تركيا لا تزال تناور...
حميدي العبدالله
برهنت هدنة الـ 72 ساعة التي لم تعلن من قبل الجيش السوري، وقالت روسيا عنها إنها وقف لإطلاق النار من طرف واحد، برهنت أنّ تركيا لا تزال تناور ولا تزال تعمل على حماية الجماعات الإرهابية، بدلاً من الإسهام في مقاتلتها.
من حيث المبدأ سلّمت تركيا بأنّ «جبهة النصرة»، لاحقاً «هيئة تحرير الشام»، هي منظمة إرهابية، ونظرياً وافقت تركيا على جميع البيانات الصادرة عن لقاءات أستانا واتفاق سوتشي الموقع بين موسكو وأنقرة على ضرورة محاربة الجماعات الإرهابية في إدلب، ولكن تركيا لم تلتزم بكلّ ما تعهّدت به، سواء لجهة تطبيق اتفاق سوتشي حول المنطقة منزوعة السلاح والخالية من الإرهابيين، أو لجهة محاربة الإرهابيين الذين تمركزوا في إدلب.
في غضون فترة وقف إطلاق النار الأحادي من قبل الجيش السوري، أوعزت أنقرة أولاً للجماعات المسلحة المرتبطة بها، وأيضاً لجبهة النصرة، ممثلةً في هيئة تحرير الشام، الإعلان أنها غير ملتزمة بوقف إطلاق النار لمدة 72 التي كان قد تمّ التوصل إليها عبر مساع روسية – تركية، بل استغلت هذه الفترة لإقناع والسماح لتشكيلات إرهابية مسلحة كانت قد طردتها «هيئة تحرير الشام» من إدلب العودة إلى الجبهات لمحاربة الجيش السوري، وفعلاً وصلت أرتال من هؤلاء الإرهابيين الذين كانوا يتمركزن في إعزاز وعفرين، إلى جبهات إدلب وأرياف حلب وحماة، وبديهي ما كان لجبهة النصرة أن تسمح لهؤلاء بنقل قواتهم إلى جبهات القتال، وبالتالي كان لتركيا الدور الكبير أولاً في إجراء مصالحة بين التشكيلات الإرهابية المسلحة في إدلب لمواجهة الجيش السوري، وثانياً أنّ أنقرة مارست الابتزاز والضغوط على روسيا وهدّدتها بالانسحاب من مسار أستانا، بهدف وقف العملية العسكرية في إدلب ومحيطها.
هذه التجربة تؤكد أولاً، أنّ تركيا تناور وكلّ ما توافق عليه لا يمكن حمله على محمل الجدّ. وثانياً، أنّ تركيا هي حامي الإرهابيين وليست خصماً لهم، وحتى الصراعات التي دارت بين التشكيلات الإرهابية في إدلب في فترات سابقة هي جزء من الاستراتيجية والسياسة التركية، لأنّ تركيا كانت تريد تعبئة آلاف الإرهابيين لتهديد مناطق تقع في شمال سورية ووصْل الجيب الذي احتلته في منطقة جرابلس – الباب مع عفرين، وذلك يتطلب السيطرة على تل رفعت وأيضاً منبج، وكان واضحاً أنّ تركيا تحتاج لآلاف الإرهابيين للسيطرة على هذه المنطقة، وكان من الصعب عليها إقناع مسلحي القرى والبلدات في أرياف حماة وإدلب العمل في المناطق التي تريدها تركيا، ولذلك عمدت إلى إرغامهم على ذلك عبر استخدام جبهة النصرة التي أرغمتهم على النزوح إلى مناطق الاحتلال التركي المباشر.
يتضح جلياً من تلك الخطوات الإيرانية، أنّ حائكي السجاد يدركون بدقة ما يحيكون فكيف الحال بدقة موازين القوى التي تحكم معادلات المنطقة، حتى أنها لم تجعل لهجة واشنطن وخطواتها التصعيدية، يمرّان دونما استفادة من تلك الفرصة لتوجيه ما يملكه محور المقاومة من قوة مجتمعة، لإحكام القبضة على ربط أي مسعى للتفاوض بتناول الملفات المتشابكة، بحيث بات حل الملف اليمني والسوري والعراقي وكل ملفات المنطقة، مرتبطة بمفاتيح «تملكها» إيران، وتضمن تهدئة الملف النووي بانتظار فرص مقبلة للحلول، إضافة لأي حل يؤمن صادرات نفطها وتدفق الأموال..
فيما ترسم الصين معادلات دبلوماسية لإدارة حربها التجارية مع أميركا تتراوح بين تسويات وضغوط ومواجهات بالمثل، تراوح أميركا بطريقة التراضي أو بطريقة التغاضي أو بربط النزاع، كشروط للتهدئة..
كذلك تحيك إيران معادلات اقتصادية لإدارة حربها الاقتصادية مع أميركا تتراوح بين تصعيد لفظي وتغاضٍ عن دعوات التفاوض والحرب في سياسة لا سلم ولا حرب ومواجهات بالمثل، تراوح أميركا بطريقة الضغط أو بربط النزاع، كشروط للتهدئة..
وما بين فكّي الكماشة «الشرقية»، يراوح ويراوغ الأميركي شارياً الوقت فقط، لكسب أصوات انتخابية وأموال للخزينة الأميركية.. ويبقى التوتر الدولي والفوضى في النظام الدولي سيّد الموقف حتى تتبدّد غيمة الحرب التويترية.. إنما سيسجل التاريخ أنّ تلك الكماشة «الشرقية» قلبت موازين القوى ورسخت نظام دولي جديد..
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/05/21