آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

«مخيم الركبان» خط دفاع عن «قسد» والأميركيين!

 

د. وفيق إبراهيم

يعرقل الأميركيون أيّ مشروع لحلّ مشكلة مخيم الركبان بالقرب من حدود سورية مع الأردن والملاصق لقاعدة التنف الأميركية التي تنتصب عند زاوية تربط بين سورية والعراق والأردن.

الكارثة في مخيم الركبان أنه يضمن نحو 45 ألف مهجر سوري تنتشر بينهم حالة جوع واوبئة فتاكة وأمراض وفوضى أمنية ووجود إرهابي ملحوظ لمنظمة داعش، حتى انه يبدو خالياً من أي نوع من الرعاية الأميركية باستثناء التحريض على الدولة السورية والترهيب من العودة الى ديارهم بذرائع الخوف عليهم من انتقام الجيش.

الأردنيون من جهتهم يناشدون أهالي المخيم علناً للعودة إلى سورية لأن الظروف اصبحت آمنة مشيرين إلى عجزهم عن تموين المخيم حتى بالحد الأدنى من المستلزمات الضرورية ومعترفين بوجود إرهاب منتشر بين الأهالي يمتلك سلطة وازنة لقمع السكان الراغبين بالعودة الطوعية.

هناك إذاً اربعة أطراف تسيطر على المخيم: أولها قادة عشائره والمتنفذون فيه، هؤلاء يشجعون على العودة السريعة لزوال كل المخاطر التي تسببت بالنزوح، فالمعارك وضعت أوزارها في معظم قراهم وهناك امكانية للعودة إلى الزراعة ورعي المواشي بما يؤدي إلى حياة اقتصادية لائقة، هذا بالإضافة إلى أن الدولة «ألغت» كل انواع المخالفات بمترتباتها المالية والقانونية في مسألة التجنيد العسكري.

الأردنيون هم الطرف الثاني وهؤلاء لا يقلون حماسة عن شيوخ عشائر الركبان بالدعوة إلى العودة إلى الديار. فالأردن على مشارف ازمة اقتصادية لا تنفك تتفاقم، ويتحدث عن فلول إرهاب بدأ بالتسلل إلى مناطقه، من مخيم الركبان أو بواسطته، كما أنه أصبح عاجزاً على المستوى الأمني من إدارة مخيم الركبان فيه خمسة وأربعون ألف نازح.

وكان النازحون السوريين إلى الأردن والمناطق السورية القريبة ضمن إدارة المخابرات الأردنية التي كانت تشكل منهم تنظيمات لمهاجمة القوات السورية في أنحاء درعا والمناطق القريبة منهم.

ومع سيطرة الدولة على مناطقها الجنوبية انتهى دور الأردن مع النازحين وأصبح بحاجة لإزالة ما تبقى من خطر عليه منهم وهذا لا يكون إلا بإعادتهم الى سورية الداخلية.

أما الأميركيون فهم الجهة الثالثة ذات النفوذ القوي في مخيم الركبان وذلك لأسباب عدة: أولها أنهم يمتلكون قاعدة التنف العسكرية القريبة من المخيم، التي تزعم أنها تحميه، لكنها فعلياً تطوّقه وتمنع نازحين من حرية الحركة.

يكفي أن الأميركيين يقاطعون الاجتماعات التي تدعو اليها روسيا للاتفاق على حل إنساني لمخيم الركبان والدليل أنهم قاطعوا الاجتماع الذي التأم في السادس والعشرين من الشهر الماضي في شرق حمص وضم إلى جانب ممثلين عن روسيا الدولة السورية وقادة مخيم الركبان، وذلك بهدف تعطيله ومنعه من اتخاذ قرارات نافذة على مستوى نقل غذاء وأدوية لنازحي المخيم والاتفاق على عودة آمنة طوعية لهم.

كما أبلغ الأميركيون الروس أيضاً أنهم لن يحضروا اجتماعاً جديداً ينعقد في التاسع من الشهر الحالي بين الأطراف نفسها.

على مستوى الطرف الرابع فهو داعش الإرهابي الذي يمارس قمعاً يصل إلى حدود التصفية لكل من تسول له نفسه القبول بالعودة إلى الديار السورية، وذلك على مرأى من قوات أميركية تفتعل العمى والصمم في حركة تشجيع لأفعال داعش.

يتبين أن هناك التقاء في الرأي بين الأردن وقادة العشائر وروسيا إلى جانب دولة سورية تفتح ذراعيها لعودة النازحين مقابل الأميركيين والإرهاب الداعشي، الرافضين لأي شكل من اشكال العودة على قاعدة أن السعودية والإمارات تعهدتا بارسال تغطية مالية لا يحتاجه المخيم، بشرط وحيد وهو صدور منع كامل لهدم مخيم الركبان وعودة أهله إلى مناطقهم.

لذلك ينبثق سؤال عن مدى أهمية هذا المخيم للأطراف المعترضة على تفكيكه؟

بما أن هذا المخيم يُشكل واحداً من نقاط بسيطة لا يزال فيها إرهاب داعشي، فبالمحافظة على المخيم تبقى داعش على دورها وتحتمي من الدولة السورية بالقوة العسكرية الأميركية في قاعدة التنف كما وتُمسك بخط مرورها نحو الأردن وربما إلى مناطق الأنبار في العراق برعاية أميركية لبناء أدوار جديدة في أي مكان.

أما الأميركيون فيعتبرون أن مخيم الركبان يلبي حاجتهم إلى منع الاستقرار السوري في الجنوب، مدافعاً أيضاً عن قاعدة التنف الأميركية آخر موقع نفوذ أميركي في كامل الجنوب السوري، وللتنف أهميات ضخمة واستراتيجية تبرزُ مدى الحرص الأميركي على المخيم، فهي قاعدة بين الحدود العراقية السورية الأردنية، تمارس تأثيراً على حركة الانتقال بين البلدان الثلاثة بواسطة قواعدها الجوية القريبة التي تستطيع تلبية قاعدة التنف بمعلومات عن كل ما يتحرك عند الخطوط الفاصلة بين سورية والأردن والعراق، فيصبح بوسعها تعطيل أي تنسيق عراقي سوري أو أردني سوري أو بين الدول الثلاث.
لذلك فإن مخيم الركبان هو خط الدفاع الأول عن الأميركيين في قاعدة التنف وأدوارها الجيوبوليتيكية وهذا ليس بكافٍ، فمخيم الركبان يؤجل ايضاً معركة شرق الفرات التي لا يمكن البدء بها قبل الانتهاء من المخيم وجارته القاعدة الأميركية.

فشرق الفرات محتل من ثلاثة أطراف اساسية هم القوات الأميركية التي يعاونها تحالف أوروبي ذو وزن خفيف وقوات سورية الديمقراطية قسد الكردية .

هؤلاء هم المستفيدون من منع عودة النازحين من مخيم الركبان إلى مناطقهم السورية، فلا تصل القوات السورية ومعها حلفاؤها الإيرانيون وحزب الله والروس إليهم، وتتأجل المعركة المصيرية لتحرير «الشرق» إلى إشعار مجهول.

هناك إشارة اضافية تكشف أن التهديد التركي لقسد ليس جدياً بدوره لأن بقاء هذه المنظمة الكردية يمنح الترك مبرراً للبقاء في شمال سورية والشمال الغربي في حين أن زوالها ينزع من أنقرة كل مبرر لاحتلال أجزاء سورية.

وهذا يكشف لماذا يؤيد كل من الإسرائيليين والأميركيين والأتراك والأوروبيين وداعش والخليجيين ومعهم حلف الاشتراكي الجنبلاطي وقوات جعجع والمستقبل الحريري عدم عودة النازحين السوريين إلى مناطقهم.

وهناك مَن يُعرب عن مخاوفه من مطالبة حلف السعودية اللبناني بنقل مخيم الركبان إلى لبنان!

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/04/05