وشهد شاهد من أهله
زياد منى
ثمة مواضيع مهمة عديدة أود التطرق إليها في هذا المنبر، ومنها على سبيل المثال التصرف الأحمق لابنة الرئيس جمال عبد الناصر زوج الجاسوس أشرف مروان باستقبالها سفير كيان العدو الصهيوني ورقصه في بيت ابنة خالد الذكر. كثر تجاهلوا هذا الخبر، الذي أعده فاجعة حقيقية، تضاف إلى مجموعة الفواجع التي تلمّ بأمتنا من كل حدب وصوب، وآخرون قللوا من أهميته، متذرعين بأسباب واهية، هدفها تسويغ صمتهم وامتناعهم عن إدانته والمطالبة بمحاسبة المذنبة بتهمة الإساءة إلى مصر وإلى قيادتها التاريخية التي كانت مخرزاً في عين العدو. علماً بأننا لسنا من عشاق «خالد الذكر»، أي إننا لا نبالغ في إنجازاته، لكننا لا نقلل من أغلاطه الكثيرة، خصوصاً بحق فلسطين والفلسطينيين، وستكون لنا عودة إلى هذا الموضوع.
ومن الممكن الحديث في الأكاديمية المصرية الراقصة منى البرنس، التي استحالت وفق مواقع التواصل الاجتماعي «الأكاديمية الرقاصة»، بعد اجتماعها مع سفير العدو الصهيوني في القاهرة، بعدما وقف إلى جانبها كثر من الذين يقفون في خط مقاومة العدو الصهيوني أو ضد التطبيع، ومنهم أنا، ضد قوى الجهل والظلام الاجتماعي والفكري، والحديث في تذبذب فئة المثقفين ولهاثهم خلف مصالحهم الشخصية غير آبهين للأوطان والقضايا التي يدعون أنها شغلهم الشاغل.
ويمكن الحديث في عدم استيعابنا لمغزى دعاية بعض أطراف حلف المقاومة لمطبعين مع العدو الصهيوني، وهما العربيان أحمد زويل ولاعب كرة القدم محمد صلاح. الأول زار كيان العدو أكثر من مرة وشارك في أبحاث عن كيفية التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة ونال عنها جائزة من كيان العدو. الثاني، محمد صلاح، قَبِلَ التطبيع مع كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري والمشاركة في لعب فريقه في فلسطين المحتلة، ولم يعتذر. أما الثالث فهو ليونيل ميسي المتحمس بلا حدود لكيان العدو الصهيوني. وقد سألنا أحد تلك المنابر عن أسباب حماستهم، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء الإجابة.
لكنني أود هذه المرة العودة إلى ما قلناه قبيل فترة قصيرة: إن مشيخات الخليج الفارسي ليست سوى كيانات سيبارانية/افتراضية تتحرك بالريموت كونترول وأصابع واشنطن ولندن وتل أبيب، وأن كل ما تدعيه من سياسات وتحركات وما إلى ذلك ما هي سوى تنفيذ لأوامر السيد الذي لا رد لأوامره أو لرغباته. بعض القراء رأوا أني أبالغ في الاتهام بهدف التشديد على مدى تبعية تلك الكيانات الوهمية لمثلث واشنطن - لندن - تل أبيب التي أوجدتها خدمة لمصالحها الاستعمارية. وكنت قد قلت في بعض مقالاتي في هذا المنبر إن تلك الكيانات التي تدعي أنها تقدم المساعدة إلى الشعب الفلسطيني خدمة لقضية العرب الأولى، تدفع ما تدفعه من أموال رغم أنفها، تنفيذاً لأوامر السيد الأطلسي، وأن ما تقدمه من «المساعدات» يُقدَّم رغم أنف حكامها الذين لا هم لهم سوى تكديس الحريم كالوسائد في قصورهم القصبية، ولا يفكرون إلا في حساب مقادير العمولات التي سيتقاضونها، وأن لا شغل لهم سوى التآمر على بعضهم، الأب على الأب وعلى الابن، والابن على الشقيق أو الشقيقة... وهكذا.
لقد لحقت بحكام السعودية في الماضي كثير من النعوت، واتهمهم كثيرون من الكتاب التقدميين بالفساد والتآمر وأنهم ومن هم على شاكلتهم من أنظمة سايكس - بيكو باعوا فلسطين وقضايا العرب جميعها، وكان «خالد الذكر» رائداً في فضحهم، لكنهم اتُّهموا بالتحامل إلى أن قام شاهد من وسطهم هو ولي العهد السعودي بن سلمان ليؤكد صحة النعوت، ولينكل بهم وحتى ليضع الأغلال في أعناقهم، مانعهم من التحرك، وليفرض عليهم الرقابة الدائمة لكونهم متآمرين ولصوصاً وما إلى ذلك.
أما حكام قطر المهرولين الأوائل للركوع عند قدمي العدو الصهيوني، فلم يتركونا ننتظر طويلاً لتأكيد اتهاماتنا لهم، إذ إن المتحدثة باسمهم، الذكية جداً، أكدت أخيراً أن «المساعدات» التي تقدمها بلادها إلى حماس هي بطلب (بل قل: بأمر) من واشنطن، وجاء ذلك الاعتراف في سياق تأكيد تنصل قطر من دعم الإخونجية.
لم يكن لدينا شك في ذلك، يا حضرة المتحدثة، ولا شك لدينا أيضاً في أن كيانكم الافتراضي هذا ليس سوى حقيبة مال يستخدمها الغرب - الصهيوني الاستعماري لخدمته، ولابتياع الذمم أو لاستئجارها، ولمحاولة التأثير في سياسات القوى التي تقبل تسلم تلك المساعدات المزعومة. ولنتذكر سوية هنا تصريح رئيس وزراء قطر الأسبق الذي اعترف بأن دعم المشيخة للحرب على سورية كان بتنسيق أميركي - سعودي - تركي. لذلك، وجب عدم نسيان أن موقف حماس المعادي لسوريا، بل وحتى المشاركة في العدوان عليها وتأييد غزو «التحالف» الشيطاني على اليمن كان نتاج تلك «المساعدات»، ومن ينسى «مساعدتهم» في غزو العراق وتدمير ليبيا!
يضاف إلى ذلك أن أموال البترودولار الفاسدة والمفسدة للحركة الوطنية الفلسطينية كانت تقدم إلى جهة واحدة، هي صاحبة مشروع «دولة ولو على ظهر حمار» حسب تعبير قيادات الهزيمة والخضوع والانبطاح التي كانت تسير في الطريق الذي أوصلنا إلى نكبتنا الثالثة وأوسلو. ولنا عودة.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/04/02