضي الأميركيين بشكل كامل مضيفين تركيا الى لائحة العداء لسببين: الأول انها منافستهم الحصرية على زعامة العالم السني وباعتبار أنّ هناك تناقضاً بين الطموحات الأردوغانية والمشروع الأميركي الأصلي بعيارات مختلفة.

يتضح في المحصلة أنّ هناك تقدّماً إيرانياً تركياً إقليمياً مقابل ضمور الدور السعودي الذي ارتكب أخطاء إضافية بتقرّبه من إسرائيل واتصاله بها عبر دولتي الإمارات والبحرين ومحاولاته التحالف معها لتمرير صفقة القرن على حساب الفلسطينيين.

إلا أنّ هذه الانعطافات لم تفعل إلا المزيد من ضمور الدور السعودي الذي عاد إلى نثر الذهب النفطي لطرد تركيا من اليمن وتونس وليبيا ومجمل العالم الإسلامي، متفقاً مع الأميركيين والإسرائيليين على القضاء على إيران.

لكن ما جعل السعوديين يُصابون بهلع كبير هو اعتراف ترامب بالقدس الشرقية عاصمة لـ إسرائيل وبـ إسرائيلية الجولان السوري المحتلّ فصمتوا لدراسة ردود الفعل آملين عبورهما بأقلّ قدر ممكن من التفاعلات محاولين وبخطابات لغوية في القمة الثلاثين لجامعة الدول العربية في تونس شراء الرأي العام العربي على قاعدة فرض مساواة في لائحة المعادين للعرب بين إسرائيل وإيران وتركيا.

فهل تكفي هذه القمة لاستعادة الدور السعودي المفقود؟ هذا الدور هو جزء من الجيوبوليتيك الأميركي يكبر معه ويتراجع بموازاته ولا يمكن له أن يكون أصلياً عربياً وإسلامياً إلا بإيلاء قضايا منطقته الاهتمام المحوري على قاعدة تحالفات مع دول إقليمية وعالمية لديها مشاريع متطابقة.

هذا ما يكشف صعوبة استرجاع آل سعود أهمياتهم الخارجية في مرحلة تقهقر النفوذ الأميركي وعودة العرب والفلسطينيين الى أسلوب الانتفاضات في وجه الإسرائيليين بالتحالف مع إيران والدول الإقليمية والعالمية المؤيدة.

آل سعود الى أين؟ لا شك في أنهم ذاهبون إلى مزيد من الأزمات، لأنهم مصرّون على مواصلة سياسات لا تخدم إلا النفوذ الأميركي فيما تسجلُ المنطقة نزوعاً كبيراً نحو مكافحة مشروع أميركي مُصرّ على تفتيت المشرق العربي على أساس تقديم كامل فلسطين وأجزاء من لبنان وسورية للكيان الغاصب. هذا حلم أميركي، لكنه ذاهب الى خسارة ومعه الدور الإقليمي والداخلي لآل سعود.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/04/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد