متى تغلق ايران مضيق هرمز؟
صالح القزويني
الموالون لإيران وخصومها يستخدمون على حد سواء قضية احتمال لجوء طهران إلى إغلاق مضيق هرمز، لما له من أهمية استراتيجية خاصة في تزويد العالم بالطاقة، حيث أن 40 بالمئة من النفط العالمي يمر عبره، ويكفي لمعرفة الأهمية الاستراتيجية للمضيق أن نعرف أن أي حدث يقع فيه يؤدي إلى رفع أسعار النفط إلى عشرات الدولارات، فما بالكم إذا تم إغلاقه.
فالخصوم يستدلون بتهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز على أنها دولة تهدد أمن واستقرار المنطقة مما يستدعي التخلص من نظامها أو ارغامه على تغيير نهجه وسياساته، وبالتالي فانهم يؤيدون أية خطوة للضغط على إيران، ومع أنهم يبررون موقفهم بسلوكيات إيران ولكن من المؤكد أن لديهم خلفيات دينية أو قومية أو سياسية وراء دعوتهم إلى التصدي لإيران.
من جانبها طهران وخاصة حرس الثورة الإيرانية يرى أن المضيق ممر بحري دولي وكما أنه يحق لجميع الدول استخدامه لنقل بضائعها فإن من حق إيران أيضا أن تستخدمه لهذا الغرض، ما يعني أن القوات الإيرانية ستمنع مرور أية سفينة عبر المضيق إذا مُنعت سفنها من المرور عبره.
طهران تنظر للمضيق على أنه أحد أوراقها وأحد عناصر قوتها ولكن لن تستخدمه إلا إذا اضطرت إلى ذلك مما يعني أنها ستستخدمه عندما تواجه عدوانا من دولة معينة أو عدة دول.
أطلق المسؤولون الإيرانيون تهديد إغلاق مضيق هرمز في الأسبوع الماضي تزامنا مع إعلان البيت الأبيض الأميركي بأنه قرر وقف إعفاء الدول الثمان من شراء النفط الإيراني، وأنه يمضي إلى ايصال تصدير النفط الإيراني إلى الصفر، مما يستدعي سد كل المنافذ التي تستطيع إيران تصدير النفط عبرها.
أحد منافذ تصدير النفط الإيراني هو البحر، وبما أن بعض دول العالم والشركات العالمية تخشى العقوبات الأميركية عليها فانها لن تتعامل مع إيران بشكل مباشر، غير أن الكثير من الدول والشركات النفطية ليس بإمكانها غض الطرف عن النفط الإيراني أما لجودته أو لأن إيران ستضطر إلى عرضه بأسعار منخفضة لتتجاوز العقوبات، لذا أما أن تلجأ بعض الدول إلى تأجير سفنها أو تأجير علمها والسماح برفعه على بعض ناقلات النفط أو أن تقوم الناقلات الإيرانية بايصال النفط إلى الشركات أو الدول المستفيدة.
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية جادة في سعيها إلى تصفير تصدير النفط الإيراني فأنها ستحاول منع هذه السفن من نقل النفط الإيراني عبر البحر، إلى جانب الضغط على الدول والشركات بعد استيراد النفط الإيراني، مما يدفع طهران إلى تنفيذ تهديدها بإغلاق المضيق ومنع الجميع من استخدامه ونقل النفط والبضائع عبره، فهل يا ترى واشنطن مستعدة لايصال التوتر إلى هذا المستوى؟
بلوغ التوتر إلى هذا المستوى سيؤدي إلى رفع اسعار النفط إلى أكثر من 300 دولار للبرميل الواحد، الأمر الذي ترفضه إدارة الرئيس ترامب جملة وتفصيلا، فهي تبذل ما في وسعها ليبقى في المستوى المطلوب، ولكن إذا صعدّت ضد طهران فإن أبرز تبعات ذلك هو ارتفاع الأسعار.
التصعيد ومنع إيران من تصدير نفطها عبر البحر قمة المجازفة فربما تنتهي إلى نشوب الحرب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ومع أنه ليست هناك أية مؤشرات على أن الولايات المتحدة مستعدة للحرب مع إيران بل أن كبار المسؤولين الأميركيين ومن بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو أعلنوا أنهم لا يريدون خوض الحرب ضد إيران، مما يشير إلى أن واشنطن ليست ذاهبة إلى تصفير تصدير النفط الإيراني في الوقت الراهن.
رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري كان صريحا اليوم الاحد في الإعلان عن موقف بلاده من مضيق هرمز، فقال لا نريد إغلاق مضيق هرمز ولكن سنتصدى لكل من يعبث بأمنه، مما يشير إلى أن طهران تعي جيدا مدى المخاطر والتهديدات التي تحدق بها وبالمنطقة إذا أغلقت المضيق، ولكنها في نفس الوقت ستلجأ لهذا الخيار عندما تتقطع كافة السبل أمامها ويضعها ترامب أمام خيارين، أما الانتحار أو الاستسلام.
الفعل الأميركي ورد الفعل الإيراني خاصة إذا كان عسكريا يخدم بالدرجة الأولى طهران، لأنه سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع الأسعار بحد ذاته يشكل ضغطا على ترامب ليعيد النظر في موقفه، إلى جانب ذلك فإن من مصلحة إيران ارتفاع سعر النفط للتعويض عن انخفاض كمية النفط الذي تصدره للعالم، بمعنى آخر أن إيران التي كانت تصدر أكثر من مليوني برميل نفط في اليوم بخمسين دولار، ولكن مع انخفاض تصديرها إلى مليون برميل وارتفاع السعر إلى 100 دولار أو أكثر فكأنما صدرت مليوني برميل بخمسين دولار، ولكن بفارق أنها احتفظت بمليون برميل نفط في مخازنها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/04/29